التشاديون.. ربع قرن من المعاناة

24 أبريل, 2021 - 23:14

" أنا لم آتيكم بذهب ولا بفضة، ولكنني جئتكم بالحرية " هذا ما بشر به الرئيس إدريس ديبي عشية مخاطبته الشعب التشادي، عقب السيطرة على البلاد بعد هروب الدكتاتور حسين هبري الذي أذاق المواطن ويلات القتل والتهجير، والتطهير العرقي، والتضييق على الحريات، وممارسة الكبت والقمع الممنهج من خلال الخلايا المخابراتية التي تنتشر في كل مكان، والمجازر الجماعية التي ينفذها الجهاز الأمني لهبري في الثمانينات من القرن الماضي!
الظلم والقهر والإعدامات وكبت الحريات هي من جملة الأسباب التي حملت إدريس ديبي على الانشقاق من جيش هبري، واللجوء إلى شرق البلاد سعيا للإطاحة بنظام الرئيس حسين هبري الذي حكم البلاد ثمان سنوات بقبضة حديدية.. واستبشر المواطن بالحركة الوطنية للإنقاذ التي يقودها الرئيس ديبي، ولكن سرعان ما تبددت الأحلام، وتبخرت الأماني، في ظل الفشل الامني والاجتماعي، الاقتصادي الذي مني به نظام ديبي، طوال سبع وعشرين سنة من التخبط في الحكم، والتي عجز فيها على توفير أدنى مقومات الحياة الكريمة للمواطن، لا ماء صالح للشرب، ولا كهرباء، ولا دواء، فساد إداري، ومالي، ومحسوبية، وقبلية، ومحاباة وسيطرة القبيلة على الحكم، سرقات هائلة للمال العام، واغتصاب النساء بشكل جماعي، وارتكاب مجازر جماعية، من قبل أفراد قبيلة الرئيس، باستخدام سلاح الجيش الوطني، وتصفية جسدية للجنود من داخل الجيش، وتطبيق قانون الغاب، وقوة القبيلة المسنودة من الدولة..
إذا التاريخ يعيد نفسه، فاليوم الوضع الاجتماعي يغلي، وجميع المكونات الوطنية مستاءة من الحالة المزرية التي آلت إليها الأمور، بسبب فشل الحكومة في كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية..
تمر تشاد بأزمة مالية خانقة منذ سنة ونصف تقريبا، خلالها مرت معظم القطاعات الحيوية بإضرابات، واحتجاجات، وانفلات أمني مخيف وضع الشعب في حالة رعب واستياء، في ظل عجز الأمن في توفير الأمن والأمان للمواطن المغلوب على أمره.. في معمعة هذه الفوضى، والفشل الرئيس منذ أشهر وهو يقضي عطلة صيفية في مدينة أم جرس شرقي البلاد، متنقلا بين قصورها وحدائقها، مستمتعا بالخدمات التي وفرها لمنطقته، بينما العاصمة أنجمينا تفقر لأبسط الخدمات، تاركا خلفه المواطنين يعانون الأمرين، غياب الأمن، وضيق العيش الناتجتان عن فشل الحكومة في كافة القطاعات الحيوية..
وهذه اللامسوؤلية التي تنتهجها حكومة ديبي إعلان صريح عن الفشل الذريع الذي نعيشه منذ سبع وعشرين سنة من استلام السلطة من قبل الحركة الوطنية للإنقاذ التي لم تنقذنا من الدكتاتورية، حتى أورثتنا أخرى أشد وأنكى، نعم أشد لأننا اليوم نموت بالرصاص والجوع والفقر، مما جعل المأساة مضاعفة.
هذه الفوضى العارمة التي نشهدها اليوم تعيد إلى الأذهان صورة البلاد إبان حكم الرئيس السابق حسين هبري، ولا سيما هذه الأيام بدأت حركة التمرد المسلح تأخذ في الصعود نتيجة الوضع السيئ الذي تمر به البلاد، ولعل سيناريو الحروب الأهلية يلوح في الأفق، ذلك أن الظلم والاستبداد والفساد الذي نعيشه اليوم، جعل الكثيرين يفكرون في حمل السلاح واللجوء إلى خيار الحرب!، وآخر الدواء الكي كما قالت العرب..

عبدالرحمن يحيى صالح

كاتب  ومدون