الهجرة السرية أو تسابق الأفارقة لجنان أوروبا

28 أبريل, 2021 - 23:45

تكاد الهجرة السرية أو مشكلة السباق الشبابي الأفريقي المحموم نحو جنة أوروبا أن تكون معضلة بلا حل، مع أن الدول الغربية بذلت جهودا مضنية لصد قوارب المهاجرين الذين التهمت المحيطات الآلاف منهم، ولإيقاف أفواج الملتحقين بأراضيها رغما عنها.

فقد وقعت الدول الأوروبية العديد من الاتفاقيات وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات لاستكناه أسباب الهجرة إلى أوروبا التي أجمع الخبراء على أنها تعود كلها لمعاناة الأفارقة من جحيم الفقر الناجم عن سوء تسيير الحكومات.

وأصبحت ظاهرة الهجرة غير الشرعية مشكلة رئيسية تؤرق الدول المستقبلة للمهاجرين؛ وتعتبر القارة الأوروبية هي الوجهة الأولى للمهاجرين غير الشرعيين من دول شمال أفريقيا والقارة الأمريكية، وهي كذلك الملاذ لسكان المكسيك وكندا وآسيا.

موريتانيا والاتحاد الأوروبي

وخصص الاتحاد الأوروبي لموريتانيا دعما ماليا بـ 3.2 مليارات أوقية، في تنفيذ إستراتيجيتها التي تعالج قضايا عدة بينها تقوية المؤسسات الوطنية ذات العلاقة بإدارة الهجرة، وضمان حقوق المهاجرين، والهجرة والتنمية خاصة ما يتصل بالتحويلات المالية، وحراسة الحدود.

وتتواصل منذ عام 2014 دوريات أمنية موريتانية إسبانية مشتركة على الشواطئ الموريتانية بعد أن وقع البلدان عام 2003 أول اتفاق أمني في مجال الهجرة غير الشرعية، يقضي باحتجاز الأمن الموريتاني للمهاجرين الذين “يثبت” أو “يُفترض” أنهم حاولوا السفر إلى إسبانيا انطلاقا من الساحل الموريتاني، واحتجازهم بمركز إيواء أقيم في نواذيبو، ثم ترحيلهم إلى بلادهم.

إسبانيا وموريتانيا

تواصل موريتانيا التي أنهى وزير داخليتها للتو زيارة لإسبانيا، عمليات التنسيق والتعاون الأمني بين البلدين، لمواجهة تدفق غير مسبوق ملاحظ منذ أسابيع، للمهاجرين الأفارقة القادمين من دول غرب أفريقيا وبخاصة من مالي والسنغال.

ويستغل المهاجرون حالة الانشغال بموجة كورونا التي تكتسح منذ أيام دولا أوروبية وبالذات فرنسا، للتسلل عبر المحيط الأطلسي باتجاه الأراضي الإسبانية، مستعينين بخدمات نقل بحري بالغة الخطورة توفرها شبكات تسهيل الهجرة نحو القارة العجوز عبر الزوارق البحرية.

وتشهد المياه الدولية المقابلة للمنطقة البحرية الموريتانية منذ أسابيع حركات مكثفة لزوارق المهاجرين المتسللين إلى أوروبا؛ وقد أوقفت السلطات الأمنية الموريتانية مئات المهاجرين السريين في عرض البحر ضمن الجهود التي تقوم بها لمحاربة ظاهرة الهجرة السرية.

وضمن التعاون الموريتاني الإسباني الخاص بمواجهة تدفق المتسللين، أعلنت سفارة إسبانيا في نواكشوط مؤخرا عن تخصيص طائرة رقابة خاصة بتتبع زوارق الهجرة السرية المتجهة من شواطئ غرب أفريقيا إلى جزر الكناري.

طائرة استطلاع

وأكدت السفارة “أن تدفقا غير مسبوق للمهاجرين قد لوحظ في الأسابيع الأخيرة وأن العديد من الشبان السنغاليين قد قضوا خلال رحلات التسلل نحو أوروبا”.

وأشار بيان السفارة إلى “أن طائرة الرقابة التي خصصتها إسبانيا لرقابة السواحل، وهي من نوع C235 مجهزة بكاميرات ورادارات تمكن من التعرف بارتفاع معين، على الزوارق وهي في عرض البحر”.

