السبت ثالث وآخر أيام عيد الفطر لهذا العام. ما كان العيد هذا العام عيدا كالأعياد بمعناها وبطقوسها؛ فقد تدخل فيروس كورونا في هذه الطقوس فأخفى غالبها ونزع النكهة من بواقيها.
هكذا جاء عيد الفطر هذه السنة استثنائيا تنقصه عادات كثيرة: فأغلب المساجد مغلقة أبوابها بسبب وباء كورونا ولم تستقبل المصلين صباح العيد.
وخلت المناسبة من الزيارات العائلية في أغلب البلدان، وحرم أطفال كثر من اللعب مع أقرانهم وحتى من مبالغ «العيدية» ومن تقبيل جبين الجدات.
ولم يتمكن العيديون في دول كثيرة من الدعاء بصوت واحد ومن التصافح وتبادل التهاني ومن قبلات ومعانقات العيد.
ومع أنه لا زيارات متبادلة في عيد الفطر، فقد احتفظت ربات البيوت العربية بعادة تنظيف أو «تعزيل» البيت، استعداداً لاستقبال زوار قد لا يأتون.
وبينما كان التحضير الجماعي للحلويات عادة معمولا بها قبل العيد بعدة أيام، فقد فرض الوباء تحضير حلويات عيد الفطر هذا العام، بشكل فردي أفقد هذا الطقس نكهته وطعمه وطابعه الجماعي الجميل. ومنع على الفتيات والنساء بتحريمه الاختلاط، من الاستعانة براسمات الحناء، فقامت كل واحدة بنقش ورسم الحناء على يدها ومنهن من لا تتقن ذلك.
أما «العيدية» وهي أكبر طقوس العيد فقد حالت جائحة كورونا دونها هذا العام. و»العيدية» ينتظرها الأطفال ويحرص عليها الكبار وهي تقديم مبلغ مالي للأطفال كهدية في صباح العيد، لشراء الألعاب والحلويات.
ومع أن العيد مناسبة فرح وسرور، فقد سجل الدكتور الشيخ معاذ أستاذ النقد الأدبي في جامعة نواكشوط، على صفحته على فيسبوك مفارقة أدبية لافتة، وهي أن العيد في الشعر في العربي يكاد يكون مقصدا دائما للحزن والتعبير عن الألم والحرمان.
يقول الدكتور معاذ «كثيرة هي النصوص التراجيدية التي ولدت مع مناسبات الأعياد في الشعر العربي، فكلنا يتذكر بكائية المعتمد بن عباد وهو يصف حال بناته عندما زارنه في السجن بمناسبة العيد، والتي لا توجد في التاريخ قصيدة تدمر سدود الدموع أكثر منها».
يقول المعتمد :
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا ٭ ٭ فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً ٭ ٭ يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً
وقال «كلنا نتذكر دالية المتنبي التي لم يعمر بعدها طويلا، والتي يقول في مطلعها :عيد بأية حال عدت يا عيد».
وأضاف الدكتور معاذ في تدوينته «من البداهة أن العيد مظنة للفرح والسرور، ولكن ما يثير هو حصول العكس في أشهر النصوص العربية، كأنما في الأمر حكمة إلهية، حيث يتذكر الإنسان في لحظات الفرح، تغير الأمر من حال إلى حال؟».
وغير بعيد من حال الأهل في غزة، يخاطب نزار قباني العيد قائلا:
يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا٭ ٭ واستوطن اﻷرض أغراب وأشباحُ
أين الطُّقوس التي كنَّا نمارسها ٭ ٭ يا روعة العيد والحنَّاء فوَّاحُ
ويختم الدكتور معاذ تسجيل مفارقته قائلا «طبعا هذا لا ينفي وجود أشعار تتحدث عن العيد بفرح وحبور، لكنها تظل أقل حرارة وشاعرية من تلك التي تستحضر الحزن والحسرة في لحظات الفرح؛ ويذكرني هذا «الانزياح» باستحضار عنترة ابتسامة عبلة في أتون المعركة، وكيف حولت الشمس أشعتها على نصل السيف الى صورة ثغرها مبتسما، فيقول:
فوددت تقبيل السيوف لأنها ٭ ٭ لمعت كبارق ثغرك المتبسم.
القدس العربي