طوفانُ أبناء مانديلا \ الكاتب الجزائري عبد الناصر بن عيسى

12 يناير, 2024 - 22:58

أعادت جنوب إفريقيا للإنسانية إنسانيتها، عندما تمكّنت من جرّ الكيان الصهيوني إلى المحاكمة، بتهم دموية ووحشية ثقيلة جدا، وهو الذي حاول أن يُوهم العالم لعقود بأنه ضحية، حتى وهو يمارس كل أنواع الجرائم التي ابتكرها إبليس وذريته.

خرجة أبناء نيلسون مانديلا التي تميّزت بالرقي في الطرح، وتقديم الحجة المُفحِمة، هو دليل على أن “طوفان الأقصى” أيقظ الضمائر، وأعاد القضية الفلسطينية إلى النور، بعد أن حاول العجمُ والعرب معهم، أن يجعلوها نسيا منسيا. وتكمن عظمة جنوب إفريقيا في رمزية هذه البلاد التي كافحت “صهيونية” العنصرية لعقود، وانتصرت عليها بطوفان مانديلا وأتباعه، إذ كان الصهاينة إلى جانب نظام الأبارتايد، لا يريدون لأمة جنوب إفريقيا الحرية، وتكمن أهمية ما قامت به، كونها بلاد لا تنتمي للأمتين العربية والإسلامية، وتجمعها علاقات جيدة مع بلاد الغرب، فجاء ما نسجته قانونيا بإحكام، نصرا لفلسطين التي فقدت العربَ فعلا هذه المرة، ولكنها كسبت الكثير من المتضامنين والفاعلين في العالم، الذين لم يكتفوا بالتنديد، بل اختاروا طريقا حضاريا، ترك الإسرائيليين قبل غيرهم يرون صورتهم البشعة، من خلال مرافعات رجال القانون من جنوب إفريقيا.

لن تردّ المرافعاتُ والدعوات القضائية، وحتى الأحكام المحتملة، التي قد تصدر من محكمة العدل الدولية، للفلسطينيين ما ضيّعوه، من غال ونفيس، خلال المائة يوم من الحرب العمياء التي شنتها الصهيونية على غزة، وقد لا تلتفت إليها الحكومة الصهيونية، وتواصل إبادتها لأبناء فلسطين تحت المظلة الأمريكية، ولكن مثل هذه الطعنات هي التي ستجعل الصهاينة يتعبون، بعد أن ظنُّوا أن ما قامت به بعض البلدان هنا وبعض الشعوب هناك، إنما هو كغثاء السيل، لا يلبث وأن يختفي، كما كان يحدث في كل المظالم الصهيونية التي كانت تُقابَل بالتنديد الشفوي الأجوف وفقط.

حاول الصهاينة في البداية مواجهة تحرك جنوب إفريقيا بـلامبالاة، ثم حاولوا وصف اتهاماتها لهم بـ”الأمر الخطير” و”النفاق” و”معاداة السامية”، ثم جاءت خطاباتُ قادتهم معجونة بالقلق والانفعال، وفي كل الأحوال وجد الصهاينة ولأول مرة منذ أن استنسخوا من أحلامهم “وطنا” من الوهم، يقفون أمام العدالة في حالة متَّهم يحاول أن يدافع عن نفسه، فيواجهه طوفانٌ من صور الإبادة الجماعية التي شاهدها العالم على المباشر، ودفع ثمنَها الأطفال والمرضى والشيوخ والحوامل، وليس “هولوكوست” من دون صور ولا أدلة.

يقول نيلسون مانديلا: “الحرية لا تُعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرا أو لا يكون حرا”، وقد رفضت جنوب إفريقيا الجرعات في حرب تحرُّرها، وهي ترفضها الآن لأبناء فلسطين في حرب الأقصى، وحتى محاموها من بيض وسُمر، من الذين أتحفونا بمرافعاتهم، عادوا بالتاريخ إلى ما قبل 1948، فقدّموا ما عاناه الفلسطينيون على مدار أكثر من خمسة وسبعين سنة، فحققوا ضربة على رأس الصهيونية، لم تكن أقلّ إيلاما من ضربة “طوفان الأقصى

إضافة تعليق جديد