حوليات النوائب وحوادث السنين بموريتانيا..

9 مايو, 2021 - 00:23

 تمائم وأوراد الشعر في مواجهة كورونا

لست وأيم الله بالخائف 
من الكُرُونا الصائل الزاحف

وإنما أهمني أن أرى 
خلو صحن البيت من طائف

وإن أتى من بكة خوفنا 
أين المفر للفتى الخائف

من بطش ربه وقد راعه
ما كسبت يداه في السالف

بهذه الأبيات، شارك الباحث والأديب حسني الفقيه في التناول الشعري لفيروس كورونا في موريتانيا التي اعتاد أدباؤها تحويل كل الأحداث الكبرى إلى مناسبات شعرية.

الفقيه الذي يشغل منصب المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة، أعرب في مقطوعته عن همه ومعاناته النفسية جراء ما تسبب به فيروس كورونا من إغلاق بيت الله الحرام في مكة المكرمة.

ومنذ استفحاله، شكّل وباء كورونا حدثا مهما عند الشعراء الموريتانيين، فنظموا فيه القصائد بالشعر الفصيح والمحلي.

بعض هذه القصائد "رجائية" الغرض، إذ يرجو فيها أصحابها رفع البلاء ويستعيذون من شرّ الأمراض والأوبئة، فيما وظّف آخرون القصيد في التوعية والتحسيس بمخاطر العدوى.

وقد كتب الشاعر صالح شيخنا أعمر طالب في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قطعة شعرية اعتبرت من بواكير أدب كورونا في موريتانيا: 

دعوناك مولانا بأسمائك الحسنى
وباسمك يا منان ذي العِظَم الأسنى

وبالفاتح المبعوث للناس رحمة
وبالآل والأصحاب ذي الشأن والمعنى

وبالصالحين السالكين هدى ومن 
على منهج الإسلام قد سن ما سنّا

لتبعد عن هذي البلاد وأهلها 
"كُرُونا" الذي حاز النفوس به حزنا 

فمن ذا الذي يرجو الطريد جواره 
سواك إله العرش، من شره عذنا

وعلى جانب الأدب المحلي والشعر الشعبي، لم تكن مشاركات الشعراء في أدب كورونا غائبة حتى بين كبار المسؤولين.

وزير الخارجية السابق السيد محمد فال ولد بلال، رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات ورئيس المنظمة العربية للإدارات الانتخابية، كان حاضرا في هذا الحراك الأدبي ببساطة وطرافة، حيث نظم الشعر الشعبي في التوسل والدعاء، وفي حملة الجلوس في البيوت.

الشعر والوباء
وتذكر المصادر التاريخية المحلية أن الموريتانيين استنجدوا بالشعر قديما في مواجهة الوباء والجفاف والقحط.

وفي القرن السابع الهجري، يقول العالم محمد قلي الشنقيطي -وهو من المؤسسين لمدينة شنقيط- بعد محنة انقطاع المطر عن سكان تلك الربوع: 

يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدا 
وانشر علينا من الستر الجميل ردا 

واجعل لنا منك فتحا غير منقطع 
واجعل لنا فرجا وابعث لنا مددا

ومنذ تلك اللحظة تكوّنت العلاقة بين الشعر والمحن عند الشناقطة.

وفي حديث للجزيرة نت، قال الأديب والناقد الدكتور الشيخ معاذ سيد عبد الله أستاذ الأدب في جامعة نواكشوط إن موريتانيا عبر تاريخها عرفت أحداثا كثيرة، نظمها الشعراء في ما يعرف بالحوْليّات وحوادث السنين، وفيها حديث عن المجاعات والحروب البينية. 

ويلاحظ أن المجتمع الموريتاني مجتمع شعر ونظم عبر تاريخه، وظاهرة النظم عنده تعود لعقليته البيداغوجية (تكوينه التربوي) التي رسمتها المحظرة قديما، والتي تقوم على نظم المتون لتسهيل حفظها.

والمحظرة هي نظام تعليم تقليدي في موريتانيا، تدرس العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية وغير ذلك، ولا يمكن لأي أسرة أن تغيّب أبناءها عن المحاظر لأي سبب، وخصوصا فترة العطلة الصيفية.

 

ويضيف أن من الطبيعي أن يكون الشعر حاضرا اليوم في مجابهة كورونا نفسيا، وذلك لأن الشعر عادة يخفف من الوقع النفسي للأحداث. 

وحول ظاهرة كورونا الشعرية وتفاعل الناس معها، قال الشيخ معاذ إن كورونا ليس الحدث الأول الذي تعامل معه الموريتانيون بالشعر، فقد فعلوا ذلك مع كثير من الأحداث المحلية والعالمية.

وفي الذاكرة الموريتانية حضور كبير للشعر في مواسم الأمراض والأوبئة والنكبات، فعندما ظهر مرض الكوليرا مثلا، قرض الشعراء شعرا شعبيا جميلا مليئا بالأدعية والابتهالات.

يا رب عاف من وباء الكوليرا 
جميعنا بجاه أفضل الورى

ونجنا من صولة الجراثم 
بجاه طه الأبطحي الهاشمي

إنسانية الشعراء
أما الشاعر "جاكيتى الشيخ سك"، فاعتبر أن تفاعل الشعراء مع جائحة كورونا يعكس نفسيتهم التي تعبر دائما عن واقع الذات البشرية، وهو ما يتدرج من الهم الذاتي للشاعر نفسه ليتجاوزه إلى مجتمعه، حتى يصل إلى إنسانيته.

جاكيتي الذي سبق أن تأهل لنهائي مسابقة أمير الشعراء، يلاحظ أن هذه الأزمة وحّدت الشعور الإنساني بالضعف في مواجهة المجهول، معتبرا أن الشعراء بقريضهم يعبّرون عن إنسانيتهم وقربهم من واقع الناس ومشاكلهم.

ويعتبر الموريتانيون من أكثر الشعوب العربية تعلقا بالشعر وتفاعلا معه، حتى وصفت موريتانيا بأنها أرض المليون شاعر.

وعند كثير من المسنين -وخصوصا في مناطق الريف والبدو- يحظى شعر الابتهال بدرجة كبيرة من التقديس، يصل فيها لدرجة الرقية بالأدعية وآيات الذكر الحكيم. 

وما زال الشعر العربي الفصيح في شنقيط يحظى بعناية كبيرة بين مختلف النخب الاجتماعية، وهو حاضر في المجالس الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، تفتتح به الندوات والجلسات العلمية المختلفة، نظرا لما يقوم به القريض من بعث للأمل في القلوب وإعادة للحياة في النفوس، كما يقول حافظ إبراهيم. 

ففي الشعر إحياء النفوس وريها 
وأنت لري النفس أعذب منبع

المصدر : الجزيرة