هل تعلم عن أجواء العيد في بلادكم؟..

10 يوليو, 2022 - 14:31

(الهاتف يرن، لا رقم على شاشته،،)

 الكاتب:
آلو،، آلو..! (صوت  يجيب ، نعم، معك على الخط، وشكرا على التفاعل معي ..)

الكاتب: 
صباح الخير، من معي؟
المعزة:  
معك "معزة غاندي"  التي تقاسمك الاعتقاد بأهمية المشروع التغييري في مجتمعكم، وصباح جميل،  باسق الآمال على ذرى القيم الرفيعة، و المفرحة، الباعثة على التفاؤل الخاص، والعام معا، وعلى التوقع المحفز على استقبال ما أردت أن أطلعك عليه من....

الكاتب:  
يا سلام،، كلامك اليوم  وجهه أبيض كاللبن المخثر، والحليب المسكوب، أو المحلوب من الضروع المدرارة،  وكم  فينا من يشتهيه، كما يشتهي رحيق النحل...

المعزة: 
تهانئي لكم بعيدكم الديني المبارك، ولقراء المواقع الافتراضية الموريتانية المتميزة بالآراء الجميلة التي أعجبتني كثيرا، وإن كنت استشكلت بعضها نظرا  لعدم فهمي لخصوصيات البيئة الاجتماعية،  وأبعادها الثقافية التي ستكون أنت مطلعا على خلفياتها، لذلك لجأت للاتصال بك مستوضحة المبهم الذي لم أجد له تفسيرا، ولكن قبل ذلك، أزف إليك البشائر  في مطالع الأبراج باستنطاقاتها القريبة، وأقربها إلي أجواء العيد  في بلادكم، فهي: من صافي،  ومتفائل، إلى غانم،  ومن مربك، إلى المتحامل غير المبرر على رب الأسرة، والمدير، ورئيس الحكومة في العاصمة انواكشوط  تحديدا...
الكاتب:
وما هذه الأضداد في المشاهد التي تراءت لك من قريب، أو بعيد في:  الصافي من الغائم، والمربك في التحامل؟!

المعزة:
لعل المعلوم للجميع، هو أجواء الخريف في بلادكم، وهي تستقبل السحب الملبدة بالغيوم، والمصحوبة بالرياح، والرعود، لذلك كانت التساقطات المطرية متفرقة، كلما ساقتها التيارات الهوائية..
اما المربك، فهو  السلوك في" التدبير"، المنزلي،  والتدبير  في الأداء الإداري، والتدبير في التخطيط الحكومي...
وكان من الطبيعي أن تكون ردات الفعل المضاد، في الاتجاه المعاكس، أقوى من الفعل، أما أن يكون، أقلها هو: التحامل، فذلك مؤشر على استقبال الخريف بوابل من عواصف التشاؤم  ليس إلا..

الكاتب:
من فضلك، لا تعطي للظواهر الاجتماعية مدلولات لها علاقة بتفسير أحوال الطقس، والمناخ في المواسم،، فلكل منها  مداميكه، و تمظهراته، والتحكم في اتجاهاته، ولا يعني ذلك غياب التأثر أحيانا؛ لكن ليس إلى الإسهاب في القول بانعكاس الظواهر على الواجهات المقابلة للمشاهد...
وهل تعلمين أن التدبير المنزلي في بلادنا مهما كان محكوما بالتخطيط، والتحكم فيه،، فإن "المدبر" المسكين سيبقى في ورطة من الأمر جراء اختراق الدفاعات المتمسكة بتلابيب العلاقات، لأن هذا(..)  قريب من ربة المنزل، قرب الأخ من الرضاعة، وقد تكون قرابته من جهة العمومة القبلية ومن هنا كان التمسك بالقبيلة للتكافل الاجتماعي... أو ما دون ذلك كالخؤولة من الأم، أو الجدة ، أو من الأب، أو الجد..
ولذلك كانت الزيارات في المناسبات الدينية المباركة لها أبعاد غير صلة الرحم.. فهل عندكم هذا؟ 
قد تقولين: لا، طبعا.
وهل عندكم  في الهند هذا النظام التكافلي، وهي ثاني كثافة سكانية في العالم، أو في جارتها الصين الشعبية الاشتراكية التي حققت الاكتفاء، أكثر من ذلك الاستثمار  المنتج داخيا، وخارجيا ، وأين من هذا "اشتراكيتنا"، بما عند مدبر المنزل، او الإداري حتى البسيط،،، فقد تسأليني عن أي "يوتوبيا" هذه؟! 
لذلك انتشرت ظاهرة الطوابير أمام الإدارات العامة في كل مناسبة وطنية، أو دينية؟!  

وأرجوك أن لا تسألي، هل الإدارة العامة، وضعت ميزانية لهذه العطاءات السخية موسميا، ولسان حال كل واحد  في تلك الطوابير الصباحية، يكرر على لسان "جبران خليل جبران" (( اعط، إنما تعط القليل))!
 أما المدبر الحكومي، فهو  محكوم بمواجهة الأولويات على غيرها،، ومنها، كيف تواجه حكومته تحديات الأزمة في الحبوب،، ونحن نستقبل الأمطار البعلية في موسم الخريف،،؟
وهل يكفي إعطاء محراث (أواجيل، وسقدة، وجكراج)  لكل حراث قادر على العمل في الحقول، ونقله من المدن المريفة إلى "شمامة"، والوديان الأخرى، وذلك  لاستصلاح الأراضي الزراعية، لما في ذلك من خير عميم، واستقبال بهيج  للعطايا الإلهية،  كالأمطار  السنوية  في تأجيل دور  الدعاية السياسة المغرضة لاستغلال" السحنة" الوطنية، وتوظيفها للتجمعات، والاحتجاجات- ليس من أجل العمل اليومي الضامن لكسب الفرد لقوته اليومي في مجتمعه- و إنما للتوعية الوطنية في سبيل اللجاج الهستيري الذي لا يكل صاحبه عن  استجداء التعويض عن الحرمان لأفراد "الفصيلة" من الأجيال السابقة التي ترقد  في مقابرها  تحت الأرض الآن التي يمكن الاستثمار فيها بالنبش عن حقوقها كمشروع أنجع من زراعة الأرض! 

