موريتانيا.. جدل ساخن بسبب رفض سياسيين زنوج للتعليم باللغة العربية

30 أكتوبر, 2021 - 16:00

نواكشوط ـ «القدس العربي»: تشهد موريتانيا جدلاً ساخناً للغاية اشتد يوم أمس بتبادل التسجيلات المهاجمة، بعد أن أعلن كل من إبراهيم صار رئيس حزب حركة التجديد، وصمبا تيام رئيس حزب القوى التقدمية للتغيير، رفضهما للتعليم باللغة العربية مؤكدين أنها «لغة أجنبية» ومطالبين «بالاحتفاظ باللغة الفرنسية» ومؤكدين «ترسيم لهجات القوميات الإفريقية الثلاث وترسيمها لغات للتعليم».
وجاءت هذه المطالبات تمهيداً مسبقاً من السياسيين المذكورين اللذين يقودان حزبين معبرين عن الأقليات الزنجية في موريتانيا، للحوار السياسي المرتقب الذي سيناقش قضية إصلاح التعليم في موريتانيا التي لم يقع عليها الإجماع منذ الاستقلال.
وفتح هذا الجدل بركاناً ظل نائماً منذ استقلال موريتانيا ذات الأعراق المتعددة، حول قضية حساسة جداً هي قضية اللغة العربية ومكانتها في موريتانيا المثبتة في المادة السادسة من الدستور على أنها «اللغة الرسمية في البلاد» حيث تعتبر غالبية السكان من العرب والمستعربين أن لا نقاش في مكانة اللغة العربية، وأنها لغة الإسلام الذي هو دين الشعب، وأن لا بديل عنها وبخاصة لغة المستعمر الفرنسي. بينما يعتبر السياسيون الزنوج، وكلهم متخرجون من المدارس الفرنسية «أن اللغة العربية أجنبية على سكان موريتانيا، وأن اللغة الفرنسية تبقى كما هي الحال في السنغال» لغة جامعة بين السكان».
وشدد إبراهيم مختار صار، رئيس حركة التجديد (حزب صغير معبر عن الأقليات الزنجية) في بيان أصدره قبل يومين، على «إعادة بناء التعليم الوطني، بما يضمن تعليم اللهجات الوطنية، وهي: البولارية، والسوننكية، والولفية، وترسيمها، والمحافظة على الفرنسية في التعليم، وكذلك في الإدارة» مؤكداً «أن عكس ذلك هو تمييز ضد مواطنين تكوّنوا باللغة الفرنسية، وخصوصاً منهم أولئك الذين لا تمثل العربية لغتهم الأم، أي الأفارقة السود».
وتحدث صمبا اتيام، رئيس حزب قوى التغيير (حزب يدعو لانفصال جنوب موريتانيا) عن «إشكالية عدم التدريس باللغة الأم للطفل المنحدر من المكونات الإفريقية» معتبراً أن «كلاً من العربية والفرنسية لغتان أجنبيتان عليه، بمعنى أنهما ليستا لغات أم».
وبمجرد نشر هذه المواقف، قامت قيامة السياسيين والمثقفين العرب الذين صبوا غضبهم على السياسيين الزنوج وطفقوا يناقشون قضية اللغة العربية ومكانتها من مناظير مختلفة.
وأكد السياسي الإسلامي محمد جميل منصور، في مقال خصصه لهذه القضية، أنه «ليس مقبولاً في رأيي ونحن نتحدث عن مراجعة وضعية التعليم، أن يطالب بإبقاء اللغة الفرنسية على وضعها الحالي في النظام التعليمي، أحرى أن يتعلق بذلك، أفهم أن يحتفظ بها في مستوى معين، وقد عبرت عن ذلك شخصياً بالازدواجية الانتقالية، وأفهم أن يطالب بتدريس اللغات الأم لكل مكوناتنا وأن يتعلق بذلك، لكن غير ذلك زيادة ومبالغة».
وقال: ليس من المريح ولا المقبول جعل اللغة العربية مع اللغة الفرنسية في تصنيف واحد أو وصف مشترك، فالعربية لغة القرآن الكريم، وهي اللغة الرسمية للبلاد، وهي لغة إفريقية يتحدث بها ملايين الأفارقة، وهي لغة إخوة في الدين والوطن، وقد يخفف من الموضوع أنه في سياق الحديث عن اللغات الأم، والعربية ليست لغة أم للمكونات البولارية والسوننكية والولفية، لكن العربية للاعتبارات السابقة تحتاج من التقدير والإكبار ما يمنع من إطلاق وصف سلبي السياق كهذا عليها».