 وأوضح “أن الطائرة ستقوم يوميا بطلعات جوية للرقابة البحرية يشارك فيها عناصر من قيادة الطيران العسكري الموريتاني، وعناصر من خفر السواحل المكلفة بتنسيق العمليات”.

وأضاف “أن هذه الطلعات التي تتم في ظل القانون الموريتاني، ستمكن من الكشف عن الزوارق التي تقل المهاجرين المتسللين، حيث ستسلم للبحرية الموريتانية المعلومات المحصلة من الطلعات الجوية اليومية لتمكينها من تنسيق عمليات توقيف الزوارق وإغاثة المنكوب منها”.

وأدرج البيان خدمات هذه الطائرة ضمن بروتوكول التعاون الأمني والحدودي الموقع بين موريتانيا وإسبانيا.

تزايد يقلق الغرب

وحسب دراسة أنجزها للتو خبراء في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات السكانية عن الهجرة فإن عدد الأفارقة المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في عام 2050 يقارب لنسبة 25 في المئة من سكان القارة العجوز.

وحسب الدراسة المذكورة، فإن عدد الأفارقة المتجنسين في أوروبا سيكون عام 2050 ما بين 150 و200 مليون نسمة.

وتؤكد الدراسة “أن عدد الأفارقة المهاجرين سيتضاعف عام 2050 لينتقل من 1.5 إلى 2.9 من مجمل سكان فرنسا”.

وتؤكد هذه المعلومات، نظرية “اكتساح أوروبا بالمهاجرين” التي توصل إليها الصحافي الاستقصائي الفرنسي رينو كميس والتي تناقلتها على نطاق واسع وسائل إعلام أوروبية يمينية.

وأثارت قضية اكتساح القارة العجوز بالمهاجرين الأفارقة نقاشا كبيرا وساخنا خلال انتخابات ايار/مايو 2019 الأوروبية، حيث طرحت قضية القنبلة السكانية الأفريقية المتوقعة خلال العقود المقبلة، في مقابل أزمة استقبال المهاجرين في أوروبا.

وأشارت الدراسة كذلك إلى أن ضغط هجرة سكان دول أفريقيا ما وراء الصحراء على أوروبا ليس بالشكل الذي يعرضه الإعلام الأوروبي لأن 70 في المئة من مهاجري هذه المنطقة يتوجهون إلى جنوب أفريقيا، بينما تهاجر نسبة 15 في المئة إلى الخليج وأمريكا الشمالية، وتهاجر نسبة 15 في المئة الباقية إلى أوروبا.

وتؤكد الدراسة “أنه من أصل 420 مليون نسمة هم سكان أوروبا الغربية، اليوم، هناك 5.3 مليون مولودون في أفريقيا الشمالية و4.4 مليون مولودون في باقي دول أفريقيا”.

وتكافح أوروبا هجرة الأفارقة بأساليب عدة أشهرها تقطير التمويلات لحكوماتهم.

الهجرة الأخطر

غير أن هناك هجرة أخرى أخطر هي هجرة الأدمغة التي تفقد البلاد الأفريقية أطرها ومفكريها الذين تضطرهم ظروفهم لاستثمار قدراتهم ومؤهلاتهم في مواقع خارجية تدفع أكثر.

ومن الأسباب التي شخصتها الهيئات الدارسة للهجرة، افتقار البلدان الأفريقية لمشاريع خاصة بدمج العاطلين عبر تمويلات صغيرة وعبر تسهيلات وقروض للشباب من أجل مساندتهم لإنشاء مقاولات، ومنها غياب مراكز التكوين والتأطير، وانسداد الأفق أمام مشاركة الشباب في الحياة السياسية.

هل الهجرة جريمة؟

حسب التكييف القانوني، فالهجرة غير الشرعية ليست مجرد ظاهرة عادية بل جريمة يعاقب عليها كل من القانون الداخلي والدولي، شأنها شأن الجرائم المنظمة العابرة للحدود.

فظاهرة الهجرة غير الشرعية تعني دخول شخص دولة أخرى بشكل غير شرعي أو حتى بشكل شرعي، ومن ثم تعمد مخالفة القانون في الدولة المضيفة كانتهاء مدة الإقامة وعدم المغادرة، مع وجود نية الإقامة في تلك الدولة.

