يوماً بعد يوم، يتسع في موريتانيا مشهد "المؤثّرين" عبر تطبيقات مثل سناب شات وتيك توك وإنستغرام، ويصبح الجدل مرافقاً لأنشطتهم ومحتواها، وتتسع دائرة الاهتمام بهم من قبل الجمهور، ما بين مرحب وقابل لخدماتهم التسويقية ومنتجاتهم، يُقبل عليها ويستغلها في أعماله، وبين من تثير سخطه طريقة عرضهم هم وغيرهم من المستخدمين لحياتهم على هذه التطبيقات وعوالمها، والأنشطة التي يقومون بها في حياتهم اليومية، وأشكالهم. لكن البديهيّ أن جيلاً جديداً يعيش في البلاد، وعقله وقلبه في العالم.
مثل كل الشباب
يم سيدي عبد الله، المعروفة بلقب يومسي ( 60 ألف متابع على إنستغرام)، تعمل في مجال الموضة والماكياج والعناية بجمال المرأة بشكل عام، ولها نصيب من مجال الإعلانات عبر تطبيقات سناب شات وإنستغرام، ترى أن "هذه الظاهرة عالمية، وليست في موريتانيا وحدها"، وقالت في حديثها إلى رصيف22: "أعتقد أن هذه الظاهرة سلاح ذو حدين، بالفعل لها فوائد في تعزيز التواصل بين الناس، لكن أيضاً فيها سلبيات كثيرة، خاصةً أنها أصبحت تتسبب بالكثير من العقد النفسية بين الشباب الموريتاني، بسبب المقارنات التي يجريها هذا الشباب مع غيره من المستخدمين والمؤثرين على هذه الشبكات. فأصبح الكل يقارنون أنفسهم بأشخاص غيرهم، وقد تكون الصور التي يقارنون بها أنفسهم غير حقيقية أصلاً ومعدّلة"، ونبّهت المتحدثة إلى أن "هذا التطور لا بد منه، وموريتانيا شبابها يتبعون ما يجرى في العالم ويسايرونه".
وحسب ظنها: "ما زال هناك الكثير من التطور والجرأة في المحتوى بالتأكيد سيحدث وعلّقت ضاحكةً: "رزقنا الله خيره".
آسية حسين (20 ألف متابع على إنستغرام)، وهي شابة مؤثّرة تدير وكالةً لإدارة أعمال المؤثرات والمؤثرين بصفة عامة، إلى جانب تطوير محتوى صحفتها الخاصة، قالت في حديث إلى رصيف22: "هذا الجيل بدأ يعي أهمية الفيديوهات والمونتاج والمشاركة في الشبكات الاجتماعية، وأصبح يعطي نظرةً مغايرةً للعالم الخارجي عن موريتانيا، من خلال الفيديوهات التي تحتوي على تقاليدنا الخاصة، وأصبح العالم يعيها من خلال نشاط هؤلاء الشباب على هذه الشبكات والمنصات".
وأضافت: "هذه الأنشطة على هذه الشبكات ترفّه عن الشباب، وموريتانيا في الحقيقة ليست فيها أماكن ترفيه للشباب، لذلك أصبحوا يعيشون على هذه الشبكات، وأتمنى أن يقوم الشباب الذين ينتجون المحتوى، بصفتي مهتمة بهذا المجال، بمحاولة تقديم محتوى مفيد، سواء في الدراسة أو الثقافة أو الجمال".
وكانت آسية قد دخلت إلى هذا العالم صدفةً، إذ قالت عن ذلك: "دخلت إلى مجال السوشيال ميديا بشكل غير مبرمج. بعدها فهمت أن الجميع يتجهون نحوها، لأن الكلّ يقضون وقتاً طويلاً على الإنترنت، بين فيسبوك وإنستغرام أو سناب شات. وقد أعجبني عمل المؤثرات، مثل الإعلانات وغيرها، وأحببت أن أطور من طريقة عملهن، فقمت برفقة صديقة لي بفتح وكالة لإدارة أعمال المؤثرات والمؤثرين بصفة عامة، وأسيّر أعمالهم، وأجلب لهم الإعلانات والأعمال، وقد أحببت أن أعطي قيمةً لعملهم، لأن الموريتانيين لا يعطونهم القيمة التي للمؤثرين في العالم، حيث ينتشر التسويق عن طريق المؤثرات، ويعيّن أهميتهن. لكن الموريتانيين ما زالوا في البدايات، وأنا أحببت أن أحوّل عملهن إلى الاحترافية.
وحتى تقتنع الشركات بأهمية التسويق عن طريق المؤثرات، تعاملت مع مجموعة منها، وأعجبني المجال كثيراً، وأسعى إلى الكثير من الأمور التي تعطي قيمةً أكبر لعملي وعملهن".
وخلصت قائلةً: "بصفتي مؤثرةً، أعمل على الكثير من الأنشطة في المستقبل، والتركيز على المحتوى المفيد للشباب، وطبعاً نتعرض للانتقادات من الأهل والمجتمع، لأن موريتانيا دولة متمسكة بالتقاليد والثقافة المحليّة، وما زالت في بدايات الوعي. لكن نحن في الحقيقة نفرض ما نريد، لكن المجتمع ضده، خاصةً كون النساء ينشرن صوراً وفيديوهاتٍ لأنفسهن، أو يقدّمن مثل هذه الأعمال، لكن أنا مقتنعة بأن ما نقوم به ليس فيه ما يسيء، لذلك أنا مستمرة".
