يرى العديد من المحللين السياسيين والمراقبين قرار إغلاق الحكومة الموريتانية عشرات "المحاظر" (المدارس القرآنية)، والمعاهد الدينية التابعة لحركة الإخوان المسلمين في البلد، يؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة بين النظام والحركة.
مواجهة حتمية
مواجهة محتدمة بين النظام والإخوان باتت قاب قوسين أو أدنى، فالنظام يطمح لإضعاف خصومه عن طريق تضييق الخناق على العمل الجمعوي، والخيري، والعمل على تجفيف منابعه ولو اقتضى الأمر سن القوانين لذلك.
وسبق هذه الخطوات خطوات أخرى في إطار التضييق على الحركة، إذ قامت وزارة الداخلية في ماس/آذار من عام 2014، بإغلاق جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، إحدى أهم الجمعيات المملوكة للجماعة، ويترأسها العلامة محمد الحسن ولد الددو، وذلك بتهمة خرق الجمعية للنظم والقوانين التي تسيّر الجمعيات، خاصة في ما يتعلق بمصادر التمويل وطبيعة نشاطها.
المحلل السياسي أزيد بيه ولد الإمام قال إن الأزمة الحالية بين النظام الحاكم والتيار الإسلامي بموريتانيا تمثل تعبيراً عن عمق الخلاف بينهما، مشيراً إلى أن إغلاق "المحاظر" و"المعاهد" الإسلامية وما تبعه من بيانات وردود هو تعبير واضح عن أزمة سياسية قديمة جديدة بين طرفين فاعلين في الساحة الوطنية، (النظام الحاكم، والتيار الإسلامي).
تقليم أظافر الإخوان
وقال ولد الإمام في تصريح لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه من الواضح أن النظام يحاول من جديد تقليم أظافر خصمه القوي في الساحة ـ الإخوان المسلمين ـ من خلال تجفيف المنابع ومحاولة تقليص دورهم الذي ينظر له بالأهمية الكبيرة على المستويين السياسي والاجتماعي.
وأضاف ولد الإمام: "لفهم ما يحدث، وخطوات النظام القادمة يجب أن ندرك أن الرئيس الموريتاني الحالي يسعى في الفترة المتبقية من حكمة إلى تغيير الدستور ليتمكن من البقاء فترة ثالثة، والدخول في ذلك بخطوات متدرجة، منها إضعاف القوى الحية التي يتوقع أن تقف بقوة في وجه خطة تغيير الدستور، ومن أهمها تيار الإخوان المسلمين".
وخلص ولد الإمام للقول إنه "مهما كانت التفسيرات المتفائلة والمتشائمة بشأن الصراع المتجدد فإن مواجهة حتمية بين النظام والإخوان في موريتانيا قادمة، فالنظام والقوى الناصرية والبعثية التي يحكم بها تدفعه لهذه المواجهة، إضافة إلى طموحات النظام ونزواته السلطوية التي تريد العبث بالدستور لتمريرها، كما أن الإسلاميين يرون في نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز العدو القوي المتربص بهم، فالمعركة بينهما بدأت بالمحاظر ولن تتوقف عند الجمعيات والأحزاب".
اتهامات متبادلة
حديث العلامة الإخواني محمد الحسن ولد الددو مؤخراً، والذي أكد فيه رفضه المسّ بمؤسسات تعليم القرآن والسنة النبوية، تسبب في تذكية الصراع مع الحكومة، وزادت من حدة التوتر القائم.
واعتبر الددو، رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، في محاضرة بالعاصمة نواكشوط أن مَنْ يقف في وجه المؤسسات الدينية سيزول هو وتبقى هي، مستنكراً محاولة السلطة لطمس هوية الشعب.
وفي أول رد فعل على كلام الددو، أصدرت رابطة العلماء الموريتانيين الرسمية بياناً أعربت فيه عن استنكارها لكل دعوة تؤدي إلى الفتنة والتفرقة والإخلال بالأمن.
واعتبرت رابطة علماء موريتانيا (التي يترأسها الفقيه حمدا ولد التاه وتتبع وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي) أن الجميع مطالب بأن يتذكر وجوب المحافظة على الأنفس، والأموال، والأعراض، ودعت الإخوان إلى ألا يكونوا طرفاً في ذلك.
ودعت الرابطة كذلك القائمين على المعاهد الدينية إلى الالتزام بالضوابط القانونية والإدارية التي وضعت من أجل حماية العملية التعليمية والقائمين عليها، "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، على حد تعبيرها.
