تمديد حبسه بلا محاكمة.. هل بدّد الرئيس الموريتاني السابق ثروات البلاد أم دفع ثمن حلم العودة للسلطة؟

31 ديسمبر, 2021 - 08:56
الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (وكالة الأنباء الأوروبية)

تُصر الحكومة الموريتانية على أن الملف قضائي ولا علاقة له بالسياسة. وفي المقابل، يقول مؤيدو الرئيس السابق وبعض المراقبين إن اعتقاله وعدم تقديمه للمحاكمة مجرد وسيلة لتغييبه عن المشهد السياسي.

الخضر عزيزنواكشوط – في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2012، أُدخل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز إلى المستشفى العسكري بنواكشوط لتلقي العلاج إثر إصابته برصاصة غامضة عندما كان يقضي عطلته بولاية إينشيري، ثم نُقل إلى فرنسا لمتابعة علاجه.

والأربعاء 29 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أدخل ولد عبد العزيز إلى المستشفى العسكري للعلاج من مرض غامص أيضا، ولكن جيء به هذه المرة من زنزانة ضيقة، ووصل بصحبة عناصر من الأمن فقط، مع طوق عسكري فرضته قوات مكافحة الإرهاب على المكان.

كانت الأغلبية الحاكمة في موريتانيا تصف ولد عبد العزيز بالرجل المصلح والقائد الملهم، وترفض التجاوب مع المعارضة التي تتهمه بنهب خزائن الدولة، وتدمير مقدراتها، على مدى حكمه الممتد لأكثر من 10 سنوات (من 2009 إلى 2019).

ولكن الأمور تطورت بشكل دراماتيكي منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عندما سعى ولد عبد العزيز المنتهية ولايته لاستئناف العمل السياسي. ومنذ ذلك التاريخ، تجاوبت الأغلبية مع مطالب التحقيق في ملفات الفساد في عهد الرجل وانتهى به المطاف في سجن انفرادي.

وحتى اليوم، أمضى الرئيس السابق 6 أشهر في الاعتقال دون محاكمة، بعد أن ألقي به في السجن على خلفية اتهامه بالضلوع في ملفات فساد كبرى. وبينما يشتكي عبد العزيز من مضايقات سجانيه، تقول هيئة دفاعه إنه "ضحية ملف سياسي ممنهج".

اتهامات واسعة بالفساد

بدأت ملاحقة عبد العزيز في الأشهر الأولى من حكم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني (تولى الحكم في يونيو/حزيران 2019)، وذلك بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ملفات فساد في عشرية حكم ولد عبد العزيز.

وبعد اطلاعها على وثائق واسعة واستماعها لشهادات عشرات المسؤولين، أفضى التحقيق الذي تولته لجنة برلمانية، إلى توجيه تهم لأكثر من 300 شخصية وازنة، على رأسهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي وُجّهت له تهم بالاختلاس، وتبييض الأموال، واستغلال موارد الدولة، وعرقلة العدالة.

وحظي الملف باهتمام كبير محليا ودوليا، حين أحيل إلى القضاء في يوليو/تموز 2020؛ وكان سابقة في البلاد، استبشر بها كثيرون لاستعادة أموال الشعب المنهوبة.

السجين الوحيد

ولكن الملف سلك لاحقا مسارات معقدة؛ فعشرات الأشخاص الذين أظهر التحقيق علاقتهم بملفات الفساد في عشرية ولد عبد العزيز، لم يتم اعتقالهم، وكان الرئيس السابق المعتقل الوحيد. بل إن النيابة العامة طلبت "التحفظ على أسماء مجموعة من المتهمين"، وهو ما يعني في العرف القانوني تبرئتهم.

ورغم ذلك، أعلنت الحكومة عن إجراءات اتخذتها من أجل مسار عادل للملف. وأكد وزير العدل "أن القضاء سيتخذ المساطر القانونية تجاه الملف". غير أن هذه الضمانات لم تصمد كثيرا فقد تبعتها خروقات عديدة في القضية ذاتها.

وأبرز هذه الخروقات -وفق ما يقوله الصحفي "الهيبة الشيخ السيداتي" الناشط في تحقيقات الفساد- "الانتقائية للمتهمين في المثول أمام التحقيق، ثم الانتقائية في الذين وجّه لهم وكيل الجمهورية الاتهام، وكذلك الانتقائية بعدها في الإجراءات القضائية؛ فولد عبد العزيز كان الوحيد الذي يخضع للسجن الاحتياطي".

