ما الذي يستهوي السياح بموريتانيا في عصر كوفيد-19؟

2 فبراير, 2022 - 09:16

في ذروة انتشار كورونا ومتحور أوميكرون الأكثر سرعة، ترك آلاف الأوروبيين وراءهم الترف والحياة الفاخرة بعاصمة الأنوار باريس، ليولوا وجوههم شطر شمال موريتانيا في عمق الصحراء الكبرى.

يتوجهون لها ملتحفين هدوءها وصمتها الناطق، مستمتعين بعزلتها التامة بحثا عن بساطة الحياة، حياة يذاق فيها طعم ماء الآبار الزلال، وارتشاف الشاي الأخضر المصنوع على الجمر تحت ظل الخيم المتواضعة وأشجار النخيل

معالم سياحية ثقافية وبيئية كثيرة تزخر بها موريتانيا تجذب السياح الأوروبيين إليها، ورغم طبيعتها الجافة ومناخها الحار، فإنها ما تزال الوجهة السياحية المفضلة لديهم منذ عشرات السنين.

وتتوافد في هذه الفترة الرحلات السياحية المباشرة من أوروبا وفرنسا وبالتحديد إلى شمال موريتانيا ذات المناطق الأثرية والتضاريس المتنوعة، رحلات من المتوقع أنها ستضيف انتعاشا للموسم السياحي الجديد، بعد سنتين من تأثر السياحة في البلاد بفعل إجراءات مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.

سر الإقبال

والإقبال في فترة انتشار أوميكرون في العالم يرجعه حبيب الله سيدي مياب الباحث بمجال الاقتصاد والسياحة إلى عوامل عدة، من أهمها استتباب الأمن في موريتانيا، وهذا الهاجس الأول لدى السائح الأوروبي، وبما أن المصطلح الأمني أصبح اليوم مرتبطا أكثر بالمجال الصحي فإن موريتانيا نسبيا تعتبر آمنة من كوفيد-19 خصوصا في الريف والمناطق الصحراوية النائية، وهي أساسا وجهة السياح الأوروبيين؛ إذ إن 90% منهم لا يمرون بالعاصمة التي تعتبر أكبر بؤرة للفيروس في البلاد.

ويتوقع المسؤولون أن تصل أعداد السياح هذه السنة إلى حوالي 5 آلاف سائح وهو عدد متوسط مقارنة بالسنوات الماضية التي كان عدد السياح يبلغ فيها 20 ألفا، ولكن رغم ضعفه سيتضاعف وفق توقعاتهم في الموسم السياحي القادم.

معالم ومقدرات

وفضلا عن امتلاكها شواطئ كبيرة تمتد لأكثر من 700 كيلومتر، وواحات وصحاري واسعة، فإن موريتانيا لديها أيضا ثقافات متعددة ضاربة في القدم ميزتها عن بلدان المنطقة، فالتلاقح بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأفريقية -وفق قول مدير المكتب الوطني للسياحة محفوظ ولد الجيد- "جسد عامل جذب لمحبي الاطلاع والتعرف على الثقافات والمدن التاريخية التي يقصدها السياح، فهنا مدن يمتد تاريخها لأكثر من 10 قرون".

ويضيف أن السائح الأوروبي كغيره من السياح في العالم تختلف ذائقته وفق اختلاف ثقافتهم، فمنهم الباحث عن الجو الصحراوي الدافئ نسبيا بالمقارنة مع أجواء أوروبا في هذه الفترة، ومنهم الباحث عن الشواطئ العذراء، فضلا عن عدد كبير من محبي السياحة الثقافية، وهم أساسا من كبار السن ومن رجال الثقافة والفن.

أماكن سياحية وأثرية

وتعد مدينة أطار -مركز محافظة آدرار شمال موريتانيا- وجهة السياح المفضلة، وهي البوابة الرئيسية، حيث يجتمع فيها السياح لينطلقوا منها إلى مختلف المعالم السياحية الأثرية والثقافية والطبيعية.

وفي هذه المحافظة تختبئ مدينتان أثريتان، مدينة شنقيط ومن أبرز معالمها منارة مسجدها الذي بني عام 645 م، وهو رمز موريتانيا التي يطلق عليها في المحافل العالمية، ومدينة وادان وتعرف بحصنها المنيع، ومكتباتها العتيقة ووديانها البهية، لذلك جاء اسمها تثنية واد، واد علم وواد تمر.

وتقع قرب مدينة وادان مملكةُ الجن كما يسميها البعض أو عين أفريقيا، وهي تكوينات صخرية ترى من الفضاء على شكل عين إنسان، يقدر قطرها بـ35 كيلومترا.

 

وتعد مدينة آزوكي الذاكرة التاريخية -التي أسسها المرابطون في القرن الخامس الهجري والمرتمية في أحضان سلسلة جبال آدرار على بعد 8 كيلومترات من أطار- من أبرز المعالم السياحية في موريتانيا.

