الشائعة... آفة عصر التكنولوجيا

23 أبريل, 2021 - 23:49

تعد الشائعات من أبرز ما تواجهه المجتمعات المعاصرة في عصر التقدم والتكنولوجيا، حيث تنتشر بسرعة رغم توفر آليات البحث عن الحقائق ومصداقيتها، وقد عرفها الباحث الاجتماعي ألبرت وبوستمان بأنها افتراض يرتبط بالأحداث القائمة يراد أن يصبح موضع تصديق الناس ويتم ترويجه مشافهة من شخص لآخر عادة من دون أن تتوفر أي أدلة ملموسة تسمح بإثبات مصداقيته.

وفي العصر الحديث اتسع استخدامها بانتشار أدواتها في مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، ورغم أنها من أبجديات الإعلام وأبرز أنواع الاتصال، والتعبير الأمثل عن ما يريده الناس أو يتمنونه، فإنها أيضاً من أكثر الأمراض فتكاً وتدميراً، وواحد من أبرز الأسلحة المستخدمة في الحروب العسكرية والنفسية إذا ما استخدم لنقل محتوى خاطئ أو مغرض، حيث تستخدمها جهات معينة هدفها الأساس تحطيم المعنويات والإخلال بالنسيج المجتمعي أو الدولي.

وشهد العالم العديد من هذه الحملات كالنسخة المزيفة من الواشنطن بوست التي حملت عنوان الرئيس الأميركي ترامب يقدم استقالته، وانتشرت بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي ليتبين لاحقاً أنها نسخة مزورة نشرتها إحدى المنظمات المعارضة لسياسات الرئيس الأميركي، حيث أتى استخدامها هنا للتعبير عن ما يتمناه الناس، ومثال آخر هو نظرية المؤامرة التي لم تثبت أو تؤكد صحتها حتى الآن، فكلها كلمات أو وثائق مزورة تجد طريقها في وسائل التواصل بلا إثبات، كنوع من الرسائل المغرضة التي تهدف لزيادة التوتر الاجتماعي، أما في عصر كورونا فقد أوجد هذا الفيروس بيئة خصبة لأنواع مختلفة من الشائعات يتناقلها الناس بلا رادع.

إن الشائعة آفة يزداد عدد مرضاها كل يوم نتيجة الإهمال الإعلامي الحاصل ويزداد معها يأس ومعاناة المجتمع

ولربما إن مجتمعات العالم الثالث إن جاز التعبير من أكثر المتضررين بالشائعة لضعف الوعي الاجتماعي أولاً ولكثرة الهموم الاجتماعية التي تدفعهم لتصديق كل ما من شأنه أن يخفف وتيرة توترهم ثانياً، والمجتمع العراقي كغيره من المجتمعات العربية والخليجية تنتقل فيه الشائعة وتنتشر، الأمر الذي دفع العديد من صفحات التواصل الاجتماعي لنفي هذه الأخبار باستخدام مصادر موثوقة.

وللعودة لأسباب الشائعة فإن الانفلات الإعلامي  وغياب أخلاقيات العمل في الوسط الصحافي نتيجة لضعف قوانين المصداقية الصحافية وغياب الرقابة عليها، وكذلك البطالة حيث إن السأم كثيراً ما يولد القيل والقال خاصة في الجلسات الاجتماعية، إضافة لما أشرنا إليه أعلاه من التغريض والاستهداف النفسي الذي يجد سبيله بالغالب في وسائل التواصل الاجتماعي.

كل هذه الأسباب تضع رواسب آثارها على المجتمع  وتدمر قيم المجتمع لأغراض خارجية وتُدني معنويات الفرد حيث يعاني من الصدمة ودوامات القلق وما ينتج عنها من أمراض نفسية واجتماعية.

أما كيفية التعامل معها فالوسائل التكنولوجيه قد وفرت العديد من الكيفيات منها المواقع الإلكترونية والتوعية الاجتماعية بعدم نشر المعلومات قبل التأكد منها وبناء جسور ثقة بين المواطن ووسائل الإعلام، من خلال التأكيد على قوانين المصداقية الصحافية وبتوفير إعلام منفتح موثوق يصل إلى أكبر فئة ممكنة من الرأي العام وزيادة ثقة الناس بالرؤية الحكومية أو الرسمية عن طريق شفافية الطرح وطرح المصادر المعلوماتية، كما أن التقارير الصحافية حيث يرتكز بناؤها الهرمي على السؤال لماذا والإجابة عنه بالطرق الاستقصائية والكشف عن الواقعة أو الحدث بتفاصيلها المهمة.

إن الشائعة آفة يزداد عدد مرضاها كل يوم نتيجة الإهمال الإعلامي الحاصل ويزداد معها يأس ومعاناة المجتمع، فالمطلوب البدء بحملات القضاء عليها داخل المجتمع قبل أن يحصل ما لا يحمد عقباه.

مهند فارس