قبل نحو 7 سنوات، وقفت قيادات بارزة في جماعة الإخوان، يتقدمهم مرشدهم الأكاديمي المحبوس حاليا محمد بديع، على منصة اعتصام ميدان "رابعة العدوية" شرقي القاهرة، رافضين الإطاحة بمحمد مرسي، المنتمي للجماعة، من الرئاسة، ومحملين بآمال جمة بعودته إلى الحكم.
ومع حلول الذكرى السابعة لفض اعتصامي ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، في 14 أغسطس/ آب 2013، فقدت الجماعة مرسي نهائيا بوفاته أثناء محاكمته قبل عام، وأنزلت راية شرعيته، التي تمسكت بها فأفقدتها فرصا براغماتية عديدة لإنقاذ التنظيم، فيما لا يزال بديع محبوسا، كأغلب قادة وكوادر الجماعة، مع استمرار تصنيفها "جماعة محظورة" في مصر.
وفقا لذلك، تحسم لغة المقارنة المشهد سريعا بأن الإخوان تواصل "الخسائر"، خلال "سبع سنوات عجاف" تواجهها منذ الفض، بعد أن كانت قبل عام منه تمتلك مرشحا رئاسيا منتخبا فاز بكرسي الحكم، ووزراء ومحافظين، وتواجدا علنيا في مقار وهيئات محلية ودولية.
لكن الجماعة، بحسب ما تنشره في منصاتها الإعلامية، لها نظرة مختلفة قليلا، إذ تحول تلك الخسائر إلى مكاسب بالقول مرات عديدة إنها بقيت رغم كل ما عانته من "قمع" طيلة حقب عديدة سابقة، وستبقى رغم ما تواجهه حاليا في "السبع العجاف".
بل إن نائب مرشد الجماعة، إبراهيم منير، ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله قبل عام: "بفضل الله بقيت الجماعة متماسكة (..) والآن اقترب القرن الأول من عمرها أن ينقضي (تأسست في 1928) ولم تُضيع أو تُبدل".
** تاريخ متكرر ملئ بالأزمات
"إنكار الأفول" و"إدعاء التماسك"، الذي تنتهجه الجماعة طيلة "السنوات السبع"، ربما يعود، وفق مراقبين، إلى ما عاشته في مصر منذ نشأتها.
إذ كانت الجماعة في صراع شبه دائم مع السلطة واتهامات لا تتوقف بممارسة العنف مقابل نفي متكرر.
ولعل من أشد محطاتها هي أحكام بالإعدام والسجن في عهد الرئيس المصري (الراحل)، جمال عبد الناصر (1956: 1970)، حيث مرت الجماعة وقتها بمحنة كبيرة وغادرت قيادات إلى خارج مصر.
واستطاع نظام الرئيس المصري (الراحل)، أنور السادات (1970: 1981)، استيعاب الجماعة، وأعادها إلى الحياة العامة عبر قرارات بالعفو والدمج ظهرت في 1971.
وعاشت جماعة الإخوان تحت سقف منخفض في عهد الرئيس (الراحل)، حسني مبارك، (1981- 2011)، وسط محاكمات على خلفية اتهامات متكررة بمحاولة قلب نظام الحكم تنفيها الجماعة.
بقوة، ظهرت الجماعة عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بمبارك، ثم عادت إلى الخفوت بعد الإطاحة بمرسي من الرئاسة في 2013، لتمر بمحنة كبيرة جديدة وتهاجر قيادات وكوادر وعناصر منها إلى الخارج.
** استراتيجية المحنة والبقاء
يوحي ما تقدم بأن الجماعة مرت بمحطات تاريخية متكررة، لكن يبدو وفق معطيات أزمتها الراهنة أن الأمر مختلف عما سبق من أزمات.
فبعد فض قوات الأمن لاعتصام "رابعة"، لم يستطع كل المحسوبين على الجماعة في السلطة أو في التنظيم حسم تفاهمات لتجاوز أزمة الإطاحة بمرسي، وبقيت عصا "الشرعية" تلوح بها الجماعة وأنصارها.
هذا التشدد في رفع راية "الشرعية والمظلومية" جاء بالتوازي مع مواجهة ضربات أمنية قاصمة طالت عنق التنظيم الهرمي وأجنحته وأغلب قواعده، مع نعتهم بالإرهاب ومصادرة أموال أغلب القيادات.
وحاولت الجماعة، التي كانت قد أُجبرت للتو على مغادرة السلطة، العودة إلى ماضيها، وفي بعضه محن كبيرة، في محاولة لتثبت أركان فكرتها وحمايتها، إيمانا بنجاحها في محطات متشابهة.
وبالفعل أكدت الجماعة أنها نجحت في البقاء، وذلك ربما بفضل تمسكها ببعدها الديني، الذي عادة ما يرتبط بروابط صارمة، خلافا لأبعاد سياسية واقتصادية جافة قد تتفكك لسنوات حال أي مواجهة.
في هذا الإطار، يمكن تفسير هذا التأقلم مع الأوضاع، الذي تعلنه الجماعة في ثلاثة محور رئيسية، أولها التمسك ببقاء التنظيم مهما كان الثمن، إذ تعتبره المُجمع وقت الأزمات، بحسب تاريخها السابق.
وبالتالي رفضت الجماعة أي دعوات لحل التنظيم، بل جمدت عضوية قيادات هاجمت أداءها وأنشأت كيانا موازيا في 2016.
وسعت الجماعة بكل ما أوتيت من قوة إلى الإبقاء على التنظيم رغم الانتقادات، اعتمادا على روابط دينية واجتماعية وطموحات حركية تأمل في الانتقام أو التغيير أو الحفاظ على تنظيمها من الزوال.