وترى يم سيدي عبد الله، أن "لكل مجال من ينتقده، وأن للشهرة ضريبتها"، وأضافت قائلةً: "الإنترنت قد يكون متنفساً للإنسان يهرب إليه من الواقع الذي نعيشه في موريتانيا، من قلة أماكن السياحة والترفيه. على الأقل يجرّب الإنسان عالماً، صحيح أنه افتراضي، لكن فيه الكثير من الترفيه".
مجتمع جديد بنمط عيش مختلف
تكثر النقاشات حول طبيعة المحتوى الذي يُبث عبر هذه التطبيقات والأفكار والممارسات والأنماط الجمالية والموسيقية الموريتانية التي تجذبه.
ويرى البعض أن الكثير من الأفكار والعادات والممارسات التي تظهر في هذا العالم طارئة على المجتمع. وحسب الصحافي محمدي موسى، لهذه الفئة من المجتمع نمط عيش مختلف، وقال لرصيف22: "من ميزات المجتمع الجديد، نمط عيشه المختلف. فمن العادي أن تشاهد حفلاً لوداع العزوبة، أو حفلاً للإعلان عن الحمل، وهذه الطقوس دخيلة على مجتمع لا يُظهر الفرح، ولا يبالغ فيه، ويتكتم الأزواج فيه على الحمل حتى يظهر بشكل علني. أما فرح العروسة بزواجها، فهو أمر مستبعد وغير مقبول لدى المجتمع الموريتاني".
وأشار إلى أن "الجيل الجديد لا يحمل فكرةً معيّنةً بل يقلّد ما يشاهده لدى "المؤثرين" في المجتمعات الأخرى فحسب، ويسقطه على موريتانيا".
ويوضح قائلاً: "هناك غياب للربط بين ما يحدث في سناب شات وتيك توك ووسائل التواصل الأخرى مثل فيسبوك الأكثر انتشاراً في موريتانيا، وهو ما يجعل هذه الأمور تغيب عن الأذهان لدى الرأي العام الأكثر حدّةً و عدم تقبله لها، ونادراً ما تتم مناقشتها. هناك قطيعة بين جيلين في السن والعادات، وحتى في وسائل التواصل المستخدمة".وختم حديثه مؤكداً على "أن ما يقوم به هؤلاء الناشطون، لا يرقى إلى الترفيه، بقدر ما هو وسيلة للتباهي لاقت رواجاً، وتحولت إلى وسيلة "أكل عيش"، والبداية كانت بعرض طرق للتجميل، ومنتجات تهتم بها النساء غالباً، وتحولت إلى عرض جوانب من حياتهن الخاصة، ومتابعة يوميات "المؤثّرات"، والآن غالباً ما يقدّم المؤثرون عبر هذه الوسائل، خاصةً سناب شات، محتوى يومياتهم في قنوات للترويج للمطاعم والمحالّ التجارية، ونادراً ما تتناول حياتهم الخاصة".
هذا الجيل يظلّ عرضةً للانتقادات العنيفة أحياناً، خاصةً في الأوسط المحافظة. ويذكر الصحافي أن موقع فيسبوك شهد حملةً أطلقها البعض ضد ما وصفوه "بالمجاهرة بالمعصية والسفور على شبكات التواصل الاجتماعي"، وطبعاً كان هناك من رفض هذه الحملة، ورأى أنها محاولة للتضييق على الشباب وخياراتهم، وقد ثار النقاش والجدل حول الأمر.
ويظل الاستثناء في البلاد، هو عالم فيسبوك الذي يُعدّ عالماً مغايراً لعوالم سناب شاب وتيك توك وإنستغرام، إذ يسيطر على شبكة فيسبوك النقاش السياسي والاجتماعي والحقوقي، على عكس التطبيقات الأخرى. فيسبوك يتحوّل أحياناً إلى وسيلة تنقل ما يحدث في هذه "العوالم الموازية"، إذ يلاحَظ أن الكثير من المحتوى المقدّم على تلك التطبيقات، يمر مرور الكرام، ما دام في دائرة جمهور تلك التطبيقات، ولم يصل إلى جمهور فيسبوك. لكن حين يتم تداوله على فيسبوك، يحدث الجدل حوله، بين منتقد له، ومناصر، ورافض للهجوم على أصحابه، وكأن عالم التطبيقات ينقسم إلى معسكرين مختلفين: عالم فيسبوك ونقاشاته السياسية و"سكّانه"، وبقية التطبيقات التي تفتح ذراعيها خاصةً للشابات اللواتي يرغبن في التحرّر من ضغط المجتمع، وإيجاد موقع قدم لهنّ، بعيداً عن كل أحكام القيمة التي قد يواجِهنها. هكذا يصبح العالمان الافتراضيان جزيرتين معزولتين عن بعضهما في غالبية الأوقات... تماماً كما في الواقع!
رصيف 22