أزمة المياه في موريتانيا.. عطش في نواكشوط

12 سبتمبر, 2020 - 08:13

 

تدرك الموريتانية المسنة، عائشة بنت محمد، أن حلم حصولها على ماء الشرب، قد تبخر بعد أن أخبرها صاحب عربة بيع الماء، المعروفة، محلياً، بـ"شاريت"، أن مخرون المياه المخصص لحي "لقريكة" في مقاطعة دار النعيم (شمال شرق نواكشوط) قد نفد قبل منتصف النهار، وأن الكثير من الطلبات التي قدمها الزبائن لجلب الماء ما زال بعضها عالقاً إلى يوم الغد.

لم يكلف عبدالله مالك عربة بيع المياه في الحي، نفسه عناء شرح الموقف الذي يتكرر معه يومياً، وواصل سيره إلى حيث يسكن لأخذ قسط من الراحة والاستعداد ليوم جديد، من المكاسب المتزايدة، بسبب العطش المتزايد في نواكشوط.

آمال مفقودة

تعلق عائشة بنت محمد الكثير من الأمل على يومها الجديد، بأن يقبل مالك عربة بيع المياه، وضع اسمها على لائحة توزيع المياه، والحصول على برميل سعة (200 لتر)، للمرة الثانية، خلال أسبوع واحد، إذ بات الأمر حلماً لعائلتها وأطفالها، بأن يحصلوا على برميلين من المياه الصالحة للشرب، في ظل تزايد الطلب ونقص المعروض.

تقول بنت محمد لـ"العربي الجديد": "لدي أربعة أبناء توفي والدهم منذ ثلاث سنوات، أبيع الخضراوات والأسماك في الحي الشعبي الذي أسكنه منذ 15 عاماً، سعر المياه المباعة أغلى، أنا مجبرة على شرائها".

لا يختلف الوضع، كثيراً، في أحياء بوحديد والفلوجة وغزة في مقاطعتي توجنين وعرفات في العاصمة نواكشوط، إذ يعاني السكان من العطش مع بداية موجة الحر وارتفاع درجات الحرارة التي تشهدها موريتانيا خلال فصل الصيف الحالي.

الشيخاني ولد السالك، أحد سكان حي غزة يقول، إن السكان يعانون موجة عطش متزايدة منذ عدة أسابيع تسببت في ارتفاع سعر برميل المياه من 300 أوقية موريتانية إلى 600 أوقية: أي ما يعادل نحو (3 دولارات أمريكية)، وهو ما يعد ثمناً غالياً لسكان الأحياء الشعبية.

يؤكد ولد السالك، أن الأزمة مرجحة للاستفحال ما لم تجد الحكومة حلاً لتوفير المياه لسكان العاصمة.

الحكومة تغيب عن حل المشكلة

يؤكد الشاب الموريتاني الناجي ولد عالي، أن نقص مياه الشرب تتساوى فيه غالبية أحياء العاصمة، موضحاً، أن أرقى حي هو (تفرغ زينه)، يعاني قاطنوه من العطش ويعتمدون على شراء الصهاريج التي يوفرها بعض التجار بثمن باهظ لا يملكه الفقراء الذين يمثلون النسبة الأكبر في العاصمة نواكشوط.

ويؤكد ولد عالي القاطن في حي الفلوجة في مقاطعة عرفات لـ"العربي الجديد"، أن غياب الجهات الرسمية عن المشهد زاد من صعوبته في ظل معاناة الموريتانيين من أزمات عدة، أزمات مثل الفقر، والبطالة، وارتفاع الأسعار، لتأتي أزمة المياه وتضاعف من معاناتهم.

جذور الأزمة

يرى الباحث في مجال المياه والبيئة الشيخ ولد القطب أن وقوع العاصمة الموريتانية نواكشوط في منطقة آفطوط الساحلي المعروفة بشدة الملوحة وندرة المياه سبب رئيسي لأزمة العطش التي تعاني منها بين الحين والآخر، كما أن انعدام أي استراتيجيات مدروسة للحد من نقص المياه فاقم الوضع وجعل السكان يعبرون عن خيبة أملهم من حدوث حل مستقلبي.

يقول ولد القطب لـ"العربي الجديد"، إن كافة المشاريع التي تم القيام بها من أجل وضع حد لأزمة العطش في العاصمة لم توفق بدءاً بتشييد حقل "إديني" وتهيئة الخزانات الكبيرة لتخزين مياه الأمطار، وانتهاء بتحلية مياه البحر، كل ذلك لم يجدِ نفعاً إذ ما زال العطش أبرز الاشكاليات التي تعاني منها الحكومات المتعاقبة في موريتانيا.