وبدوره عبر اتحاد الأئمة المقرب من الحكومة الموريتانية عن إنكاره لكل "دعوة تؤدي إلى الفتنة أو الإخلال بالأمن مهما كان مصدرها".
تفاؤل حذر
الصحفي المتخصص في الشأن السياسي أبوبكر ولد أحمدو الإمام يرى أن إغلاق المحاظر والمعاهد التابعة للإخوان جاء أولاً كتصرف فردي من رئيس الوزراء الحالي يحيى ولد حدمين، ضمن صراع جهوي مع أحد خصومه الذين ينتمون لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الذراع السياسية للإخوان".
وأضاف الإمام "الحكومة الموريتانية وجدت نفسها في حرج حينما بدأ الوزير الأول معركة ليّ الذراع مع الإخوان، وقام بإغلاق العشرات من فروع بعض المعاهد الإسلامية التابعة للحركة، في تصرف أرغم الجهات الرسمية على مواصلته في ثوب مطالبة المعاهد بالحصول على تراخيص عمل، وهو ما لم يكن معمولاً به سابقاً في البلد، حيث يعمل العديد منها دون تراخيص".
ليست حرباً مفتوحة
واستبعد ولد أحمدو الإمام دخول الحكومة الموريتانية في حرب مفتوحة من الإخوان على الأقل في الوقت الحالي، لأسباب عديدة أبرزها وجود العديد من الملفات التي تشغل النظام، أبرزها ملفات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، يعتبر العمل على إنهائها أولى لدى السلطة في الدخول في حرب مع الإخوان.
وظهرت أصوات تنادي بالتريث وتدعو لحل منصف للأزمة وإنهاء الصراع القائم حولها.
وطالبت 55 منظمة وجمعية موريتانية الحكومة بالعمل سريعاً على توفير تراخيص للمعاهد القرآنية التي تم إغلاقها الأسابيع الماضية في مناطق داخل البلاد، مؤكدة ضرورة الالتزام بالشروط والضوابط المطلوبة لفتح هذه المراكز وغيرها.
واعتبرت الجمعيات والمنظمات في بيان صحفي أن جميع المؤسسات الدينية مطالبة بالنأي عن السياسة"، فضلاً عن "رفض كل الدعوات التي تدعو للفتنة والتطرف".
تاريخ مليء بالأحداث
ظهر تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا مطلع سبعينيات القرن المنصرم باسم "الجماعة الإسلامية"، لينضوي لاحقاً مؤسسو الجمعية تحت اسم "حاسم" في عام 1990، وهو اختصار للحركة الإسلامية في موريتانيا التي تتبنى فكر حركة الإخوان المسلمين.
وبدأ الإخوان في موريتانيا مسارهم السياسي عام 1991، حينما قدموا لوائح للانتخابات البلدية، بعد رفض ترخيص الحزب الذي تقدموا به، ليجمعوا جهودهم مع القوى المناوئة لنظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع.
وفي سنة 2005 أنشأوا مبادرة الإصلاحيين الوسطيين التي تمخضت لاحقاً عن حزب سياسي مرخص هو حزب (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية)، المعروف اختصاراً باسم "تواصل"، وخاضوا من خلاله الانتخابات البرلمانية والبلدية في عام 2007، وهي الانتخابات التي خولت لهم الدخول إلى البرلمان الموريتاني بـ16 مقعداً، والفوز برئاسة عشرات المجالس البلدية داخل البلد.
ويسيطر الإخوان المسلمون في موريتانيا على العمل الثقافي والخيري، حيث يركزون على نشر الثقافة الإسلامية، وهو ما عرّضهم للتصادم مبكراً مع نظام ولد هيداله الحاكم في البلد، الذي سارع إلى إغلاق العديد من النوادي الثقافية والجمعيات التابعة للإخوان وأهمها الجمعية الثقافية الإسلامية.
ومن أهم الجمعيات والنوادي التابعة للإخوان التي تم إغلاقها في فترات مختلفة من طرف الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على موريتانيا: (الجمعية الثقافية الإسلامية، ونادي مصعب بن عمير، ونادي عائشة)، وأغلقت سنة 1994، بينما تم إغلاق جمعية الحكمة للأصالة وإحياء التراث سنة 2003، خلال صدام الإخوان مع نظام الرئيس معاوية ولد الطايع