السّنوار إذْ يُجدّد سيرة عمر المختار /سلطان بركاني

21 أكتوبر, 2024 - 18:11
الكاتب الجزائري  السلطان البركاني /كاتب ومحرر في موقع  الشروق أونلاين

شارك الصحفي الصهيونيّ المعروف “إيدي كوهين”، يومَ السبت الماضي، صورة للحشود الكبيرة التي حضرت الحفل الذي أقامه المغنيّ المصري “تامر حسني” يوم الجمعة بالإسكندرية، وعلّق على حسابه قائلا: “هذه هي الأجيال التي ستحاربنا وتحارب الغرب حسب عمر المختار، ههههه”، وهو بتعليقه هذا يقصد الاستهزاء بمقولة بطل ليبيا عمر المختار -رحمه الله-: “إنّ موتي ليس النهاية؛ سيكون عليكم مواجهة الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فسيكون عمري أطول من عمر شانقي”!

ليس مقبولا في دين الإسلام ولا في مروءة العرب، أن يحتشد الآلاف من المسلمين في حفل فنّي ساهر يتغنّى فيه المغنّي بالحبّ والغرام، ويتدافعوا للظّفر بالأماكن القريبة من المنصّة، ثمّ يتسابق المتيّمون والمتيّمات لاحتضان الفنّان، إلى الحدّ الذي تسجّل فيه حالات إغماء تضطرّ المنظّمين إلى إيقاف الحفل ساعة ونصف السّاعة بعد انطلاقه! وقد تعلّمنا من أحاديث النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الإيمان يرتفع عمّن بات شبعانَ وجاره إلى جنبه جائع؛ كيف بمن يتمايل طربا وأخوه إلى جنبه ينكّل به العدوّ حصارا وتجويعا وقتلا؟!

كان الأليق بإخواننا في مصر إذ لم يمكنهم أن ينصروا إخوانهم ويغيثوهم ويقدّموا لهم يد العون، أن يراعوا مصابهم، فيقاطعوا مهرجانات الغناء والصّخب، ويعلنوا النّكير على من يتقصّد إقامتها في مثل هذه الأيام العسيرة التي تمرّ بها غزّة، لكن ومع ذلك، فإنّنا نجزم يقينا بأنّ هؤلاء الذين تزاحموا على حفل “تامر حسني” يمثّلون أقلية تشرّبت المكر العلمانيّ الذي سعى حثيثا لقطع صلة الشعوب العربية بأمّتها وقضاياها، أمّا الأكثرية، فهم يتألّمون بألم إخوانهم ويتحدّثون عن محنتهم، ويتحيّنون أيّ فرصة ليقتسموا رغيف الخبز معهم؛ فمصر كانت على مرّ التاريخ ظهيرا للشّام، وكلّ خيانة إنّما سجّلت باسم الحكّام والأمراء الذين باعوا دينهم وأمّتهم بدنيا أوليائهم! وحتّى أولئك الذين أُلهوا عن محرقة غزّة، فنرجوا أن يردّنا الله وإياهم إلى دينه، ويخرج من أصلابهم وأصلابنا من ينتصر لفلسطين ويُري اليهود يوما يذكّرهم بأيام بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر.

إيدي كوهين، امتلأ جوفه غيظا من ثبات السّنوار إلى آخر رمق، وتملّكته الحسرة وهو يرى أبا إبراهيم يهزم كيان الصهاينة المحتلّ، حيا وميتا، ويلهم شباب الأمّة وأطفالها بلامته وعصاه التي رمى بها العدوّ بعد أن نفدت ذخيرته وخارت قواه.. فراح “إيدي” يستنجد بصور المحتشدين في حفل تامر حسني!

لقد أغاظ الصهاينةَ أنّ أسد غزّة السّنوار أعاد سيرة أسد الصّحراء  المختار، وأقضّ مضاجعهم أنّ هذا الأسد الهصور كان عصيا على كلّ الإغراءات التي قدّمت له؛ فلم يتردّد طرفة عين في رفضها، تماما كما فعل أخوه من قبل عمر المختار، حينما أجبر المحتل الإيطاليّ على مفاوضته، ورفض كلّ المنح والإغراءات التي عرضت عليه، وخيّر المحتلّ بين الخروج وبين المقاومة إلى آخر رمق.. كما أنّ السّنوار ظلّ متشبّثا بخيار الجهاد إلى اللحظة الأخيرة لا يرتضي له بديلا ولا يقبل عنه حولا، حتى استشهد وهو يقارع المحتلّ مقبلا غير مدبر، تماما كما فعل أخوه عمر المختار من قبل، حين ظلّ يقارع المحتلّ حتّى وقع في الأسر، وحتى وهو أسير ظلّ شامخا لم يحن رأسه ولم يتوسّل المحتلّ بكلمة واحدة، وحينما عرض عليه الجنرال الإيطالي غراتسياني أن يعلن الاستسلام ووقف المقاومة، قال قولته المشهورة: “نحن لا نستسلم؛ ننتصر أو نموت”، وحينما حُكم عليه بالإعدام قال بكلّ يقين: “سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي”.