سنة قاسية على الفلسطينيين /حسين لقرع

3 يناير, 2025 - 18:44

لا نبالغ إذا قلنا إنّ 2024 هي أقسى سنة على الفلسطينيين طيلة 76 سنة كاملة، إذ لم يسبق لهم أن تعرّضوا لمحن وشدائد ومجازر وتجويع وتهجير وتدمير لبيوتهم ومنشآتهم منذ أن وقع بلدهم تحت نير الاحتلال الصهيوني في 1948، مثلما تعرّضوا له خلال السنة المنقضية.

خلال سنة 2024، صعّد الاحتلال مذابحه بحقّ الفلسطينيين في غزة، ولم يمر يوم من دون تسجيل ارتكاب مجازر جديدة يذهب فيها العشرات بين شهيد وجريح، ولم تنقض السنة، حتى تجاوزت حصيلة الشهداء 45500 شهيد، منهم 14500 طفل، وبلغت حصيلة الجرحى أزيد من 108 آلاف مصاب، في حين بقي 11 ألف مفقود تحت الأنقاض إلى حدّ الساعة، وقد أبيدت مئات العائلات ومحيت كلّيا من السجل المدني.

في هذه السنة، واصل الاحتلال تدمير غزة، ونسف بيوتها ومستشفياتها ومدارسها ومخابزها وطرقاتها وحتى آبارها… وحوّل أجزاء واسعة منها إلى مناطق غير صالحة للحياة، وواصل حصار سكّانها ومنع دخول ما يكفي حاجاتهم الأساسية من غذاء وماء ودواء وخيم ومساعدات إنسانية شتى، ما عرّض العديد من الأطفال والكبار للموت جوعا وبردا. ومنذ 5 أكتوبر الماضي، شرع الاحتلال في تنفيذ “خطة الجنرالات” الرامية إلى تهجير سكان شمال القطاع، لإعادة استيطانه، ولتحقيق ذلك، ارتكب جرائم مروّعة وأعمال إبادة واسعة وتطهير عرقي لا تزال مستمرة إلى الآن، وبلغ به الحقد على السكان الصامدين في بيوتهم أنه منعهم من إغاثة جرحاهم، ودفن شهدائهم، وترك جثامينهم في الشوارع تنهشها الكلاب.

حدث ذلك كلّه أمام أنظار العالم، ولكنّ لا أحد تحرّك لوضع حدّ للمأساة؛ فالغرب متواطئ كلّيا مع الاحتلال وشريك في الجريمة، ولا يزال يزوّده بالأسلحة والذخائر لمواصلة مجازره النّازية إلى اليوم، ما يعدّ سقوطا مدوّيا للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان الغربية المزعومة، والدول العربية والإسلامية أظهرت عجزا تاما ومخزيا عن نصرة غزة، وإغاثة شعبها، والقدرة على الضغط على الغرب لوقف الحرب، واكتفت بالتفرّج عليها.

سنة 2024، كانت قاسية على المقاومة أيضا؛ ففيها استشهد ثلاثة من كبار قادتها وهم صالح العاروري وإسماعيل هنية ويحيى السنوار، فضلا عن استشهاد قيادات كثيرة من الصف الثاني في المعارك الدائرة بالقطاع، وربّما الآلاف من عناصرها، وتزامن ذلك مع خسارات أخرى جسيمة طالت جبهة الإسناد بلبنان؛ إذ فقد “حزب الله” بدوره عددا من كبار قادته يتقدّمهم أمينه العام، حسن نصر الله، وخليفته المحتمل هاشم صفي الدين، وقائد أركانه فؤاد شكر، وعددا من قادة كتائب “الرضوان”، النّخبة القتالية للحزب الذي تلقّى أيضا ضربات ميدانية قاصمة أجبرته على قبول وقف القتال وفكّ “وحدة الساحات”، فكان ذلك خسارة جسيمة للمقاومة الفلسطينية، تلتها خسارة أكبر إثر السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا يوم 8 ديسمبر 2024، وهو الذي طالما زوّدها بأسلحة مختلفة ومنها صواريخ “الكورنيت” التي استعملها في الحرب الدائرة، وبذلك كانت سنة 2024 قاسية على محور المقاومة كلّه.

وللأسف، أبت السلطة الفلسطينية إلا أن تزيد من متاعب المقاومة في سنة 2024، فشرعت في استهدافها في جنين، ضمن مخطط صهيوني- أمريكي لتصفيتها بالضفة الغربية كلّها.

ومع كلّ هذه الشّدائد والمحن، شهدنا خلال سنة 2024 مقاومة أسطورية أبدعت في طرق تصدّيها للاحتلال وتفجير دبّاباته وآلياته العسكرية المختلفة، وقنص جنوده، ونصب الكمائن الناجحة لهم، والصمود أمام آلته الحربية الجهنّمية بوسائل قتالية بسيطة، آخرها البدء بتنفيذ عمليات استشهادية ومهاجمة جنود الاحتلال بأسلحة بيضاء، وهي وسائل تبثّ الرعب في جنود العدوّ وتضرب روحهم المعنوية في الصميم. ولوحظ في الأيام الأخيرة أيضا عودة إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة والقدس، وبعضها أطلق من بيت حانون التي تتعرّض لحصار شديد ووجود عسكري كبير للاحتلال، ما يعني أنّ المقاومة لا تزال قادرة على ترميم قدراتها في كلّ مرة، والتكيّف مع المرحلة، ومواصلة القتال، ولم تنته كما يروّج نتنياهو وكبار قادته، وبالتوازي، واصل السّكان صمودهم بدورهم وأفشلوا مخططات الاحتلال بتهجيرهم إلى مصر.

سنة 2024 كانت قاسية على الفلسطينيين بغزة وحتى في جنين، شعبا ومقاومة، لكنّ الصمود الأسطوري يتواصل ويبشّر بقرب الانتصار، ونأمل أن يحدث في الأسابيع أو الأشهر الأولى للعام الجديد، بإذن الله.