ملاحظات علي   شهادة رجل الدولة الوزير والاداري اسلم عبد القادر

16 أكتوبر, 2025 - 21:45
احمد جدو ولد حني/كاتب ومحلل سياسي مقيم في الإمارات العربية المتحدة

في سلسلة من الصوتيات الفكرية والسياسية التي أثارت جدلا واسعا خرج الوزير والمفكر السياسي المخضرم 
((إسلم ولد عبد القادر))
 عن صمته ليتحدث بجرأة ووضوح عن قضية من أعقد القضايا التي أرقت الدولة الموريتانية منذ نشأتهاوهي: الفساد.
حديثه لم يكن خطابا سياسيا عابرا بل أقرب إلى شهادة تاريخية من داخل الذاكرة الوطنية تحمل رؤية رجل عاش مراحل الدولة وخبر دهاليزها وشارك في إدارتها ثم وقف اليوم ليقيّمها بعين الناصح والأمين.
شهادة من داخل التجربة
بأسلوبه الهادئ الرصين قدم إسلم ولد عبد القادر مراجعة صريحة لمسار الدولة الموريتانية منذ الاستقلال وحتى اليوم محددا مكامن الداء في منظومة الحكم والإدارة.
ولم يكتفِ بإلقاء اللوم على فئة دون أخرى بل مارس نوعا من التحقيق الأخلاقي والسياسي حيث تحدث عن الفساد بأشكاله المتعددة: الإداري، المالي، الأخلاقي، والسياسي، واضعا الأصبع على الجرح من غير مجاملة ولا مواربة.
إنصاف وعدالة في التقييم
اللافت في حديثه أنه لم يسقط في فخ التعميم أو التهم الجاهزة، بل ميّز بين الفاسد والنزيه وبين من مارس السلطة لمصلحة الوطن ومن جعلها وسيلة للثراء والنفوذ.
وقد برأ عشرة من الشخصيات الوطنية ذكرهم بالاسم معتبرا أنهم أدوا أدوارهم في خدمة الدولة بصدق ونزاهة وهم:
1.المختار ولد داداه
2.أبًَ ولد أنَّ
3.محمد سالم عدود
4.محمد سالم ولد امخيطرات
5.المعلوم ولد ابراهام
6.محمد عبد الله ولد خرشي
7.أنكمل روان
8.الداه ولد الشيخ ولد أعمر
9.عبد الله ولد الشيخ ولد أحمد محمود
10.وشخصيات أخرى أشار إليها ضمن هذا الإطار النزيه
وقد أوضح المفكر أنه لم يبرئ نفسه ولم يعتبر ذاته خارج دائرة المسؤولية بل أدرجها ضمن من ساهموا بشكل أو بآخر في بناء التجربة بما فيها من نجاحات وإخفاقات في نزاهة فكرية نادرة في المشهد السياسي الموريتاني.
وفي تحليله للفساد لم يكتفِ إسلم ولد عبد القادر بوصفه ظاهرة أخلاقية بل اعتبره نتاجا لبنية سياسية واجتماعية معقدة تكرس الزبونية والقبلية والمحسوبية وتحول دون قيام دولة المؤسسات.
وقد عبر عن هذا المعنى بعبارة بليغة أصبحت محور حديثه: “البول لا يُطهر بالبول.”
في إشارة رمزية إلى أن من تورط في الفساد لا يمكن أن يكون هو من يقود عملية الإصلاح لأن اليد الملطخة لا تغسل نفسها.
رؤية للإصلاح.. ولكن من خارج المنظومة
إسلم ولد عبد القادر لا يبيع الأوهام ولا يتحدث عن “حلول عاجلة” أو “إصلاحات فوقية”، بل يرى أن القضاء على الفساد يحتاج إلى إرادة مجتمعية عميقة تبدأ من تغيير القيم والسلوك وإعادة تعريف علاقة المواطن بالدولة.
فالحل في نظره ليس في تبديل الأشخاص بل في تبديل القواعد التي تجعل من السلطة وسيلة للنهب بدل الخدمة.
كما دعا إلى إعادة الاعتبار للمسؤولية الأخلاقية في العمل العام، ولتربية الأجيال على ثقافة النزاهة والصدق لأن “المدان لا يطهّر المدان”، كما قال في عبارته الشهيرة.
صدق الكلمة وجرأة الموقف
ما ميّز إسلم ولد عبد القادر في هذه المراجعات الفكرية هو صدقه. لم يكن خطابه هجوميا أو انتقاميا بل تأمليا وناصحًا يجمع بين معرفة الداخل وحرص الخارج.
لم يسعَ إلى إدانة أحد بقدر ما سعى إلى إيقاظ الضمير الجمعي وإعادة طرح سؤال العدالة والمصلحة العامة في سياق بلد أنهكته دوامة الاتهامات والولاءات الضيقة.
--وأختم بشهادة للتاريخ--
فحديث إسلم ولد عبد القادر لا يمكن اختزاله في تسجيلات صوتية عابرة بل هو وثيقة فكرية سياسية تستحق أن تكتب وتدرس لأنها تمثل شهادة رجل دولة عاش التجربة بكل تفاصيلها ثم اختار أن يرويها بصدق ليضعها بين يدي الجيل الجديد.
لقد قال ما لم يقله كثيرون ممن شاركوا في صناعة القرار واضعا أمام المجتمع مرآة صافية يرى فيها واقعه بلا تجميل.
وربما كان أبلغ ما في حديثه تلك الحكمة العميقة التي تلخص الأزمة كلها:
“الفساد لا يُطهر بالفساد.. والمدان لا يطهر المدان.”
كلمات تختصر نصف قرن من التجربة الموريتانية وتفتح الباب لتساؤلات كبرى حول المستقبل إن كان هذا الوطن يريد فعلا أن ينهض من رماد تاريخه نحو دولة العدالة والنزاهة.

الفيس بوك

بث مباشر