من دون أن ينتصر الإرهابي نتنياهو، ويحقِّق ما وعد به الأمة اليهودية، حققت المقاومة الفلسطينية عديد الانتصارات، منها ما تحقق من دون السعي إليه، والمقصود هنا، كشف أزلام الصهيونية من خونة الأمة، الذين سقطت كل أقنعتهم على مدار الحرب، وصاروا الآن يتحدَّثون بوجوههم الحقيقية، فتجدهم أحيانا أكثر صهْيَنة من الصهيونية نفسها.
عندما تصل الوضاعة ببعض القنوات العربية أن تستكثر على أطفال غزة أو ما تبقى من أطفال غزة نشوة الفرح بوقف إطلاق النار، فإن الأمر يعني أننا أمام طائفة جديدة من الأمة لم نصادف مثيلا لها في كتب التاريخ الإسلامي والعربي، حتى في تلك الهزائم الكبرى أمام المغول، وفي سنوات الاستعمار الحديث، عندما صارت الخيانة أسلوب حياة لدى بعض الناس.
تعوّدنا في الحروب الكلاسيكية بين الكيان الصهيوني والجيوش العربية، أن نرمي اللوم واللعن أحيانا على زعماء العرب من ملوك ورؤساء، فنحمّلهم الهزائم التي كانت دائما خاتمة المنازلات من النكبة إلى حرب العبور، ولكننا في الحرب على غزة، وجدنا طائفة أخرى دون الزعماء، من إعلاميين ومفكرين ومثقفين وخاصة أئمة، راحت تفتي ضد المقاومة، فتكفِّرها ولا تكفِّر العدو الذي أباد كل مظاهر الحياة، وتمنع الترحُّم على الشهداء وتطلب عقد اتفاقيات سلام ومحبة مع الأعداء.
صحيحٌ أن فاتورة صيحة “طوفان الأقصى” كانت ثقيلة جدا، وصحيح أن ما سيعيشه أبناء فلسطين، بعد وقف إطلاق النار سيكون أكثر إيلاما من الحرب نفسها، عندما يبحث أبٌ عن ابنه، وعائلة عن منزلها، وشاب عن عمله، وطفل عن محفظته، فلا يجدونها، لكن أبواب الحرية كانت دائما تدق بأيد مضرجة بدماء الشهداء.
سيعود الجميع، من مجاهدين وحياديين وناقمين على المقاومة إلى “بيوتهم”، وعندما تكون الأرض في أيدي العدو، ستتساوى البيوت، فلا معنى لقصر فاخر، ولا لسيارة من أجود طراز، فكلها تتساوى مع بيوت غزة المهدمة. والذي يشير إلى أحوال غزة ويراها نتاجا لجهاد غير محسوب العواقب، عليه أن يشير إلى الذين سكنتهم الذلة وبحثوا عن العزة لدى الظلمة والمستبدين، فلا نظن أن الذي وقف بقلبه وماله مع الظالم أحسن من المظلوم.
أكثر المتفائلين في الكيان الصهيوني، ومنهم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، يعلم بأن المقاومة لم تنته، ومنهم من يراها بالقوة نفسها وبكثير من الخبرات، وهو ما يعني جولات جهاد في المستقبل، ستحدث طال الأمد أم قصر، وأكثر المتشائمين من الأحرار، يعلم بأن الحرب مستمرّة، ولن يهدأ بالهم إلا مع تحرير الأرض وحفظ العرض وإعادة الحق لأهله، ولكن في المرة القادمة، سيعلم المقاومون سلفا مسار المعارك، وسيعرفون بالاسم وبالتفصيل من يقف إلى جانبهم على قلّتهم، ومن يقف إلى جانب العدو على كثرتهم، وحينها سيتحقق ما ورد في القرآن الكريم: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”.