طرد سفير فرنسا من مالي بداية تشكل لخريطة الصراع الدولي في الساحل

2 فبراير, 2022 - 08:55

تنشغل الأوساط السياسية والحكومية في دول الساحل ومنطقة غرب إفريقيا هذه الأيام، بالأزمة الفرنسية المالية التي تطورت خلال الساعات الأخيرة إثر قرار السلطات العسكرية الانتقالية في باماكو المتعلق بطرد السفير الفرنسي المعتمد في مالي، جويل ماير.
وقد دفعت هذه الأزمة المراقبين والمحللين إلى تغيير نظرتهم لمجريات الأحداث، وإلى تأكيدهم بأن خريطة الصراع الدولي في منطقة الساحل الإفريقي، تتجه لإعادة التشكل، وستدفع بروسيا للواجهة لأنها باتت الدولة التي يفضل الضباط الأفارقة الشباب الذين يحكمون غينيا ومالي وبوركينافاسو، التحالف معها في المجال العسكري والأمني، بدلاً من التعاون مع فرنسا التي يشمون فيها رائحة التسلط بوصفها القوة الاستعمارية السابقة و”الدولة الفاشلة في تدخلاتها بإفريقيا”.
وصب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لدريان، الزيت على النار في تصريحاته التي وصف فيها النظام العسكري في باماكو بأنه نظام غير شرعي، وبأن قراراته التي اتخذها “غير مسؤولة”، في إشارة منه لطلب حكومة باماكو من مملكة الدنمارك سحب أفراد كتيبتها التي ضمتها لقوة “توكوبا” الأوروبية، من الأراضي المالية.
ووصف وزير الخارجية المالي عبدولاي جوب، تصريحات نظيره الفرنسي بأنها “مهينة”، مؤكداً “أن حكومته ستتخذ ما يلزم من إجراءات مقابل تصريحات الوزير جان إيف لدريان”.
وأعلن بيان للخارجية المالية “أن حكومة مالي تطلع الرأي العام الوطني والدولي بأن السفير الفرنسي في مالي قد تم استدعاؤه يوم 31 يناير/كانون الثاني 2022 من طرف وزارة الخارجية المالية، وأبلغ بأن عليه أن يغادر المالية في ظرف 72 ساعة”. وشهدت العلاقات الفرنسية المالية تدهوراً كبيراً منذ وصول العقيد عاصيمي اكويتا للسلطة في مالي قبل أشهر من الآن، وبخاصة بعد أن لاحظت باريس ميوله إلى روسيا التي تلقى دراساته وتدريباته العسكرية فيها.
وأظهرت الحكومة الفرنسية وهي في خضم إعادة نشر مربكة ومكلفة لقوتها العسكرية في الساحل، عداءها الشديد للتقارب بين روسيا والنظام العسكري الحاكم في مالي، وظلت تؤكد بأن روسيا بدأت نشر المئات من مرتزقتها في مالي.
ومع نفي النظام العسكري في باماكو لنشر روسيا للمرتزقة في مالي، فإن الأحداث المتلاحقة أظهرت أن روسيا باتت السند الدولي الأقوى لنظام باماكو، وأن علاقات هذا النظام مع الدول الأوروبية أصبحت تتجه كالسهم نحو التدهور والانحسار.
لقد أصبح الأفارقة يعتقدون على نطاق واسع بأن الدول الغربية لم تتدخل في الساحل من أجل الحفاظ على الأمن أو مكافحة الإرهاب، بل من أجل حماية مصالحها وتأمين المناطق التي توجد بها الثروات المعدنية مثل دولة النيجر التي تستغل فرنسا مناجم اليورانيوم فيها منذ عقود.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً شديداً بين باماكو وباريس، وسيؤدي طرد السفير الفرنسي من مالي إلى زيادة تدهور العلاقات، مع أن حكومة مالي ذكرت في بيان طردها للسفير الفرنسي “أن باب التعاون يبقى مفتوحاً مع جميع الشركاء الدوليين بما فيهم فرنسا، لكن بشرط الاحترام المتبادل وعلى أساس مبدأ عدم التدخل”.
هذا ولقيت تطورات العلاقات الفرنسية المالية اهتماماً كبيراً ومتابعة واسعة من طرف كبار الساسة والمدونين الموريتانيين، وذلك باعتبار أن ما يجري في مالي له انعكاس مباشر على الشأن الموريتاني وعلى أمن المنطقة الساحلية الصحراوية المضطربة.