المحور الثاني لتمكن الجماعة من التأقلم مع الأوضاع الكارثية في تاريخها، هو الاعتماد على وسائل التكنولوجيا ومنصات التواصل والفضائيات المؤيدة لها أو المعارضة للنظام، وبالتالي أبقت على صوتها موجودا، حتى وإن وصفت بأنها صارت "ظاهرة صوتية" بلا أثر جماهيري أو تعيش أضعف حالاتها.
أما المحور الثالث، فيرتكز على التمسك بكونها جماعة دينية شاملة تلقن أفرادها أن النصر يأتي بعد الهزيمة والمحن، وتستدعي من السير والمواقف التاريخية ما يرفع الروح المعنوية لدى الأنصار. ولاشك أن البعد الديني عادة ما يكون عامل تماسك وبقاء.
** "سبع عجاف"
إبراهيم منير، نائب مرشد الجماعة، قال في مقال نشرته منابرها مؤخرا، إن مصر منذ فض "رابعة" مرت بـ"سبع عجاف"، مستعرضا أزمات متعلقة بالفقر والحقوق المائية والظلم.
لكن غير بعيد عن ذلك، وفقا لمراقبين، عاشت الجماعة ذاتها تلك "السبع العجاف" داخل تنظيمها أيضا.
فلم تستطع الجماعة أن تحسم ملفا واحدا ضمن أزماتها مع النظام، وأبقت كل معاركها "صفرية"، مرددة أن النظام هو الذي يرفض الجماعة تماما ولم ولن يمد يمدا للحل، رغم أنها كانت تؤمن بالسقف المنخفض في التعامل مع الأنظمة، لاسيما في عهد مبارك.
وتضررت الجماعة حسابيا من ورقة "الشرعية"، رغم إيمانها بأنها احترام لإرادة الشعب، إذ توفى مرسي، الذي كانت تقول إنه مُنح شرعية شعبية، من دون أن تتكل جهود الجماعة بإطلاق سراحه أو عودته إلى الحكم أو وقف نزيف المحاكمات والملاحقات التي تواجهها.
وبالتزامن لم تستطع الحصول على حقوق من قُتلوا في "رابعة" و"النهضة"، وهم بالمئات وفق تقديرات رسمية وأكثر من ألفين بحسب المعارضة، ولأسباب كثيرة لم تفلح جهود عديدة تبنتها الجماعة في إنجاز تقدم بهذا الملف رغم إمكانية التحرك فيه خارج مصر.
ولا تزال أزمة المعارضة من الخارج، وفق مراقبين، عبئا على أفكار الجماعة، التي كانت تؤمن برفض التدخل في الشؤون الداخلية، وبالتالي عاشت الجماعة تناقضات جذرية مع أفكارها، مقابل مبررها الدائم بأنها تتواجد خارجيا خشية "اضطهاد كبير وقمع" في الداخل. وهو ما تنفيه السلطات المصرية.
ورغم دعوات عديدة وجهتها إلى المعارضين للنظام داخل وخارج مصر، لم تستطع الجماعة كسر أو حلحلة خلافاتها الجذرية مع القوى العلمانية، كي تتوحد المعارضة في كيان رافض للنظام، يستطيع تغيير "المعادلة الصفرية".
ولا تزال الجماعة تعاني من خلافات داخلية لم تستطع حسمها مع قيادات وكوادر في الداخل والخارج، ولم تتمكن أضا من إجراء مراجعات سياسية وفقهية في تهجها طالب بها بعض ناشطيها ورموزها، رغم دعوتها قبل عام "أبناء الصف" إلى العودة إليها وإصدراها اعترافا جديدا بأنها "أصابت وأخطأت، لكنها لم تملْ للعنف".
كما واجهت الجماعة أزمات مالية طاحنة أثرت على أنصارها في الخارج والداخل، مقابل انتقادات لما يتردد عن إنفاق باهظ في ملفات أخرى واجتماعات، وهو ما شكل، ضمن أمور أخرى، صورة ذهنية سلبية نوعا ما، في ظل شكاوى من الداخل بعدم القدرة على الوفاء بالتزامات "الموقوفين سياسيا"، وهم بالآلاف كما تقدرهم الجماعة.
قد يستطيع المتتبع لوضع الجماعة رصد ظواهر عديدة لـ"السنوات السبع العجاف" التي عاشتها منذ فض "رابعة"، غير أن "إنكار الأفول وإدعاء التماسك" لا يمثل في عرف المجددين حلا يمكنه إخراجها من نفق هو الأشد ظلاما منذ نشأتها.
أما أسلوب الجماعة المستقبلي فحدده منير بقوله قبل أشهر إنها "ستبقى متمسكة برفضها للنظام الحالي حتى تغييره أو رحيله، وستظل الإخوان فكرة، والفكرة لا تموت، ولا تنتهي وقادرة على العودة والتغيير".
وهذا يعني أن الجماعة بصدد انتظار ما يرسله القدر وصعوبات بالغة، في ظل جمود التحرك المعارض، ورفض دول في المنطقة القبول بعودة مكون حركي، مثل الإخوان، وبالتالي لا حل أمام الجماعة إلا "تغيير دراماتيكي" تشهده المنطقة، وهذا مستبعد حاليا، بحسب البعض.
أما في نظر أكثر المتفائلين، فربما يتغير أسلوب وفكر الجماعة، لأسباب عديدة، ربما تتعلق بطول أمد ثبات المشهد وعدم تحقيق نجاحات، أو ظهور قراءة جديدة من القيادات أو ضغوط من داخل الجماعة، أو تغييرات إقليمية، أو تجاوب من فصائل المعارضة الأخرى مع الجماعة، وهنا قد يعود الإخوان إلى المشهد، كما فعلتها الجماعة في أكثر من محطة تاريخية.
" الأناضول"