ملف الرئيس السابق يضع موريتانيا أمام وضع مربك

21 أغسطس, 2020 - 20:13

مع أن أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من السياسيين محدودون لا يتجاوز من ظهر منهم للعلن حتى الآن، ثمانية وزراء سابقين، ومجموعة محامين، ومع أنه موجود قيد الاعتقال والتحقيق في ملفات معقدة بعضها مالي وبعضها أمني، فإن ثراء الرجل الفاحش وثراء أٌفراد أسرته، وتأثير المال السياسي في ظروف أخرى، كل هذا يجعل المرحلة التي يمر بها هذا الملف السياسي والقضائي، مرحلة حساسة بالغة التعقيد يضعان البلد أمام وضع مربك.

إرهاصات وتشكل

ومما يلاحظه المراقبون، بدايات ضعيفة لتشكل معارضة حول الرئيس السابق من الطامعين في ماله، قد لا يكون لها تأثير كبير في المدى المنظور لكنها قابلة للتطور، مع أن الرئيس السابق يواجه الجميع حاليا سواء في ذلك من كانوا يوالونه وتبرأوا منه ومن كانوا يعارضونه، كما أنه يواجه نظام خلفه صديق الأمس الرئيس محمد الشيخ الغزواني.

ويضاف إلى ذلك أن البرلمان أي ممثلي الشعب، هو من أحال ملف تسيير الرئيس للقضاء، وأن الرئيس السابق يواجه اتهامات خطيرة ذات طابع أمني حسبما أكدته مصادر مقربة من هذا الشأن.

نشاط الأنصار

ورغم قلة مناصري الرئيس السابق، فالملاحظ أنهم يتحركون بنشاط على المستوى الإعلامي والقانوني، وعلى مستوى شبكات التواصل، حيث يسعى فريق الدفاع لعقد مؤتمر صحافي، بينما استجلب الرئيس السابق محاميين فرنسيين من مكتب “باجو” الفرنسي، سينضمان لفريق الدفاع الذي يضم كلا من مكتب الأستاذ تقي الله عيده وهو محام كندي من أصل موريتاني، ومكتب الأستاذ محمدن إشدو.

كما ينشط الوزيران السابقان المناصران لولد عبد العزيز إزيد بيه ومحمد جبريل على القنوات المحلية وعلى شبكة التواصل لإظهار أن الرئيس السابق يتعرض لتصفية حسابات شخصية بتهم ملفقة، وأن التحقيق معه يجري خارج القانون وهو ما يحاول فريق الرئيس السابق أن يستعطف به الهيئات الحقوقية الدولية.

نائب يعارض

وضمن المواقف المؤيدة للرئيس الأسبق، تصريح أدلى بها أمس النائب بيجل ولد هميد وهو شخصية سياسية واجتماعية سبق له أن اصطف مع الرئيس السابق خلال معركة المرجعية الخاصة بالحزب الحاكم التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بين الرئيس السابق وخلفه الرئيس الغزواني. فقد أكد النائب بيجل في تصريح لـ “أقلام”، أنه “لا ينبغي توقيف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لتعميق العمل الذي قامت به السلطة البرلمانية، بل يجب أن يتم إرساله مباشرة إلى القضاة (السلطة القضائية) للاستماع اليه ومحاكمته”.

وأضاف ولد هميد، فى أول تعليق له على اعتقال ولد عبد العزيز، “أنه ووفقًا للدستور والقوانين المعمول بها في بلدنا ، لا يمكن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء إلا أمام محكمة العدل السامية وبتهمة الخيانة العظمى، علاوة على ذلك، يمكن محاكمة المسؤولين الأقل رتبة من طرف محكمة الحسابات على أخطاء الإدارة، كل هذا وفقا للقانون 89.012 المنشئ والمنظم للمحاسبة العامة في موريتانيا”.

ويتحدث بعض متابعي هذا الملف عن أموال موزعة على جيش من المدونين لمؤازرة الرئيس السابق، وعن مبالغ قدمت لجهات إعلامية دولية مؤثرة مقابل صمتها عما لا يخدم الرئيس السابق.

انشغال أحزاب

وانشغلت تنسيقية الأحزاب الممثلة في البرلمان بالرد على تصريحات فريق الرئيس السابق، حيث استنكرت، في بيان، ما سمته “المحاولات اليائسة لتصوير هذا المسار الإصلاحي على أنه استهداف لجهة معينة”.