وأكد الإعلامي الموريتاني البارز أحمد مصطفى “أن التوقيت الذي اتخذ فيه حكام مالي قرارهم بطرد سفير فرنسا، توقيت حرج بالنسبة لحكام فرنسا، حيث دخلت فرنسا، عملياً، أجواء الانتخابات الرئاسية التي لم يعد يفصل عنها سوى أسابيع قليلة، وهو ما يتوقع أن “يغل” اليد الرسمية الفرنسية خشية “تهور” يكون ثمن تحركها السياسي الداخلي مكلفاً”.
وقال: “صحيح، قد تلجأ فرنسا للعب بعض أوراقها الخفية لرد الاعتبار لـ “الكبرياء” الفرنسي الذي مرغه الانقلابيون في الوحل، كاستخدام بعض أوراقهم داخل الجيش أو أجهزة الأمن للقيام بانقلاب مضاد، أو حتى اللجوء لسلاح الاغتيالات، مع أن هذه الأساليب معرضة للانكشاف وغير مضمونة النتائج في ظل وجود منافس دولي شرس، وقوة مرتزقة من أهم اختصاصاتها حماية الشخصيات”. “وبغض النظر عن ردة الفعل الفرنسية على الصفعة المالية المؤلمة، يضيف أحمد مصطفى، فلا شك أن الأوضاع في منطقة الساحل ستلقي بظلالها على الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وأن ظلال هذه الانتخابات ستتحكم في نوعية التعاطي مع أزمات الساحل المستفحلة”. وأضاف: “يستند حكام مالي لنقاط قوة قائمة، أولاها أنهم في عمق نفق التأزم منذ وصولهم للسلطة، أغسطس 2020، وقد استخدمت معهم جل الضغوط المتصورة، وآخرها “إغلاق” بنكهم المركزي، وثاني نقاط القوة محدودية الخيارات البديلة في مالي وإمكانية انزلاقها نحو المجهول، لتدخل مالي كلها مرحلة العنف المنفلت بعد أن طال هذا “الفشل” ثلثي أراضيها خلال السنوات الماضية”.
وزاد: “أما ثالث نقاط القوة فهو استفادتهم من المزاج الشعبي المالي، والغرب الإفريقي المناوئ للنفوذ والوجود الفرنسي، والمستاء من استمرار التحكم الفرنسي في قرار دول الغرب الإفريقي عموماً ودول الساحل خصوصاً، حيث كان هذا المزاج المستاء من الفشل الفرنسي في المنطقة، وفي مالي تحديداً بعد ثماني سنوات من إعادة جيشها الانتشار فيها (منذ يناير 2013)، أحد “مبررات” انقلابهم على الرئيس الراحل إبراهيم ببكر كيتا”.
وقال: “أما نقاط ضعف الانقلابيين، فأكثر من أن تحصى، وأكثرها جلاء، البوابة الاقتصادية”.
وأكد الصحافي الموريتاني محفوظ ولد السالك، المتخصص في شؤون الساحل “أن طرد الحكومة المالية للسفير الفرنسي يكسب المجلس العسكري ود الشعب المالي، ولكن المجلس سيستنفد بسرعة أوراقه هذه؛ إذ لا يمكن أن تكون كل رؤاه واستراتيجياته مبنية على التوتر مع فرنسا”.
وأضاف: “الوضع الاقتصادي والاجتماعي يزداد سوءاً، والوضع الأمني سيضطرب أكثر، وإحلال الروس محل الفرنسيين هو استمرار للتدخل الأجنبي، نفس ما كانت تقوم به فرنسا ستقوم روسيا بأشد منه، وفرنسا إن غادرت مالي فلن تغادر منطقة الساحل، بل ستكون حاضرة بشكل أقوى في المثلث الحدودي المشترك بين مالي والنيجر وبوركينافاسو”.
وخلص السالك إلى القول: “باختصار، مناورة خاسرة للمجلس العسكري الحاكم في مالي، وإن حظيت بتأييد آني”.
وعلق وزير الخارجية الموريتاني الأسبق محمد فال بلال، على الأحداث في الساحل الإفريقي قائلاً: “دول الساحل وخاصة «مالي» خيل حرائر تنتسب لحضارة عريقة تحللها بغل بقوة السلاح، مكثت معه كارهة لقرن من الزمن؛ وهي اليوم تستيقظ وتتأمل حسنها وجمال وجهها في المرآة وتحاول استرجاع خيراتها وأمجادها، فإن انتصرت واستقرت وولدت حصاناً فلله درها، وإن أخفقت وولدت جحشاً (أي انقلاباً)، فقد جاء به البغل”.
وقال: “لكن يبقى سؤال بلا جواب: إذا كانت «هند الشام» استطاعت التحرر من الحجاج بزواجها من أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فهل ستتحرر «هند الساحل” من ربقة «البغل» إن تزوجها «الدّب الروسي»؟.

القدس العربي