هناك العديد من الآثار السلبية التي تترتب على الهجرة غير الشرعية، وهذه الآثار لا تقتصر على الدول المهاجر إليها بل تمتد لتطال الدول المهاجر منها، وهذه الآثار اقتصادية واجتماعية وأمنية.

البحث عن جنة الخلود

اعتادت فئات من الشباب الأفريقي التوجه إلى أوروبا باعتبارها جنة الخلود التي ستمكنهم من العمل وتكوين الثروة.

ومع أن عددا من الشباب يختارون الهجرة دون معاناة من ضيق فإن غالبهم يهاجر إلى القارة العجوز فرارا من الاضطهاد وسوء الأحوال.

وقد تضافرت عوامل اقتصادية واجتماعية في حدوث وتطور ظاهرة الهجرة السرية من أفريقيا صوب العالم الأوروبي منها تفاوت المستوى الاقتصادي الناجم عن جمود وتيرة التنمية بالدول الأفريقية، وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل بسبب استفحال البطالة التي تمس عددا كبيرا من الشباب الحاصلين على دبلومات عالية.

للهجرة أسباب ودوافع

ومن أسباب الهجرة ما يظهره الشباب المهاجر من رفاهية وثراء، تجعل الشباب يحن إلى الهجرة التي يجد صاحبها المال.

ويؤكد الدكتور سامي محمود الشجلاوي الباحث بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة بيروت العربية “أن ظاهرة الهجرة على امتداد التاريخ الإنساني، ظلت تستجيب لتطلعات الأفراد في مناطق مختلفة من العالم؛ نحو تطوير حياتهم وتغيير ظروفهم لحياة أفضل” مضيفا “أن حدّة الهجرة تنامت مع توجّه الدول إلى فرض التأشيرات ومراقبة الحدود، حيث بدأ الحديث عن هجرة قانونية وأخرى غير قانونية خلافاً للمواثيق الدولية الداعمة لحرية التنقل واللجوء”.

ومن بين الأسباب الرئيسية للهجرة غير الشرعية، التباين في المستوى الاقتصادي بين ما يعرف بالدول الطاردة والدول المستقبلة، ومرجع هذا التباين هو أن وتيرة التنمية في الدول الطاردة تسير ببطء شديد، على ما هو الحال عليه في الدول المستقبلة، وهذا من شأنه أن ينعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية في الدول الطاردة بما يؤدي إلى انخفاض مستوى الدخل الفردي، وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة.

تأثير في الاتجاهين

يلاحظ أن الهجرة تحوّلت في عصرنا الحالي إلى معضلة، سواء بالنسبة للدول المصدرة أو الدول المستقبلة، وذلك من منطلق تداعياتها وانعكاساتها المختلفة على الطرفين، حيث عرفت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في منطقة المتوسط تطوراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفعل الأزمات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الكثير من دول منطقة الشرق الاوسط مثل العراق وسوريا.

ويقول الباحث الدكتور سامي محمود الشجلاوي “إن الهجرة غير الشرعية ظلت نتيجة طبيعية لحالة المنع وغلق الأبواب أمام الهجرات الشرعية باتجاه الدول المتقدمة، فالسياسات التي تتبعها الدول الأوروبية في هذا المجال كان لها آثار عكسية، إذ ساهمت في فتح المجال أمام التهريب عبر الحدود الهجرة غير الشرعية، من خلال أشخاص يتاجرون في البشر من أجل تحقيق مكاسب مادية”.

ومن الواضح أن البلدان الطاردة أو تلك التي تشهد هجرة غير شرعية تفتقر إلى التنمية وتعاني من قلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، كما أنها تعاني من البطالة الشديدة التي يرزح تحت وطأتها عدد كبير من السكان، وخاصة الشباب منهم والحاصلون على مؤهلات جامعية.

تأثيرات وتأثرات

تقول الباحثة عباسة دربال في بحث لها عن الهجرة أن “من أبرز أسباب الهجرة تضييق مساحات الحريات السياسية أو الحرية في التعبير أو ما يسمى بالتغيب على المستوى السياسي، ومنها الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة، وما ينتج عنها من ترهيب للمدنيين عبر ارتكاب جرائم ضدهم، ومنها كذلك، حسب الباحثة، وجود اضطرابات أمنية داخلية. وللهجرة أثرها الاقتصادي السلبي على الدولة المستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين وكذلك على الدول المصدرة لهم بما تحمله من تهديد الاقتصاد الإقليمي والعالمي عن طريق التدخل في الدول التي تمر بمراحل تحول اقتصادها إلى اقتصاد السوق، حيث تتدخل فيها بشكل يتمثل في قيامها بغسل أموالها المتحصلة من تجارتها غير المشروعة”.

