يعلون يؤكّد المؤكّد: تل أبيب وافقت مُسبقًا على نقل الجزيرتين والجسر الجويّ بين مصر والسعوديّة التي باتت “حليفة غير مُعلنة لإسرائيل بسبب العداء المُشترك لإيران”
بات جليًّا وواضحًا أنّ الـ”علاقات السريّة” بين تل أبيب والرياض تسير بوتيرةٍ سريعةٍ أكثر ممّا توقّع أكثر الخبراء تفاؤلاً، كما أنّ التصريحات عن هذه العلاقة انتقلت من ملعب التسريبات الصحافيّة إلى مركز دوائر صنع القرار، على الأقّل في الدولة العبريّة اليوم بات اللعب على المكشوف.
وفي هذه العُجالة لا بُدّ من التذكير بتصريح رئيس الوزراء فيها، بنيامين نتنياهو، خلال العدوان الأخير ضدّ قطاع غزّة، والذي أكّد على أنّ إسرائيل تبحث عن أفق سياسيّ آخر، اليوم وبعد سلسلة التصريحات الإسرائيليّة أصبح معروفًا للجميع أنّ وجهة تل أبيب هي نحو الدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة، بحسب المُعجم الصهيونيّ، وفي مقدّمتها المملكة العربيّة السعوديّة، ذلك أنّ هذه الدول، تُعلن جهارًا نهارًا أنّ إيران هي العدو الرئيسيّ للأمّة العربيّة، وفي المُقابل تُشدّد التقديرات الاستخباريّة الإسرائيليّة على أنّ إيران كانت وما زالت وستبقى العدو الرئيسيّ للدولة العبريّة، ويجب تشكيل الأحلاف لتخفيض منسوب هذا التهديد.
وربمّا، هنا المكان وهذا الزمان، أنّ القرار العربيّ باعتبار حزب الله منظمةً إرهابيّةً يتماشى مع هذا التوجّه الإسرائيليّ العربيّ، ويؤكّد لكلّ من في رأسه عينان أنّ تساوق المصالح بين الطرفين بات في مقدّمة الأجندة السياسيّة، وأنّ تمظهرات هذا الاتفاق غير المكتوب ستخرج إلى العلن ولو بعد حين. وفي هذه العُجالة، لم تعد الضمانات السعودية لإسرائيل على المستوى وما يتعلق بالتزام اتفاقية “كامب ديفيد”، مجرد تسريب صحافي إسرائيليّ.
فقد كشف وزير الأمن، موشيه يعلون، أمس، عن أنّ إسرائيل تلقت وثيقة مكتوبة تُثبِّت حرية الملاحة الإسرائيلية في مضائق تيران، وأضاف في حديث مع مراسلين عسكريين، إنّ الوثيقة تُكرّس الالتزامات السعودية، على خلفية انتقال جزيرتي تيران وصنافر إلى سيادتها، بالاتفاقات التي توصلت إليها إسرائيل ومصر في اتفاقية السلام عام 1979، بحسب قوله.
وبحسب صحيفة (هآرتس) العبريّة، ينّص الاتفاق على أنّ مضائق تيران وخليج العقبة هما مياه دولية مفتوحة للملاحة البحرية والجوية. وغنيٌ عن القول إنّ ما كشفه يعلون يؤكّد على أنّ الرياض قدّمت التزامات ترى فيها تل أبيب ضمانًا لمصالحها الأمنية، والتزاما عمليًا بمقتضيات “كامب ديفيد”. علاوة على ذلك، أشار إلى أنّه بفعل حرية الملاحة المنصوص عليها في الاتفاق بين إسرائيل ومصر، جرى التوجه مسبقًا لتل أبيب لتحديد موقفها من نقل السيادة إلى السعودية.
وشدد، أيضًا، على أنّ هذا الأمر يقتضي موافقتنا، وموافقة الأمريكيين المشاركين في الاتفاقية، وقوات الحفاظ على السلام، ما يعني أنّ الأطراف الأربعة، السعودية ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة، توصلت إلى تفاهم على نقل المسؤولية عن الجزر إلى الأولى شريطة أنْ يحذو السعوديون حذو المصريين في شأن الملحق العسكري للاتفاقية بين مصر وإسرائيل. أمّا فيما يتعلّق بالبعد الأمني، فقد أكّد يعلون على أنّ الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة لم تُعارض بناء جسرٍ بريٍّ بين السعودية ومصر، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ هذا المسار جرى أيضًا بموافقة إسرائيلية. ومؤكّدًا مرّةً أخرى على أنّ التفاهمات مثبتة في الوثيقة.
وجزيرتا تيران وصنافر تتمتعان بأهمية استثنائية في الميزان الإسرائيليّ لكونهما تقعان في مدخل خليج العقبة، نتيجة ذلك، فإنّ هوية الدولة وتوجهاتها تحتل أولوية متقدمة لدى صانع القرار الإسرائيليّ، ما يعني أنّ الموقف الإسرائيلي المؤيّد، والسعوديّ الملتزم، ينطويان على دلالات سياسية كثيرة بدأت بالظهور في تصريحات الإسرائيليين.
في السياق عينه، أشار محلل الشؤون العربيّة في القناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيليّ، عوديد غرانوت، إلى أنّ الخطوة المصرية تبدو للوهلة الأولى كأنّها تتعارض مع اتفاقية السلام، ولكنّ المحلق العسكري يسمح بإحداث تغييرات بموافقة الطرفين. وهو ما جرى عندما سمحت إسرائيل لمصر بإدخال قوات تزيد على ما هو مسموح به من أجل محاربة داعش.
ورأى المُحلل أيضًا أنّ الجانب الأكثر لطافة أنّ هاتين الجزيرتين تنتقلان إلى السعودية، التي هي جزء من المحور السني المعتدل، ويقال إنّ هناك علاقات سرية بينها وبين إسرائيل. وأعرب عن اطمئنانه إلى أن الجزيرتين لا تصلان لأيدي إيران وحزب الله، عندها ستكون القصة أقل لطافة بكثير، على حدّ تعبيره.
من ناحيته، رأى المُحلل العسكريّ في صحيفة (هآرتس)، أمير أرون، أنّ نقل الجزيرتين من مصر للسعوديّة، بمُشاركةٍ إسرائيليّة، يُعتبر سابقة إيجابيّة جدًا، وتابع أنّ هذه الخطوة تصب في صالح إسرائيل. وشدّدّ المُحلل على أنّ اسم اللعبة هو تعاون إقليميّ من أجل المصالح المُتبادلة، لافتًا إلى أنّ قضية الجزيرتين هي نموذج جيّد لكي تقوم الدول بتبنّيه، مُعربًا عن أمله في أنّه سيؤدّي للحفاظ على الأمن القوميّ المصريّ، الذي إذا أصابه أيّ شيء، سيُلقي بظلاله على الدول المجاورة، وفي مقدّمتها إسرائيل، بحسب تعبيره.
وبحسبه فإنّ السعودية هي حليفة غير مُعلنة لإسرائيل، وذلك لأنّها تُشاطر تل أبيب العداء لإيران.