وتضم التنسيقية أحزاب اتحاد القوى الشعبية، واتحاد قوى التقدم، والاتحاد من أجل الجمهورية، والاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، والتحالف الشعبي التقدمي، والتحالف الوطني للديمقراطية، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب الإصلاح، وحزب الحراك الشبابي، وحزب الحوار، وحزب الصواب، حزب الكرامة، حزب طلائع قوى التغيير الديمقراطي.

وأكد البيان “أن موريتانيا تشهد حاليا وضعية سياسية حساسة، يُواكبها ترقب شعبي كبير، على إثر إحالة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى السلطة القضائية، وشروع هذه الأخيرة في التحقيق في الملفات التي شملها التحقيق”. “وانسجاما مع ما أعلنتهُ في بيانها الأخير، حيث طالبت ببلورة عقد جمهوري، قوامه العدل والمساواة والديمقراطية، ودعت إلى إرساء جبهة داخلية تُهيئُ الظروف المُلائمة للقيام بالإصلاحات الضرورية في هذا الصدد، فإن منسقية الأحزاب المُمثلة في البرلمان، تُهنئُ الشعب الموريتاني على ما تحقق حتى الآن من إرادة سياسية جادة لمحاربة الفساد، وتدعوه إلى هبّة وطنية للدفاع عن مُكتسبات التحقيق البرلماني”.

وأهابت التنسيقية “بالجميع لاحترام استقلالية القضاء والذّود عن حرمته، مع الابتعاد عن محاولات التشويش عليه، حتى يتمكن من الاضطلاع بدوره، بكل مهنية وشفافية، تحقيقا للعدل، ولكي يلقى المتورطون في عمليات الفساد عقابهم، ويتم استرجاع ما نُهب من ممتلكات الشعب الموريتاني”.

ويواجه الرئيس السابق تهما بالفساد بناء على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي حقّقت في عشر صفقات تمت في عهده ووجدت أن 8 منها تتخللها مخالفات ترقى إلى مستوى جرائم الفساد حسب القانون الموريتاني، هذا علاوة على اتهامه في التفريط في الأراضي الوطنية بسبب تقديمه عرضا بمنح جزيرة موريتاني لأحد القادة العرب.

واختار البرلمان تهمة التفريط في الأرض لتكيف ضمن الخيانة العظمى الداخلة ضمن اختصاص محكمة العدل السامية التي صودق على قانونها نهاية الشهر الماضي والتي ينتظر أن تشكل خلال الدورة المقبلة.

سيناريوهات الحسم

وبخصوص السيناريوهات التي ستحسم عبرها قضية الرئيس السابق، يرى مركز الصحراء للإعلام والاستشارات، أنها 3 أبرزها السيناريو القضائي القائم على استمرار المسطرة القضائية الاعتيادية وهو ما يعني احتمال دخوله السجن ولمدة طويلة وقد تختار له السلطات سجنا نائيا حفاظا على الهدوء والسكينة العامّة وهو ما حصل مع العديد من رؤساء موريتانيا في السابق الذين كانوا في حالة اعتقال بعد الانقلاب العسكري.

وتدعم هذا السيناريو بعض المؤشرات من بينها الضغط الشعبي والسياسي بضرورة إطلاق يد القضاء وعدم تدخل السلطة التنفيذية في القضية وهو ما تم خلال التحقيق البرلماني، كما أن الرئيس الغزواني أكد في تصريح شهير أن لا “تسامح مع الفساد ولا مع المفسدين”.

أما السيناريو الثاني، فهو سيناريو التسوية من خلال التوصل إلى حل وسط يجنّب الرئيس السابق الزجّ به في السّجن مقابل إعادة الأموال أو بعضها والخروج من الحياة السياسية نهائيا، وهو سيناريو قد يكون محبّذا لدى بعض الأطراف الخارجية لتكون وسيطا بين الرجل والنظام، غير أن المركز يرى أن المؤشرات الحالية لا تدلّ على الاتجاه إليه إلا إذا تم عن طريق حرص النظام الحالي على التهدئة لكن لن يكون إلا بعد انتهاء مراحل التقاضي أو بعضها.

ويقوم السيناريو الثالث على أن تأخذ الإجراءات القضائية مجراها الطبيعي، تحقيقا وحكما، ويرى كثيرون أن مؤشرات هذا السناريو قائمة، وستكون له انعكاسات بينها نهاية سياسية محققة للرئيس السابق، بفعل الإدانة القضائية، وكسر هيبة الرجل القوي.

ومهما يكن فإن دخول الرئيس السابق إدارة الأمن الوطني، الإثنين الماضي، يشكل مرحلة جديدة في تاريخ موريتانيا، بصرف عن الاحتمالات المتوقعة التي قد يتحه إليها هذا الملف المثير.