أشعلت تصريحات دافع فيها أمس محمد الأمين ولد الشيخ الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية عن مطالبة سابقة لوزيري المالية والعدل بزيادة مدد ولاية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الجدل من جديد حول تعديل الدستور لإلغاء المأموريتين.
فقد أكد في مؤتمر صحافي «أن وزيري العدل والمالية لهما الحق في المطالبة بمنح الرئيس محمد ولد عبد العزيز مأموريات ثالثة ورابعة وخامسة»، مؤكداً «أن هذا الرأي هو رأي الأغلبية بل هو رأي جمهور كبير داخل الشعب الموريتاني».
وقال «إن تغيير الدستور ليس ممنوعاً فالممنوع مخالفة الدستور ومن حق أي مواطن موريتاني أن يقترح تعديلاً للدستور إذا شاء».
واعتبرت أوساط المعارضة وأوساط المدونين المقربين منها «أن تصريحات الوزراء الثلاثة بالونات اختبار هدفها جس نبض الشارع حول تقبل أو رفض قضية تعديل الدستور لزيادة المأموريات»، معتبرة «أن تصريحات الوزراء لا يمكن أن تصدر من فراع فهي مقدمة لمعركة ستفتح قريبا لزيادة المأموريات الرئاسية المحددة في الدستور الحالي بمأموريتين غير قابلتين للتجديد». وعلى مستوى كبار المدونين والمفكرين من متابعي هذه القضية، أكد الدكتور أبو العباس ابرهام في تدوينة له أمس «أن الدُّستور لن يُغيّرَ بدون دم».
وأكد «أن الوقت ما يزال مُبكِّراً، حتّى على المستوى التّحليلي، لاتخاذ موقِفٍ ممّا باتَ يُسوّقُ أنّه محاولة تعديل الدستور للتمديد للجنرال عزيز بولاية ثالثة ورابعة».
«فالمُعطيات إلى حدِّ الآن، يضيف أبو العباس، شحيحة وغامضة وقابلة للتأويل، وفي الوقت نفسه من الواضِحَ أنّنا بصدد اختلاجات أو تفكير بصوتٍ عالٍ، وربّما بالون اختبار، بخصوص التّمديد».
وتابع أبو العباس قائلاً «يجزم الغوبلزيان وزير الماليّة والعدل، بدون أن يُلطِّف ثالث الأثافي، الناطق باسم الحكومة، باستحقاق الجنرال عزيز لتمديدات كثيرة، وفي الوقت نفسه الذي لا نعرفُ هل هذه التّصريحات كرّة ثلج وسحابة صيف فإنّ الكثيرين يجدون أنّه من الصّعب الاعتقاد بأن تزامن هذه التّصريحات لم ينبَع من استيراتيجية وغرفة حرب».
«ما هوّ أهّم، يقول الأستاذ أبو العباس، هو أنّ هذا النّمط من التّفكير، إن صحّت تسميتُه كذلك، يأتي في ظرفٍ سياسي موحٍ؛ فقد انهارَ الحوار الوطني الذي أطلِق قبل أكثر من عام، وربّما كان ذلك الحوار محاولةً من النِّظام إعادة انتخابات رئاسية تُلغي انتخابات 2014 وبالتالي تُعطي تمديداً عملياً للنظام في الحكم، بتفويض المعارضة (مقابل تقاسم البرلمان والبلديات معها)، ويبدو أن تفكير تغيير الدستور، بفاعلية أحاديّة، قد ظهر بديلاً عن حلٍّ توافقي في حوارٍ وطني، قد يكون استيراتجية انتقال سياسي وقد يكون مجرّد تخبُّط».
«عموماً، يقول، لم يُظهِر الجنرال عزيز أيّ احترام للدستور منذ 2005، وهوّ محاطٌ بانقلابيين على نصوص القوانين في جميع المؤسّسات «الدّستوريّة»، ولكن مواد المأمورية تبدو الأكثر قداسة في الدّستور، وبعكس غيرها فمن الصّعب تهميشها من دون خلق أزمة سياسيّة-اجتماعية وتعبئة هائلة على مستوى العسكر والصِّراع الطبقي وبذل الأموال والتعبئة الجماهيريّة».
وضمن هذا الجدل المشتعل منذ أمس حول تعديل الدستور، عرضت صحيفة «نواكشوط أنفو» المستقلة لأهم السيناريوهات التي يجري نقاشها، معتبرة «أن أولها هو خيار إعادة التأسيس، بالإعلان عن إلغاء الدستور الحالي، وتنظيم مشاروات شعبية واسعة تنشأ عنها جمعية لإعادة تأسيس الدولة في البلاد، وكتابة وثيقة دستورية، متحدثة عن نقاط عدة يمكن أن تفيد النظام في هذا المجال على رأسها رفع حركات سياسية وحقوقية عدة لمطلب إعادة التأسيس».
«أما الخيار الثاني تضيف الصحيفة، فهو خيار التوافق السياسي، مشيرة إلى أن المجلس الدستوري في موريتانيا اعتبر في فتوى صادرة عنه في العام 2009 أن التوافق أعلى قانونياً من الدستور، متحدثة عن المساعي المتعددة لإجراء حوار سياسي منذ سنوات عدة، ومشيرة إلى سعي كل طرف سياسي لاتخاذ الوقت سيفاً يسلطه على خصمه في معركة لي الأذرع بين الأطراف السياسية، وهي المعركة المستمرة منذ سنوات عدة»، حسب «نواكشوط أنفو».
وأشارت الصحيفة إلى أن «الخيار الأخير هو خيار التعديل التقليدي، وتجاوز المواد الدستورية من خلال مطالب شعبية وجماهيرية، وامتناع الرئيس عن دعمها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن بدون الوقوف في وجهها أو منعها بأي شكل من الأشكال».
وتوقفت الصحيفة أمام العقبات التي يمكن أن تقف في وجه التعديل الدستوري مؤكدة أن من بينها «شدة جمود هذه المواد، وصراحة القسم الرئاسي، فضلاً عن الموقف الدولي الصريح من الموضوع وخصوصاً الموقفين الفرنسي والأمريكي».
وحذرت الصحيفة «من مغبة التوجه نحو التعديل بالنظر لتجارب تغيير الدستور التي أثرت على استقرار بلدان إفريقية عدة».
«القدس العربي»