من “إحراق بيروت” إلى “ضربات محدودة”! حسين لقرع

31 يوليو, 2024 - 00:35

منطقيا، ليس هناك أيّ مصلحة لـ”حزب الله” في ضرب قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل بالصواريخ، وهو يعلم أنّ سكانها مسلمون وعرب ينتمون إلى الطائفة الدرزية وليسوا مستوطنين يهودا، كما أنّها قرية خالية من أيّ قاعدة عسكرية لجيش الاحتلال، حتى لا يقول أحد إنّ الحزب استهدفها لكنّ صاروخه أخطأها وأصاب المواطنين الدروز.

صاحب المصلحة في هذه الجريمة هو الاحتلال، وذلك لضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ إذ سيحاول كسب ودّ العرب الدروز في الجولان السوري المحتل، من خلال ذرف دموع التماسيح على أبنائهم الشهداء، وإبداء الاستعداد للانتقام لهم من “حزب الله” الذي “اعتدى” عليهم، وخوض حرب من أجلهم، وبذلك يؤلّبهم -ويؤلّب دروز لبنان وفلسطين أيضا- على الحزب، ويغذّي الخلافات المذهبية والطائفية بالمنطقة، كما ينفي الكيان عن نفسه تهمة العنصرية التي طاردته خلال 76 سنة، ولاسيما في السنوات الأخيرة التي وصلت فيها حكومة نتنياهو اليمينية الفاشية إلى الحكم؛ إذ سيحاول الاحتلال الظهور بمظهر من لا يفرّق بين “مواطنيه” اليهود والعرب!
أمّا الهدف الأهم، فهو إيجاد ذريعة لشنّ حرب شاملة على “حزب الله” في لبنان، من دون اعتراضات وضغوط دولية خلافا لما حصل طيلة 10 أشهر من اندلاع اشتباكات محدودة بين الحزب والكيان، حرصت خلالها الولايات المتحدة والغرب على عدم توسيع دائرة الحرب خارج غزة. الآن تحاول حكومة نتنياهو استغلال مجزرة الأطفال الدروز الـ12، لتجييش الغرب وإقناعه بالحرب الشاملة وبضرورة دعمه فيها كما دعمه في غزة، لذلك لم يكن توقيت الهجوم على مجدل شمس صدفة، بل تزامن عمدا مع زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، لاستغلاله على المباشر ومحاولة إقناع الحلفاء الأمريكيين بدعم جيش الاحتلال بالمزيد من الأسلحة والقنابل العملاقة لشنّ هجوم شامل على “حزب الله”، بل حتى المشاركة في صدّ صواريخه ومسيّراته كما فعلت رفقة بريطانيا وفرنسا في 14 أفريل الماضي، مع 360 صاروخ ومسيّرة أطلقتها إيران على قواعد الكيان بفلسطين المحتلّة.
لكن يبدو من خلال ردود الأفعال الدولية الحذرة، أنّ الاحتلال لم يحصل على ضوء أخضر أمريكي وغربي لشنّ حرب شاملة على الحزب، ولا أيّ التزام بالمشاركة معه في صدّ صواريخه ومسيّراته، خشية توسّعها إلى حرب إقليمية كبرى، كما أنّ قادة الكيان يكونون قد راجعوا أنفسهم وأدركوا أنّ الحرب الشاملة ستلحق به دمارا واسعا وخسائر بشرية واقتصادية كبيرة ستضاعف متاعبه الحالية ويكون لها عواقب وخيمة حاضرا ومستقبلا، إذ لن يكون باستطاعة القبب الحديدية للاحتلال -حتى بمشاركة غربية مباشرة- اعتراض نحو ألف إلى ثلاثة آلاف صاروخ متطوّر ودقيق يوميا، فضلا عن أسراب الطائرات المسيّرة المتطوّرة، لذلك تراجعت تصريحات المسؤولين الصهاينة من “حرق بيروت وتحويلها إلى غزة ثانية” و”إعادة احتلال جنوب لبنان” و”اغتيال نصر الله”… إلى مجرّد “ردّ محدود ذي أثر مؤلم” و”أيام من القتال مع حزب الله”! ولا شكّ أنّ هؤلاء القادة قد اقتنعوا بأنّ جيشهم المنهك الذي عجز عن الانتصار على المقاومة في غزة، برغم الدعم الأمريكي الهائل والمتواصل بأحدث الأسلحة والذخائر، لن ينتصر في حرب شاملة على “حزب الله” الذي تفوق قوّته التسليحية والبشرية قوة المقاومة الفلسطينية بنحو عشر مرات. إذا كان الاحتلال قد فشل في الانتصار على الحزب طيلة 10 أشهر من المناوشات وعجز عن ردعه وإعادة نحو 200 ألف من مستوطنيه إلى “بيوتهم” بشمال فلسطين المحتلّة، فكيف ينتصر عليه في حرب لا سقف فيها ولا حدود ولا ضوابط؟!
واللافت للانتباه أيضا من تطوّرات الأحداث، أنّ الاحتلال ذرف دموع التماسيح على الأطفال والفتيان الدروز الذين سقطوا شهداء خلال المجزرة التي وصفها بـ”الوحشية” و”البربرية”، وقد تملّص منها تماما وأصرّ على اتّهام “حزب الله” بها، وبذلك ظهر الاحتلال في قمة “الإنسانية” و”البراءة” وكأنّه ليس هو الذي ارتكب مئات المجازر المهولة بحقّ أطفال غزة طيلة 10 أشهر، وعددهم يتجاوز 20 ألف طفل، مزّقتهم قنابله وقذائفه إلى أشلاء!
وبالمناسبة، نشيد بالموقف التاريخي للدروز السوريين خلال زيارة نتنياهو لهم وقبلها مشاركة بعض وزراء الحكومة الصهيونية المتطرّفة في جنازة أطفالهم؛ فقد رفضت عائلاتهم مقابلة نتنياهو، كما وصفه الأهالي بـ”القاتل” و”الفاشي” وطالبوا برحيله من قريتهم، وكذلك فعلوا مع الوزير المتطرّف سموتريتش وبقية الوزراء ونواب “الكنيست”، ورفضوا الاستثمار في دماء أبنائهم لشنّ حرب على لبنان، وبذلك، أكّد الدروز العرب وعيهم العالي بمخطّطات العدو الصهيوني وسعيه إلى الفتنة وشقّ الصفوف، مثلما حذّر منه الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، وهو موقف شهم وتاريخي يحسب له.