فإنها من تقوى القلوب!

24 أبريل, 2021 - 23:15

لا تخلو فكرة إسلامية أو غيرها من مقاصد ومضامين ترجع إليها في معانيها وأهدافها، وفي هذا الصدد تأتي مقاصد شهر رمضان من منظور الشريعة الإسلامية، فهنالك مقاصد على مستوى الفعل وأخرى على مستوى التعبير والكلام، وهذا ما سيحاول هذا المقال التطرق له في هذا السياق المقاصدي، ونستهل حديثنا عن مقاصد الصيام بما جاء في القرآن من احترام للشعائر الدينية باعتبار شهر رمضان من ضمن الشعائر التي يحترمها الناس بفعل ما يطلب منهم في وقتها وزمانها.

أول مقاصد الصيام نتناوله هنا ما جاء في صريح الآية القرآنية:

ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]،

فشعيرة الصيام من ضمن شعائر الله التي يجب تعظيمها واحترامها وفق ما يطلب لها من تعظيم، ومن أبرز معاني التعظيم لشعيرة رمضان صيامها، وهو ما يتأكد لدى المسلمين عمليا بشكل جلي في احترام وتعظيم لهذه الشعيرة، وذلك ما ينعكس على الناس في سلوك صيامهم وعلاقتهم بتقوى قلوبهم وصدق توجههم وصلاح حالهم.

مقصد آخر من مقاصد الصيام هو: تصحيح القول والكلمة، شعار المسلم في أيام الصيام هو ما حدده القرآن وصور طريقه حتى لا يحيد عنه أحد من المسلمين، كما تصور الآية التالية من سلوك للمسلم السائر عبر مسالك الطريق إلى الله، قال تعالى: (وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ) [الحج: 24]، إنه تقييد للقول وتطييب للكلمة لئلا تكون خارجة عن نسق الاحترام أو جارحة للمشاعر، هكذا يتعلم المسلم الرجوع إلى قواميس الكلم الطيب لينتقي أفاضلها ويستخدم أعاليها، إنه توجيه القرآن لكل فرد من المسلمين أن يعلم نفسه اقتناء العبارة الطيبة والانطلاق بها في ميادين الحياة، وهو ما ينبغي أن يكون شعارا للكل في السلوك والقول على حد سواء.

وفي هذا السياق يقع انفصام بين ما يكتسبه المسلم من عباداته من قيم وما يمارسه في واقعه، وهذا ما يصوره مالك بن نبي قائلا:

فالمسلم حين يتخطى عتبة المسجد ينتقل إذن من حال إلى حال أخرى. وهذا يضطرنا إلى أن نسجل ملاحظتنا: إن هناك انفصالا بين العنصر الروحي والعنصر الاجتماعي، هناك افتراق بين المبدأ والحياة، والمسلم يعيش اليوم هذا الانفصال الذي يمزق شخصه شطرين: شطر ينظم سلوكه في المسجد، وشطر ينظمه في الشارع، ("ميلاد مجتمع"، ص: 103).

من مقاصد الصيام اجتماعية الناس، فالصيام مظهر اجتماعي: يجتمع الناس في شهر رمضان في نظام يجعل نظامهم الاجتماعي موحدا حيث يفطرون تبعا لدخول الوقت ويصومونه كذلك حين تحل ساعته على جميع المسلمين في بقاع الدنيا، تتقارب مظاهرهم الاجتماعية والعبادية فيتوجهون إلى الله جماعات، قياما وقعودا، وهذا من أهم ما تنعكس فيه المظاهر الاجتماعية العبادية. ورغم هذا التقارب الاجتماعي تسلك الاجتماعيات مسالك التعاون والرحمة بين الناس، وتنتشر قيم المواساة والتراحم ليكون الصيام شهرا اجتماعيا في تعبداته واجتماعياته.

الصيام أساس أخلاقي، فالأخلاق تمثل عنصر التأثير في التشريعات الإسلامية، وتتفاعل بطبيعتها مع النظم والمقاصد، فلا نفصل شهر رمضان عن الأخلاق، فهو شهر الأخلاق التي يزرعها في المسلمين بالصيام الذي يربي في الإنسان ملكة الصبر والتحمل، وهذا ما يقوي الفرد ويشد عوده فيحمله المسؤولية الأخلاقية والإنتاجية في المدرسة الرمضانية، فتنمو القيم العليا في الإنسان حيث يشعر بهموم الناس وحاجة الفقراء في سرّائهم وضرائهم، وهي قيم وأخلاق يكتسبها الصائم، بالإضافة إلى جملة من القيم الأخروية في الجزاء والمثوبة التي ينتظرها المسلم جراء صيامه وتنسكه في عمله وتقربه من ربه في هذه الأيام الفاضلة التي نعيشها الآن.

التقوى: صرح القرآن الكريم بمقصدية التقوى، وجعلها ركيزة خلقية يكتسبها الناس من صيامهم، والتقوى في هذا السياق تشمل جملة من المعاني الطيبة التي يجنيها المسلم من صيامه، فقد تكون تلك الخصال التي تدعوه إلى العطاء والتعاون مع الناس والقيام بواجباته تجاههم، وقد تكون معاني تزكوية ربانية من خلال الصيام. ومن ضمن معاني التقوى التي يجب التذكير بها أن هذه التقوى هي ما يبقى مع الإنسان من صيامه وتعبده طوال السنة، فالصيام وقاية للمسلم من أوجاع وأحوال فينقله إلى أحسن حال. ومن معان تقوى الصيام ما يبتعد عنه المسلم من رفث وفسوق في شهر رمضان.

وقد عبر القرآن عن ذلك بلفظ يشمل تلك المعاني وغيرها، فكل ما ذكر ضمن هذا المقال داخل ضمن تعظيم شعائر الله التي يجب على المسلمين احترامها وتقديسها بما يوافق المطلوب ويناسب المعبود، وهذا هو مقصد المقاصد وغاية الغايات أن تحترم وتعظم حرمة الله تعظيما يليق بقدرها وجلالها.

وهنا نترك القارئ مع قراءة هذه الآيات التي تناولت الصيام ومقاصده، سائلين الله العلي القدير قبول الصيام والقيام في هذا الشهر العظيم لجميع المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٨٤ شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٨٥ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦) [البقرة: 183-186].

يحي عبدالله بن الجف