ولا يخفي المحامي "المامي مولاي علي" عضو هيئة الدفاع عن الرئيس السابق استغرابه من "حجم الخروقات" التي لا يجد مبررا لها، كما يقول "غير الاستهداف". مشيرا إلى أن فترة المراقبة القضائية للمشمولين في الملف أوشكت على نهايتها، بينما تم منذ أيام تجديد الحبس الاحتياطي للرئيس السابق بـ6 أشهر جديدة.

وهذا يعني وفق المحامي "أن البقية سترفع عنهم المراقبة القضائية وكل قيود السفر، بينما يظل الرئيس السابق في الحبس".

ملف قضائي أم اغتيال سياسي؟

تصر الحكومة الموريتانية على أن الملف قضائي ولا علاقة له بالسياسة. وفي لقاء سابق مع وسائل إعلام فرنسية، نفى الرئيس الحالي محمد الغزواني تسييس ملف سلفه في الحكم.

وقال ولد الغزواني إن "قضية الرئيس السابق بدأت بتحقيق برلماني ووصلت في النهاية إلى القضاء"، وإنه أخذ على نفسه العهد بعدم التدخل في القضاء.

وفي تعليقه على هذا الملف أيضا، شدد الناطق باسم الحكومة المختار ولد داهي على أنه "لا عاصم من القضاء إلا القضاء، ولا عاصم في موريتانيا إلا الدستور".

وفي المقابل، يقول مؤيدو الرئيس ولد عبد العزيز وبعض المراقبين إن اعتقاله ومقاضاته مجرد وسيلة لتغييبه عن المشهد السياسي.

ويستدل هؤلاء بأن التحقيق البرلماني جاء بعد أن أعلن ولد عبد العزيز عودته للعمل السياسي من خلال حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ذي الأغلبية الساحقة في البرلمان.

ويؤكد الصحفي الهيبة السيداتي أن الملف سياسي، فلو لم يزر الرئيس السابق مقر الحزب الحاكم في محاولة لاستئناف نشاطه السياسي من خلاله، لما شُكلت لجنة التحقيق "فالملف لم يُفتح اعتباطا بل على إثر قضية سياسية، وبالتالي سيكون عرضة للخروقات".

ويقول المحامي في هيئة الدفاع إن الإيداع في السجن صدر دون أية مبررات قانونية، وإنما بذريعة مخالفة بنود المراقبة القضائية التي منع الرئيس السابق من تنفيذها عندما تمت مضايقته ومنعه من مواصلة السير للتوقيع أمام الشرطة، ثم وضع في سجن انفرادي خاص أنشئ بقرار من وزير العدل.

وفي رسالة وجهتها للأمم المتحدة، شكت عائلة الرئيس ولد عبد العزيز من المضايقات والانتهاكات التي يتعرض لها، فبعد منعه من التعرض لأشعة الشمس وممارسة الرياضة تم مؤخرا تركيب كاميرات مراقبة في حبسه الانفرادي، إلى جانب اعتقاله دون محاكمة منذ 6 شهور.

محاولات لتصفية الملف

وبعد تمديد الحبس 6 أشهر أخرى، لا يرى المحامي مولاي علي نية لتقديمه للمحاكمة. ويقول "هذه هي الطريقة التي تسير بها الملفات السياسية، حيث غالبا ما تنتهي بحل سياسي دون محاكمة، ويطول فيها الحبس الاحتياطي بحسب تأخر هذا الحل".

ولا يتوقع الهيبة سيداتي تسريع المحاكمة نظرا لحجم الملفات التي يُتهم فيها الرئيس السابق، مشيرا إلى أن القضاء الموريتاني لم يسبق أن نظر في قضية بهذا الحجم؛ سواء على صعيد الأموال "المختلسة" أو الشخصيات المتورطة.

ويضيف أن هناك مؤشرات على أن الدولة تسعى لتصفية الملف عن طريق بطء الإجراءات وهو ما سيجعل الرأي يفقد حماسه للمحاكمة، "ولكن في ظل ممانعة ولد عبد العزيز عن التسوية سيبقى الملف معلقا".

ويربط البعض بين اعتقال الرئيس السابق وحبسه، وبين ما تحدثت به أوساط صحفية وسياسية عن محاولته إطاحة بخلَفه.

واستدلت على ذلك بتغييرات مفاجئة أجراها الرئيس الحالي ولد الغزواني في قيادة كتيبة الأمن الرئاسي صبيحة 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 قبيل ساعات من انطلاق فعاليات الاحتفال بيوم الاستقلال الوطني؛ رغم أن وزير الدفاع "حننّ ولد سيدي" سبق أن نفى للبرلمان حدوث أي محاولة انقلابية.

المصدرالجزيرة

صورة تجمع الرئيس السابق ولد عبد العزيز مع وزير الأركان السابق والرئيس الحالي محمد ولد الغزواني (رويترز)

إضافة تعليق جديد