وأضاف: «الاختلاف مع الحزب أو مع الرئيس فيما ذهبا إليه، لا يبرر استعمال عبارات الخيانة والجهالة والعمالة، فهذه لغة لا تنتمي لفضاء النقاش والتداول والحوار والتشاور، ثم إنها تعبر عن تسرع وعدم روية غالباً لا يكلف أصحابهما أنفسهم التحقق من القائل والمقال».
وزاد: «النقاش بدأ يتوسع، والظاهر أننا بين موقفين يبالغ أحدهما حتى يطالب بترسيم كل هذه اللغات لتصبح مع العربية لغات رسمية للبلاد، ويتطرف الآخر حتى يقول بأن هذه اللغات (يسميها لهجات فقط) لا تدمج في النظام التعليمي، فهي غير صالحة لأن تدرس أحرى أن يدرس بها، ويجزم هؤلاء أنه لا توجد دولة تفعل ذلك ممن يسكنها ناطقون بهذه اللغات أغلبية كانوا أو أقلية».وقال: «الأمر في رأيي، يتكامل مع التوجه القائل بأن اللغة العربية تكون اللغة الرئيسية في التعليم في كافة مراحله ومستوياته وتخصصاته، مع اعتماد ازدواجية انتقالية يتحدد مداها ومستوياتها حسب الاعتبارات الفنية والعملية، وانفتاح واسع على تدريس اللغات الحية وخصوصاً الفرنسية والإنجليزية».
أما الدكتور موسى ولد أبنو، الرئيس السابق لاتحاد الكتاب الفرانكفونيين في موريتانيا، فقد وجه رسالة استغاثة للرئيس الموريتاني دعاه فيها إلى «إنقاذ لغة القرآن التي نُحرت نحراً على أيدي الحكومات السابقة» مضيفاً «أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية» هكذا يقول الدستور، الذي طالت التغييرات المتلاحقة بنوده، إلا مادته السادسة، التي وقفت التغييرات أمامها خاشعة؛ نحن نحن ما دمنا نتكلم لغتنا، والعربية حارس هويتنا، وهيمنة اللغة الأجنبية هي أكبر تحد يهددها».وتحدث الدكتور موسى عن تراجع مخيف للغة العربية في موريتانيا يتجسد في أمور، منها «تقصير من مؤسسات الدولة في الاهتمام بلغتنا العربية الأصيلة، حيث يتم تحرير معظم النصوص باللغة الفرنسية على الرغم من قرار الدستور، ومنها عدم توفر الكتب المدرسية بالقدر الكافي، وانتشار الأخطاء في الموجود منها».
وقال مخاطباً الرئيس: «إن لغة الضاد تستنجد بكم، إننا ننتظر سن قانون يحمي العربية في الشارع وفي الدوائر الحكومية، وفي الكتب المدرسية، قانون يحميها في الصحافة وفي السوشيال ميديا، على غرار ما فعلته بعض الدول العربية».وكتب القاضي محمد المختار فقيه: «إن الحملة المسعورة الجارية الآن على اللغة العربية ما هي سوى شكل من أشكال الإرهاب السياسي الذي تفننت شخصيات وفصائل سياسية مرتهنة لأجندات فرنسية في إشعاله كلما لاحت بارقة أمل خروج عن الوصاية».
«
ولئن كان مفهوماً، يضيف القاضي الفقيه، أن يطالعنا ناشط في تسميم الوحدة الوطنية بتصريحات تعطي امتيازاً أو أفضلية للغة الفرنسية على اللغة العربية باعتبارها ليست اللغة الأم للمكون الزنجي، وكأن المعني سليل «ليه غولوا» حقاً، كما كانوا يدرسوننا، وليس مجرد مُرَددٍ لأمجاد أسياد أذاقوا أجداده وأجداد أجداده صنوف العذاب».
وكان هذا الجدل مناسبة تغنى فيها الكتاب الموريتانيون بأمجاد اللغة العربية وعراقتها، ومن أحسن ذلك ما دونه الكاتب الحسن ولد محمد الشيخ، الذي قال: «اللغة العربية هي اللغة الجزلة الألفاظ، الفخمة المبنى والأنيقة الحرف، حرفها تحفة ورسمه فن، وفي ذلك أبدع الخطاطون إبداعاً، وأشرقت لوحات الرسامين إشراقاً».
وأضاف: «العربية شعرها لحن من دون نوتة، ونغم معزوف من دون وتر، ونثرها ثري يغني عن كل لغات بني الإنسان، فيها وجدت من كبرياء كُلَيب، وفخر المتنبي، وفحولة عنتر، وجود حاتم، وحكمة لقمان، وجنون قيس ما يجبل القلب على حبها، ويعتق النفس من طوق الخمول ومغريات السوء».

المصدر

إضافة تعليق جديد