أنهى الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته "الشرق أوسطية"؛ بترأس أعمال قمة جمعته بحلفائه من القادة العرب في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
يتعلق الأمر بزعماء الدول العربية الخليجية، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق والولايات المتحدة الأمريكية.
انتهت القمة بإصدار بيان ختامي، كشف عن تطور جنيني طفيف في المواقف العربية تجاه الضغوط الأمريكية؛ حيث خلا من أي إشارة لتحقيق اختراق أمريكي كبير في ما يتعلق بمساعي بايدن لتسريع وتيرة التطبيع مع العدو الصهيوني، وكذلك فيما يتعلق بالاستجابة لمطالب واشنطن الضاغطة من أجل زيادة الإنتاج النفطي للمملكة العربية السعودية خاصة، ودول الخليج عامة.
ورغم كل ذلك؛ فقد كشفت القمة عن حقيقة العجز المستمر للدول العربية حتى عن مجرد التفكير في بناء علاقة شراكة مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
بدا ذلك واضحا منذ بداية التحضير لجولة الرئيس الأمريكي؛ حيث ظل الحديث محصورا في ما تتناقله الأخبار عن أهداف الزائر الأمريكي وأجنداته وما يخطط له وما يريده من زيارته.
أما المزورون والمستقبِلون؛ فلا حديث عن أهداف تخصهم ولا خطط بين أيديهم لتحقيق أي غاية من هذه الزيارة؛ إذا استثنينا الكيان المحتل والذي نجح فعلا في تحقيق كل ما طمح إليه من هذه الجولة، وأكثر حتى مما خطط له سيد البيت الأبيض!!
فضلا عن ذلك فقد أبان القادة العرب في هذه القمة عن تجاهل كامل لأسباب القوة وأدوات الضغط التي يمتلكونها، ولمواطن الضعف العديدة التي يعاني منها ضيفهم وبلده في هذا الظرف الدولي المتميز؛ حيث:
-- تجاهل هؤلاء القادة قوة الشارع الشعبي القادر على منحهم من القوة والمصداقية ما لن يمنحه لهم غيره؛ لو استمعوا لمطالبه واقتربوا من معانقة تطلعاته وأحلامه.
وهذه الحقيقة الجلية هي خير ما يمكن الضغط به على زعيم غربي يتشدق بقيم الديموقراطية والمصداقية الشعبية؛ حين يواجهه زعيم شجاع بملاحظة أنه يشجع الحكام العرب على مخالفة إرادة شعوبهم ومواطنيهم.
-- كما تجاهل هؤلاء القادة الظرف الدولي ورسائله الواضحة بشأن أفول زمن القطب الواحد؛ وبزوغ نجم الأقطاب المتعددة وما يتيحه ذلك من فرص للمناورة والمفاضلة في التحالف أمام كل دولة؛ قوية كانت أو ضعيفة..
وهو واقع جديد يدركه الأمريكيون جيدا، ويدركون معه أن قدرتهم على ابتزاز الآخرين واستضعافهم؛ لم تعد أبدا كما كانت، وأنه لم يعد لهم مهرب من مراعاة مصالح جميع حلفائهم؛ خشية اختيارهم لحلفاء آخرين جاهزين لتقديم كل شيء من أجل نجاح مساعيهم العنيدة لإنهاء عصر القطبية الواحدة والهيمنة الأمريكية الفاحشة.
لم يراع حكامنا شيئا من ذلك ولم يلتفتوا إليه؛ في إصرار عنيد منهم على مواصلة نهج الخضوع للهيمنة الأمريكية؛ خضوع المتعود اللامبالي، أو استسلام المدمن الذي لا يرجى له شفاء.
فكان أن:
1) أعلنوا في ختام قمتهم الاستعداد للدفع من ثروات شعوبهم لتخفيف التداعيات السلبية لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل (الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا) على الاقتصاد الأمريكي والغربي عموما.
2) استعدادهم للانخراط المجاني في الحرب الأمريكية الصهيونية على إيران.
3) تشجيعهم كل الإجراءات الهادفة لمنع حيازة إيران للسلاح النووي؛ دون أن يمتلكوا شجاعة الدعوة لتجريد "إسرائيل" من سلاحها النووي؛ وكأن خطر احتمال امتلاك إيران لهذا السلاح، أضر بهم من واقع امتلاك "إسرائيل" له فعلا لا احتمالا أو توجسا!!.
4) التشديد على ضرورة نزع سلاح المقاومة اللبنانية؛ وكأن هذا السلاح موجه لصدورهم وعروشهم، وليس للاحتلال الجاثم على جزء من أقدس مقدساتهم، والمشرد لشعوبهم والمهدد لأراضيهم وأوطانهم.
5) إشارتهم للتأكيد على حق مصر المشروع ومصالحها المرتبطة بمياه النيل، وتجاهلهم للسودان؛ في إشارة ذات دلالة على تشبثهم بمنطق الشرق الأوسط الأمريكي، وعدم إيمانهم بأي منطق أو التزام قومي؛ وكأنهم يريدون القول: "نتضامن مع مصر لأنها شريك في هذه القمة وجزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد، وليس لكونها بلدا عربيا؛ فذلك منطق متجاوز لا يتناسب مع المسعى الأمريكي لجعل "إسرائيل" جزءا أصيلا من منطقتنا.
6) والأدهى من كل هذا والأمر؛ تأكيدهم على ما يسمونه "المبادرة العربية للسلام" وتشبثهم بهذه المبادرة الميتة منذ مولدها؛ ومواصلتهم مغالطة النفس ومحاولة إيهامها أن لديهم ما يقدمونه في هذه المبادرة ثمنا للأرض المغتصبة؛ حين يكررون رفع شعار "الأرض مقابل السلام"؛ وكأنهم هم من يهدد العدو ويهاجمه؛ وبالتالي يعرضون عليه صفقة تخليه عن جزء من أرضهم؛ مقابل منحه السلام، وهو سلام يحتاجه العدو فعلا؛ لكنه يحتاجه من قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي لم يعمل حكام هذه الدول إلا على محاربتها وحصارها وشيطنتها!!!.
وتطول المآخذ الجسيمة على هذه القمة التي أبانت عن فظاعة المستوى الذي تردى فيه حال النظام الرسمي العربي وما يعانيه من تفكك وانكسار، وهو ما يجعل الرهان كله ينعقد حصرا على فصائل المقاومة، وعلى نخب الأمة ومختلف قواها الحية، للعمل على ملأ الفراغ الكبير الذي سببه انهيار النظام الرسمي العربي واستقالته الجماعية من كل وظائفه الوطنية والقومية؛ إذ أن حالة هذا النظام رغم بشاعتها؛ إلا أنها تظل مؤشرا قويا على أننا بلغنا حد نهاية الكرب وحدود بداية الفرج والوعي الجماعي بخطأ كل التوجهات المرتكسة والمرتدة عن سبيل النضال القومي الواعي والصادق في سبيل وحدة الأمة العربية وحريتها وتنميتها المشتركة..
وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح؛ ويوما ما سيجد قادة هذه الأمة أنفسهم مضطرين للعودة لذات الشعارات التي حملها الأسلاف وارتكس عنها الأخلاف، وتشبثت بها شعوب الأمة من محيطها إلى خليجها؛ وستظل:
لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف بالعدو الصهيوني.. يوم تتحرر الأمة من حكام اختطفوها؛ فسلط الله عليهم الراعي الأمريكي ليكون خاطفهم وصائدهم، والعدو الصهيوني ليكون حارسهم ومروضهم..
وعسى أن يكون ذلك كله قريبا قريبا..
ميثاق