تغيير التركيبة

وللهجرة أثرها الاجتماعي كذلك ومن أبرزه، حسب الدكتور سامي محمود تؤدي الهجرة عموماً إلى تغيير التركيبة الاجتماعية لكل من دول المهجر ودول المصدر، كنتيجة لما يسمى بالانتقاء الهجري، حيث يترتب على الهجرة انتقاء العناصر الشابة من المجتمع وبصفه خاصة الذكور إلى دول المهجر، مما يؤثر بالسلب على التركيبة الاجتماعية للمجتمع المهاجر منه والاخرى المهاجر إليه.

وسائل التصدي

بما أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ظاهرة معقدة وخطيرة بكل أبعادها القانونية والاجتماعية، فإنه لا يمكن القضاء عليها أمنياً أي عن طريق اتخاذ التدابير الأمنية، وإنما يتطلب القضاء عليها البحث عن الأسباب المؤدية إليها بمختلف زواياها.

تقول الباحثة ليلى جبرائيل “أصبحت الهجرة السرية من إحدى المظاهر العالمية حتى يكون من الصعب القضاء عليها بسهولة، إذا لم تتكاتف الجهود الدولية للتصدي والتحكم في تلك الظاهرة حيث يتم ذلك من خلال اتفاقات ومعاهدات إقليمية دولية”.

وأضافت “من وسائل التصدي للهجرة، بناء حواجز على الحدود البرية والبحرية، مع المراقبة بشكل صارم لمنع دخول المهاجرين بهذه الطريقة، كما يتم التعامل معهم بإعادتهم إلى بلادهم الأصلية واحتجاز من ساعدهم على العبور للبلاد الأخرى بهذا الشكل، ومنها منع أصحاب العمل من توظيف الأشخاص المهاجرين قبل التأكد من امتلاكهم لوثائق قانونية تمكنهم من الإقامة في البلاد، إبلاغ السلطات عن المهاجرين السرية وارتكابهم مخالفات في البلاد كالاعتداء على الأشخاص وتدمير الممتلكات”.

مخاطر الهجرة

يقع المهاجرون في مخاطر عديدة منها التعرض لحوادث أثناء الهجرة وبخاصة من خلال البحر حيث يستخدم المهاجرون قوارب صغيرة يحمل عليها أعداد كبيرة جداً من المهاجرين بدون وضع شروط سلامة على أرواحهم مما يعرضهم للغرق.

كما يتعرض المهاجرون سرا للوقوع في أيدي عصابات الإتجار بالبشر، والتي يقوم ببيعهم كرقيق أو تتعرض المهاجرات للاستغلال الجنسي والاغتصاب.

ومن آثار الهجرة السلبية اضطرار المهاجر للسكن في أماكن رخيصة لا تملك أدنى شروط العيش الكريم للإنسان، وهو مع ذلك مهدد من حين لآخر باكتشاف أمره وترحيله للبلد الأصلية.

وقد يضطر المهاجرون للسير مسافات طويلة جداً قد تصل لأكثر من ألف ميل بسبب صعوبة الدخول للبلد المهاجر إليها من خلال المنافذ العادية.

حلول ومقترحات

كثرت المقترحات المقدمة عبر الندوات والمؤتمرات لحل مشكل الهجرة أو للحد منها، ومما أوصى به الخبراء الاجتماعيون تنشئة الشباب منذ المراهقة على التعلق بالوطن، ومنها تحفيز الشباب على الاختراع والبحث العلمي، ومنها توفير فرص للشغل مع ضمان العدالة في الأجور، وفتح مجالات لاستثمار المؤهلات الشبابية كالنوادي الثقافية والجمعيات، كما تمت التوصية بالقضاء على المحسوبية وتحقيق مبدأ المساواة والعدالة في توفير فرص العمل وضمان العدالة في الأجور ومشاركة الشباب في الحياة السياسية.