وتحتوي محافظة آدرار على مناظر طبيعية من أبرزها الواحات التي تحتل مساحة 1876 هكتارا، وتشكل مناظرها الخلابة منتجعات سياحية تستهوي السياح للاستمتاع بظلها الوافر.

وتعد صخرة "بن عمير" ثالث أكبر متراصة صخرية في العالم، إذ يبلغ طولها 360 مترا، وتحتوي على نقوش أثرية ورسومات حيوانية تعود إلى عصور غابرة، وتبعد 100 كيلومتر من مدينة أطار المركزية، ومع أن طريقها وعرة فإنها تستحوذ على اهتمام السياح خصوصا المتسلقين وعلماء الآثار.

أنشطة وترفيه مميزة

يخالط السياح الأوروبيون السكان البسطاء من البدو ويستمتعون بمجالسهم البريئة، وسهراتهم الهادئة بعيدا عن صخب الموسيقى الذي ألفته آذانهم في حفلات باريس، يبيتون في العراء في بحر من الرمال التي تزحف خلف المدن لتلتهمها. يلتحفون في تلك الفيافي الشاسعة السماء، ويفترشون الرمال الذهبية.

ويتنقل السياح في هذا الأفق الفسيح اللامتناهي بين سلسلة جبال ورمال وواحات ومدن أثرية، عبر سفينة الصحراء وسيلة النقل الوحيدة هناك والمفضلة لدى البدو الرحل الجدد.

ووفق مصادر ميدانية للجزيرة نت فإن أنشطة السياح تختلف حسب اختلاف أذواقهم وثقافاتهم، منهم مثلا من يسير عن طريق بعض الوكالات السياحية في مسارات على الجمال تجوب طول الصحراء الممتدة من آدرار إلى تخوم ولاية تكانت، ومنهم من يجوب مكتبات شنقيط، ووادان، وتيشيت، وولاته (مدن تاريخية مصنفة ضمن التراث العالمي في اليونسكو) وذلك بحثا عن ثقافة قوم مروا من هنا وتركوا أثرا وحضارة تحتاج للاكتشاف، ومنهم من يفضل الاستجمام على شواطئ المحيط.

كما يرتادون محلات الصناعة التقليدية ليقتنوا منها الهدايا لأفراد عائلاتهم، ويزورون المتاحف الأثرية، التي تنتشر بكثرة، ومنها متحف "أتويزكت" في أطار ويضم أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية، وأخرى من المقتنيات البدوية الأصيلة.

مواجهة الجائحة

يعود تاريخ أول رحلة سياحية مباشرة من باريس إلى أطار لعام 1997، ومنذ ذلك الوقت وأغلب السكان في الشمال الموريتاني يعتمدون في معاشهم على عائدات السياحة، قبل أن تصنف ضمن المناطق الحمراء المهددة بالإرهاب لسنوات مضت، وما إن بدأت تلك المحنة تنجلي حتى سلمت دورها لكوفيد-19 ليضاعف المعاناة، فأغلقت حينها منتزهات كثيرة، وتضرر كثير من العاملين فيها وهاجروا إلى العاصمة، واشتكت أماكن بيع التحف التقليدية من الكساد، ولكنها الآن تنتعش؛ إذ بدأت الحياة تدب من جديد في تلك الصحراء القاحلة، بعد أن أمطرت بعشرات الرحلات المباشرة من أوروبا وحطت رحالها في أطار.

تحديات أمنية وصحية حاولت الدولة مواجهة آثارها الاقتصادية والاجتماعية، ففي حديثه مع الجزيرة نت يقول مدير المكتب الوطني للسياحة محفوظ ولد الجيد "إن الدولة خصصت مبلغا يناهز ملياري أوقية لتعويض بعض التكاليف الثابتة للمؤسسات السياحية الوطنية، ووضعت خطة لإنعاش السياحة الداخلية كبديل عن الخارجية في زمن الجائحة، وستطلق في القريب القادم تظاهرات كبيرة للتعريف بالمقدرات السياحية الوطنية مباشرة بعد انفراج أزمة كوفيد-19 من بينها تنظيم صالون وطني يجلب مختلف الفاعلين الدوليين في مجال السياحة".

ولكن الباحث في مجال الاقتصاد والسياحة حبيب الله سيدي مياب يرى أن موريتانيا ما تزال استثماراتها في مجال السياحة التي تعد من أهم روافد اقتصادات العالم دون المستوى، مضيفا أنه توجد مقدرات سياحية كبيرة وإجراءات وخطط جديدة لتطويرها، ولكنه يؤكد أن القطاع السياحي بحاجة لتوجه إليه استثمارات أكبر، خصوصا في البنية التحتية السياحية وتكوين الكادر البشري والتسويق له في الخارج لتشجيع الاستثمار الأجنبي بهذا المجال.

المصدر : الجزيرة