وهكذا يفكر" الفكرون" الذي يتجول داخل الوطن، وخارجه جامعا غثاء السيل، وراشا الجميع بما يسكبه من دعاية آسنة، كما المياه الجارية بين رجليه كلما حركهما في أي اتجاه....

المعزة:
هل لك أن تخبرني عن دور التوعية في كتابات المثقفين، وحتى الأكاديميين منهم لتوجيه الرأي العام  نحو المقابر لأموات القرن الماضي،،؟ وما الأهمية من معرفة ذلك الذي وضعها على قمم الجبال، لتشم الهواء، بدلا من المنخفضات التي تتعفن في هوائها الراكد؟ وما قيمة الدعوة للترحم على أصحابها،؟
فهل عندكم في دينكم، أن الأموات، لازالت حساباتها مفتوحة مع خالقها الذي انتزع أرواحها من أجسامها بالموت،،، وذلك  للرفع من رصيدها بدعوات المارة على أصحاب  تلك المقابر من السيدات العجائز؟!

الكاتب:
عليك أن تتوقفي عن هذه الثرثرة الخطرة التي وصلت إلى المحرمات" التابو"، وما يتعلق بالمعتقدات في التصورات الذهنية عند كل واحد، إذ تتعاضد علاقة العقل الحداثي لدى أفراد نخبتنا بالفهم للدين،،،
 وغياب تحرير العقل من الأساطير المحنطة في المخيال الاجتماعي للمجتمعات العربية التي يغلب على ثقافتها المتداول من الحكايات، والخرافات،، لا المكتوب في كتب التاريخ، والثقافة،  و لعل الأمر يحتاج إلى تغيير ثقافي يلي تاليا  للتغيير الاجتماعي الذي نتقاسم وإياك مشروعه، بشرط أن تبقى الرؤية واضحة لك، ولا تدخلي بي في مسارب مظلمة، لأنك لن تشتركي معي في مواجهة المعارك الجانبية التي لا جدوى منها سيما، أنك من مجتمع، هو الآخر عنده خلط كبير  بين  الاعتقاد "الطبيعي"  في تقديس الحيوانات،  ولكن المميز  عنده سياسيا، هو  القطيعة بين تلك الاعتقادات،  وبين مشروع التغيير  النهضوي ،  وقد ضرب صفحا عن تحرير العقل من تلك الأساطير الاعتقادية...

المعزة:
هل تستطيع أن توضح لي أسباب غياب البرامج السياسية لدى الأحزاب القبلية، والجهوية، والدينية، والعرقية، والجمعيات الفئوية؟

الكاتب:
 إن تطلعك المدهش على ما يكتب في المواقع الموريتانية، قادك  بسرعة  قياسية إلى الاطلاع على منشورات  الأحزاب السياسية..

وقبل الإجابة على سؤالك، أريد أن أوضح لك أن مجتمعنا، قائم على هرمية قبلية، ووعي تفككي، وجهوية مناطقية، وعرقية شارخة، وفئوية طائرة العقل، وبالتالي، فالأحزاب السياسية،  تعبر عن هذا الواقع الاجتماعي...
  ولو كان مجتمعنا طبقيا، كما هو حال المجتمعات الحديثة، لكانت هناك نخبة سياسية  منحدرة  من الطبقة المتوسطة المتنورة،،
أما أنك تريدين أن نستجلب قوى سياسية من مجتمعات أخرى،، فهذا ليس من السياسة الوطنية، ولا من التطلعات للتغيير الاجتماعي المنتظر منك المساهمة فيه..
ومن هنا كان حضور  الشعارات السياسية الحديثة، هو للاستهلاك فقط،  لأنها ليست موجودة في البرامج السياسية، كتشريع يوجه الفرقاء السياسيين، أو قادة الأحزاب الذين يبقى رمزهم في المثل العليا، في المجتمع، هو:
 شيخ القبيلة، ورئيس" أدباي"، و" لكسر"، ومن هنا غاب الدفاع  عن الحقوق المدنية، والسياسية، ولو كان العكس ،كما نتمنى،  لكانت تلك الأحزاب،  أداة للتغيير الاجتماعي، لكن ذلك، ليس من القضايا المطروحة للنقاش لدى الحزبيين في مجتمعنا الذين يسعون إلى غير ذلك، و إلى ما هو أهم عندهم،  ألا وهو  تقاسم الكعكة مع أنظمة الحكم السابقة منذ ثلاثين عاما..
ولا يسعني إلا أن أشكرك على هذه التهنئة، والاستفسارات المهمة التي تناهت إلى ذهنك ربما بمناسبة العيد المبارك،  أعاده الله على الأمتين العربية والإسلامية، وعلى الإنسانية جمعاء، وعلى معزة غاندي المناضلة،، وإلى لقاء آخر..
المعزة:
تحياتي لك..
إشيب ولد أباتي

إضافة تعليق جديد