وأكد ولد القطب أن أزمة المياه في موريتانيا دفعت بعض الخبراء إلى توجيه طلب إلى الحكومة، في وقت سابق، من أجل تزويد خزانات المياه المخصصة للعربات بأجهزة ضخ سريعة لملء البراميل بهدف تخفيف معاناة سكان الأحياء الشعبية الذين يمثلون أغلبية سكان العاصمة، لكن ذلك الطلب ظل حبراً على ورق، حتى الآن، إذ لم تستجب له أي من الحكومات التي تعاقبت على البلاد وعجزت جميعها عن إيجاد حل لأزمة العطش.

خيارات محدودة

يعتبر الباحث البيئي، محمد المختار ولد جدو، أن أزمة المياه في العاصمة نواكشوط مستفحلة وأن حلها يكمن في إيجاد طريقة لتوزيع المتوافر منها بطريقة مدروسة على كافة الأحياء وخاصة الأحياء العشوائية، التي لا يشترك سكانها في الشركة الوطنية للمياه، ولا توجد فيها أنابيب مياه أصلاً.

وأضاف ولد جدو في حديث لـ "العربي الجديد"، أن من بين الخيارات المحدودة التي قد تساعد ولو جزئياً في تخفيف معاناة الأحياء الشعبية المتضررة من العطش هو زيادة حجم ضخ بعض الأنابيب وبناء خزانات على مرتفعات عالية ومنح الأولوية في الحصول على الماء للمناطق الأكثر تضرراً من العاصمة نواكشوط.

وخلص ولد جدو إلى القول، إن الحكومات الموريتانية المتعاقبة لم تعمل على وضع استراتيجية واضحة لإنهاء أزمة العطش على الرغم من المشاريع الكبيرة والهامة التي تم تشييدها، لكنها لم تقضي على هذه الأزمة الخانقة التي تحتاج إلى المزيد من التفكير والعمل الدؤوب وجلب الخبراء من أجل التغلب عليها.

تبديد المخاوف

على الرغم من حديث السكان عن تفاقم أزمة العطش في العاصمة نواكشوط وما نتج عنها من معاناة بادية للعيان، إلا أن الشركة الوطنية للمياه تؤكد أنها تعمل من أجل التغلب على النقص الحاصل وتوفير المياه لكافة المواطنين سواء كانوا مشتركين لديها أم يعتمدون على ما توفره العربات من مياه الخزانات المنتشرة في أغلب مناطق العاصمة.

مصدر داخل شركة المياه ينفي وجود أزمة مياه قائلاً لـ"العربي الجديد": "تم توزيع المياه على كافة الأحياء الشعبية في العاصمة عبر الخزانات والأنابيب، ومياه مشروع آفطوط الساحلي التي وصلت العاصمة ستقضي بشكل نهائي على أي أزمة عطش مستقبلية".

وأكد المصدر، أن مشروع آفطوط الساحلي ينطلق من مياه نهر السنغال، ويبلغ طول أنابيبه حوالي 300 كلم. مشيراً إلى أن سكان العاصمة لا يعانون من نقص في مياه الشرب وأن الأزمة تكمن أساساً في عدم استيعاب الخزانات وقلة المشتركين لدى الشركة، واعتماد سكان الأحياء العشوائية على العربات في جلب المياه.

%75 من شكان نواكشوط يعتمدون على عربات المياه

تشير تقديرات موريتانية محلية إلى أن أكثر 75% من منازل العاصمة نواكشوط يتحصلون على المياه عبر عربات بياع المياه، التي توفر المياه عبر حنفيات عمومية معرضة للانقطاع بشكل دائم، فضلاً عن كونها بعيدة كل البعد عن المعايير الصحية. وتؤكد الإحصائيات أن عدد مشتركي الشركة الوطنية للمياه في العاصمة نواكشوط لا تتجاوز حوالي 25 ألف مشترك من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم مليون نسمة.

كانت دراسة بريطانية قد كشفت أن موريتانيا، هي الأكثر هشاشة في مجال المياه في العالم، كما أكدت دراسة أخرى أن مصادر موريتانيا من الماء هي الأقل استقراراً في العالم، حيث جاءت ضمن الدول الأقل استقراراً إلى جانب السودان والصومال، واعتبرت الدراسة أن 30% فقط من سكان موريتانيا يحصلون على المياه الصالحة للشرب.

كما أكدت دراسات وبحوث أخرى أن المنطقة العربية تعتبر من أكثر مناطق العالم ندرة في مياه الشرب، إلى جانب بعض المناطق في القارة الأفريقية معتبرة أن ندرة المياه في المنطقة العربية باتت تشكل تحديات جديدة في ظل التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية.