انشغال بتقييم سنتين من حكم الرئيس غزواني برؤى متباينة

17 أغسطس, 2021 - 15:46

كثيرون يعتبرون أن المنهجية الذكية التي سلكها الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني حتى كسب بها ثقة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأبعده بها عن السلطة، تكفي وحدها لجعله بطلاً وطنياً أنقذ البلد من نظام بالغ الخطورة على مستقبل موريتانيا وعلى تجربتها الديموقراطية التي ما تزال في طور التجربة.
غير أن انصرام سنتين من الولاية الخماسية، قريبتين من نصفها، جعل تقييم رئاسة الغزواني لموريتانيا أمراً مهماً لمعرفة ما إذا كانت تجربة الرئيس الغزواني في الحكم ستمكنه من خوض السنوات الثلاث المتبقية من الولاية، بشكل مغاير يخلق الفرق بينه وبين سلفه.
ومع أن موالاة الرئيس الغزواني، بالغت في أهمية إنجازاته خلال السنتين الماضيتين، فإن معارضته وغالبها غير مصنف حزبياً ما عدا إسلاميي حزب التجمع، ترى أن حصيلة نظام الغزواني غير واضحة بل شديدة الضبابية.

جلد النمر

فقد وصف الدكتور لو كورمو، نائب رئيس حزب قوى التقدم، وهو من معارضة الرئيس السابق ومن مهادني الرئيس الحالي، خلال برنامج في التلفزيون الحكومي، السنتين المنقضيتين من حكم الرئيس الغزواني بأنهما تشبهان جلد النمر؛ لا هما سوداوان ولا هما بيضاوان، حسب تعبيره.
ويرى آخرون في المشهد السياسي أن الرئيس الغزواني لم يغير كبير شيء بعد سلفه ولد عبد العزيز، أي أن نظامه، كما ذكر الوزير السابق سيدي ولد سالم الناطق باسمه في أيامه الأولى، مجرد استمرار لما كان: وتكون النتيجة هي وجود لوحة من قسمين: قسم نظيف وقسم مليء بعمليات المحو والتطليس.
لم يبخل داعمو الرئيس الغزواني في تقييماتهم، حيث نشروا جرداً إيجابياً عن حصيلة حكمه وعن أدائه: تهدئة للساحة السياسية، وتطبيع للعلاقات بين الموالاة والمعارضة، ونزع لفتيل التجاذب الذي لم يهدأ طيلة حكم الرئيس السابق، وتشكيل لمحكمة العدل السامية، وإظهار لإرادة القضاء على الفساد.
وشمل التقييم الإيجابي للموالين نواحي عدة أخرى، بينها الجانب الاقتصادي والاجتماعي: فقد أشاد الجميع بالحصيلة المنجزة في هذا الصدد مع إظهار أنها حصيلة تحققت في ظل مواجهة لجائحة كوفيد 19، وفي ظل ندرة الموارد، ومع تحكم وضبط المؤشرات الاقتصادية في ظرف عصيب.
وقد عدد أنصار الرئيس الغزواني إنجازات أخرى بينها توزيع المبالغ النقدية بالملايين على الأسر الفقيرة، ومنح الضمان الصحي لعشرات الآلاف من الأسر، ونفض الغبار عن القطاع الزراعي وإحيائه بضخ التمويلات الكبرى، ومراجعة الاتفاقيات مع شركات التنقيب لرفع حصص الدولة من ريعها.
وأظهروا ما تنعم به موريتانيا من أمن واستقرار، عكس عدد من دول الساحل وبخاصة الجارة القريبة مالي، مضافاً لما حققته الدبلوماسية الموريتانية من إنجازات ومن تصحيح لأخطاء النظام السابق، وفي مقدمة ذلك إعادة العلاقات مع دولة قطر.

تشكيك في الحصيلة

أظهر بعض من كانوا ينتظرون من الرئيس الغزواني مسح الطاولة بعد الانتخابات، خيبة أمل كبيرة في ما تحصل من منجزات خلال السنتين الماضيتين: فلم يقتنع هؤلاء بالحصيلة، وانتقدوا البطء في الأداء وغياب إرادة سياسية حقيقية في التغيير، كما انتقدوا التردد الملحوظ في القطيعة التامة مع سياسات وأعوان سلفه.
ويؤكد هؤلاء الناقدون أن الرجال الذين اختارهم الرئيس الغزواني كفريق حكومي هم في غالبهم من المتهمين بالفساد في تقرير اللجنة البرلمانية وفي تقارير محكمة الحسابات، كما أن الحريات شهدت، حسب رأيهم، تراجعاً ملحوظاً، ويرون أن الإدارة بقيت على ما كانت عليه بعيدة كل البعد من المواطنين، ويقول هؤلاء أيضاً بغياب التنوع في وسائل الإعلام العمومية إضافة لقولهم بالغموض المحيط بصرف المليارات على مستوى صندوق مواجهة جائحة الكوفيد.

استغراب وتساؤلات

غير أن ما استغربه معارضة الرئيس الغزواني هو قوله في مقابلات مع الصحافة الفرنسية أنه لم يكن مطلعاً على سوء تسيير سلفه للمال العام، وتأكيده عدم الاطلاع على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية مع أن علاقاته بالرئيس السابق امتدت على مدى أربعة عقود.
وضمن ملفات وافتتاحيات تقييم السنتين، كتب أحمد الشيخ المدير الناشر لأسبوعية “القلم” الصادرة باللغة الفرنسية، والتي تعتبر من أكثر الصحف الموريتانية مهنية: “قبل سنتين طوت موريتانيا صفحة قاتمة من تاريخها؛ فبعد إحدى عشرة سنة شديدة الطول، وبعد أن دمرت الدولة، وبعد نهب للثروات العامة من طرف المافيا الحاكمة، استطاعت موريتانيا أخيراً أن تتنفس”.
وأضاف: “تم تبادل السلطة بين الرئيس الحالي وسلفه بعد معركة الولاية الثالثة وما رافقها، وغادر ولد عبد العزيز السلطة مرغماً لا مختاراً، وكان الرئيس السابق يعول على صداقة الأربعين سنة مع خلفه ظاناً أنه سيبقى سيد الحلبة، لكن الحبة كانت كبيرة لا يمكن بلعها؛ فصداقة الأربعين لا يمكن أن تخفي التركة: فخزائن الدولة تركها الرئيس السابق خاوية، والدين الخارجي تركه متجاوزاً الخطوط الحمراء، والصفقات العمومية تركها متقاسمة بين ثلة من المقربين منه”.
وتساءل أحمد الشيخ قائلاً: “هل تجاوزنا بالفعل منطقة الخطر؟ وهل يكفي ما سيواجهه الرئيس السابق و12 من مقربيه من تحقيقات ومحاكمات، هل يكفي كل ذلك لردع آخرين ولإغلاق الباب نهائياً أمام ظهور ناهبين ومفسدين جدد؟”. وقال: “كل ذلك سيتضح عندما تتمكن محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة من العمل بالشكل الذي يحلو لهما ومن نشر تقاريرهما: لقد عانى شعبنا كثيراً، وهو لا يتحمل الاستمرار في حماية من لا يفرقون بين خدمة الدولة وتدميرها”.