لا يحرص الزعماء على البقاء فقط على كراسيهم، بل تساعدهم شعوبهم في ذلك. انظروا الأمثلة من موريتانيا إلى العراق.
بقلم: فاروق يوسف
يغادر الرئيس الاميركي باراك اوباما البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته الثانية. الرجل لا يفكر بولاية ثالثة. خبراء علم الاجتماع السياسي يحذرون مما يمكن أن يرافق الولاية الثالثة من أهوال وما يمكن أن تنطوي عليه من مبالغات.
ما من شيء اسمه الولاية الثالثة في كل دساتير العالم المتقدم.
غير ان موريتانيا وهي بلد عربي، يحار المرء أين يضعه في سلم العوالم لا تجد عيبا في أن يذهب رئيسها محمد ولد عبدالعزيز الذي لم يسمع به أحد خارج تلك الدولة الغنية بشعرائها وفقهائها إلى ولاية ثالثة.
ولكن ما الفرق بين ولاية أولى وولاية ثالثة للرئيس في بلد مثل موريتانيا؟
ليس بعيدا عن موريتانيا تقع ليبيا التي حكمها القذافي أكثر من أربعين سنة، لم تتخللها ثغرة واحدة تسمح بالتفكير بعدد الولايات التي تسنى للرئيس أن يتقلد الحكم فيها.
كانت ولايته مدى الحياة. وهو ما حدث فعلا.
لم يكن الشعب الليبي في ما مضى مستعدا للتفكير في حقبة ما بعد القذافي.
مثلما الاخ العقيد فقد فعلها صدام حسين وحافظ الاسد لتختتم بحسني مبارك وعلي عبدالله صالح، حتى صارت الولاية غير المقيدة بزمن محدد لا يمكن تمديده تقليدا.
لذلك لم يكن نوري المالكي حين سعى إلى ولاية ثالثة في منصبه رئيسا للوزراء في العراق قد اجترح معجزة ولم يطعن قاعدة بشذوذ تصرفه.
يُقال إن نهايات الولاية الثانية في بلدان مصابة بانفصال زعمائها عن الحياة السياسية المعاصرة تشهد تدهورا لافتا في إمكانية الزعيم على القبول بالذهاب إلى الحياة العامة، مواطنا عاديا والتخلي عن كرسي الحكم.
اما الولاية الثالثة فهي المساحة الزمنية التي يبدأ فيها جنون العظمة في فرض وجوده، بإعتباره نوعا من الالهام الماورائي.
لربما يصاب السياسيون في العالم العربي بالأزمة في وقت مبكر من عمر تسلمهم للمناصب الاولى في دولهم. وهو امر له علاقة وطيدة بالتقاليد والتراث وطريقة تصريفهما في الحياة المباشرة.
فرئاسة الجمهورية لا تختلف كثيرا بالنسبة للسياسيين العرب المخضرمين عن الزعامة القبلية التي لا تنتزع إلا بالموت. هو ما يجعل من عبارة "رئيس جمهورية سابق" لقبا سارا، لم يتمتع به إلا قلة، ممن كتبت لهم الحياة في عز، بعيدا عن قصر الحكم.
تكمن المشكلة في أن المرض العضال الذي يعاني منه سياسيونا يفتك بالملايين قبل أن يقتل حامليه.
وهي مشكلة سيكون لها أثرها السلبي حتى بعد اختفاء أسبابها.
لا لأن مرض الحكم معد حسب، بل وأيضا لأن الشعوب التي أرتضت أن تُحكم بطريقة غير قانونية ستجد نفسها في متاهة لا مخرج منها بعد اختفاء رمز السلطة الذي ظنوه باق إلى الأبد، بإعتباره معبودا.
لقد وقعت الشعوب في فخ الاستبداد هي الآخرى. وهي مشكلة أشد تعقيدا عن طريق اتباع الوصفات الجاهزة التي يكتبها أطباء البلاد السعيدة.
فالديمقراطية حسب الوصفة الغربية ليست حلا ولن تكون كذلك لشعوب تعاني من الاستلاب بكل أنواعه.
تكاد تكون طاهرة نوري المالكي في العراق نموذجا صارخا لتلك الفكرة.
فالرجل الذي أنتخب ديمقراطيا (في ظل سلطة الاحتلال الاميركي) وانتقل في ليلة وضحاها من بائع متجول إلى الحاكم بإمره لم يكن في إمكانه أن يصدق أن الديمقراطية التي أتت به إلى الحكم يمكن أن تنحيه وتجلب شخصا آخر يحكم بدلا منه.
لذلك فقد اعتبر طرده من السلطة ومنعه من الاستمرار في ولاية ثالثة بمثابة مؤامرة على المشروع الاسلامي في العراق. وهو يعني بالمشروع الاسلامي النظر إليه بإعتباره خليفة، باق ما دامت الخلافة باقية.
المقلق في الامر أن الشعب العراقي وهو الذي أصابته حقبة المالكي في الصميم من وجوده الأخلاقي بعد أن شهدت تلك الحقبة اتساع ظاهرة الفساد لم يكن حاسما في منع المالكي من البقاء في الحكم يوما واحدا بعد انتهاء ولايته الثانية كما ينص الدستور.
في هذه الحالة أليست الشعوب مسؤولة عن جنون حكامها؟