قصة قصيرة :"في أدرار، لا نزن الناس بأنسابهم.. بل بأخلاقهم

6 أغسطس, 2025 - 13:41

كانت شمس "الكيطنة" الأولى تلمع على ثنايا "ملحفة التاج" السوداء التي تلف جسد "اماته" ، بينما يتمايل عطر الشاي الأخضر مع نسمات الصباح. إبراهيم ولد أذويب وقف عند مدخل "ازريبة"، عمامته (انيله) تلمع كقطعة من السماء، يعدّ "أتاي" الضيافة بيدين ماهرتين توارثتا فن الكرم عبر الأجيال.  

ظهر الغريب فجأة كشبح من رمال الشرق. دراعته الفضفاضة ترفرف كجناح غراب جريح، وعيناه الباردتان تتفحصان كل شيء بنظرة تشبه سكيناً مسمومة.  

"أتريد ظلاً يقي حر الصحراء؟" ابتسم ولد أذويب وهو يرفع كأس الشاي الذهبي.  

"أريد ما لا تستطيعون تقديمه.. راحة تليق بمقامي"، أجاب الغريب - عبدالله ولد سيدي محمود - بصوت يشبه حفيف أفعى سامة.  

لم يغضب ولد أذويب. بيد المدني الأنيقة، أشار إلى "اتكيت" المزينة بالسجاد الأزرق، حيث تنتشر وسائد من جلد الإبل المطرز: "في أدرار، نصنع من الرمال فراشاً، ومن لهيب الشمس دفئاً".  

لكن ليلة مقمرة كشفت النوايا الحقيقية. بينما كانت النسوة في حلقة "الأشوار"، تلبسن النيله السوداء التي تزيد جمالهن وقاراً، لاحظ ولد أذويب كيف كان الضيف يلاحق أماته بنظرات تذيب حدود الأدب. ثم الصدمة.. حين حاول مسك طرف ملحفة انيلة خلف خيمة الضيوف!  

انقض ولد أذويب كالسيف المغمد بكرامة، قبضته الحديدية توقف يد الغريب في منتصف الهواء: "في أدرار، نقدس حرمة الثوب كما نقدس حرمة البيوت!". صوته كان هادئاً كالنخلة لكنه صلب كجذعها: "لو جئت بقلب نظيف لزوجناك أجمل بناتنا.. لكنك جئت بنية العابرين".  

ارتعش عبدالله كمن لُدغ بعقرب: "أنا  اشريف وعربي و.. ".  

قاطعه ولد أذويب بابتسامة تلمع كالشمس على رمال الصحراء: "في أدرار، لا نزن الناس بأنسابهم.. بل بأخلاقهم".  

غادر الغريب قبل الفجر، لكن ولد أذويب أدركه عند "واد سكلى"، حيث تروى أفضل حكايات الكرم. مد له صندوق من خشب النخيل المحفور: "  كيص من اتكلاع من أجود نخيلنا.. ففي أدرار، حتى الفراق له طعم خاص".  

بعد سنوات، جاء رسول يحمل مخطوطة مذهبة:  

"اليوم رزقت ببنت.. ألبستها نيلة أدرار، وعلمتها فن الأتاي كما رأيته منك".  

رد ولد أذويب بهدية عبارة عن حولى من نيله مطرز بخيوط صفراء ذهبية، مع رسالة:  

"الكرامة شجرة.. جذورها في الأرض، وأغصانها في السماء".  

تحت ظل نخيل أدرار، حيث يمتزج دق الطبول والفن الأصيل   بعبق الشاي والنيله الزرقاء، كانت أماته تعد الأتاي، بينما يروي ولد أذويب للأطفال كيف أن الكرم الحقيقي هو أن تعطي وتبقى شامخاً كالنخلة.. تعطي الظل والثمار، لكن لا تنحني إلا لله.