حكم النخب.. أم حكم الشعب؟ د/ السيد ولد أباه -

5 يناير, 2024 - 01:50
الدكتور السيد ولد اباه  مفكر واكاديمي موريتاني

لم يتردد الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي في القول إنه يريد إزاحة الأقلية السياسية المحترفة التي اعتبر أنها «أفسدت» بلاده وقادتها إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. مثل كل الزعماء الشعبويين الذين صعدوا في الحقل السياسي خلال السنوات الأخيرة، يركز ميلي هجومَه على النخب المهيمنة على الإدارة ومؤسسات الدولة العمومية، ويرى أنها غدت معزولةً في الشارع المحبَط والغاضب الذي يلتف حول قادته القريبين منه، على حد قوله.

ولا يتعلق الأمر فقط بالديمقراطيات الناشئة في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، ففي كل الديمقراطيات العريقة تتجاوز القاعدةُ الانتخابية للحركات الشعبوية ثلثَ السكان وفي أغلبها أصبحت هي القوة السياسية الأولى. ليس من همِّنا هنا تفسير هذه الظاهرة التي يمكن، وبسهولة، ربطها بأزمات العولمة الاقتصادية والتقنية، وانهيار ثنائية اليمين واليسار التي أطَّرت لمدة قرنين الحياةَ السياسية، وتنامي تأثير وحضور شبكات التواصل الاجتماعي.. بل ما يهمنا هنا هو تأثير المعادلة المذكورة على سلطة وحضور النخب الفكرية والبيروقراطية التي قادت في السابق عمليةَ بناء الدول وتحديث المجتمعات.

وعلى الرغم من النقد الجذري الذي وجّهته المدرسة الماركسية لمفهوم «الأنتلجنسيا» من حيث هي طبقة برجوازية صغيرة متحالفة مع القوة الرأسمالية المهيمنة، فإن الأنظمة الديمقراطية في الغرب حكمتها دوماً النخب المؤثرة والفاعلة التي تداولت على السلطة عبر الآليات الانتخابية التعددية. لقد طرح كثير من علماء السياسة والاجتماع سؤال العلاقة الإشكالية بين الشرعية الشعبية التي تفترض نفاذ القاعدة الجماهيرية العريضة للسلطة مباشرةً باعتبارها متحكّمة في الرهان الانتخابي، وبين سلطة النخب المستفيدة عملياً من المسار التمثيلي الانتخابي رغم كونها أقلية محظية ضيقة. وإذا كانت الديمقراطيات الحديثة تتميز بالحركية التداولية المفتوحة، حيث لا تكون السلطة حكراً على فرد معين أو مجموعة بعينها، فإنها تتأسس في الوقت نفسه على ما سماه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر بالتمايز الاجتماعي أي التخصص الوظيفي في مجتمعات معقدة تديرها العقلانية البيروقراطية. وفي هذه الحالة، ليس ثمة اختلاف كبير بين طبيعة القيادات السياسية وطريقة توجهاتها. فحتى أحزاب اليسار الاشتراكي التي كانت قريبة من الأيديولوجيا الماركسية، بعدما وصلت للسلطة في أوروبا الغربية في النصف الثاني من القرن العشرين انتهجت نفس أساليب الحكم والتسيير التي كانت تعتبر خاصة باليمين الليبرالي. وبعد نهاية الحرب الباردة، توطد هذا التوجه، وبرزت أطروحات عديدة حول عودة الأفلاطونية السياسية، أي حكم الخبير العالِم القادر وحده على ضبط وإدارة الملفات الاقتصادية والفنية المتخصصة التي تتجاوز التصدعات السياسية.

الاتحاد الإماراتية 

إضافة تعليق جديد