تعدّ الوساطة مفتاحاً للتوظيف في موريتانيا. وغالباً ما يعتمد الخرّيجون الجدد على وساطات الأقارب للحصول على فرص عمل، أو يلجؤون إلى النافذين ورؤساء القبائل. وقلّ فتح باب الترشيحات لاختيار موظّفين للقطاع العام، في وقت يشكو فيه حملة الشهادات من البطالة، ويتظاهرون بشكل دوري أمام المؤسسات العامة والقصر الرئاسي، علّهم يحصلون على وظائف.
عبيد ولد حمدن، تخرّج من قسم الفلسفة في جامعة نواكشوط في عام 2010. بعد خمس سنوات، توسّط له أحد أقاربه للعمل في إحدى الوزارات. يقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "الوساطة ليست جريمة بالضرورة"، لافتاً إلى أنّه لا يسمّيها وساطة، بل استفادة من المعارف والأقارب في المراكز للحصول على وظيفة هي من حقّه وآخرين من حملة الشهادات. برأيه، تكمن المشكلة في الوساطة السلبيّة التي تعطي وظيفة لمن لا يستحقّ، مثل توظيف غير المتعلّمين أو الأقلّ كفاءة.
ويرى ولد حمدن أنّ الوساطة موجودة في موريتانيا منذ وقت طويل، لكنّها تراجعت بعد انحسار نفوذ رؤساء القبائل والإداريّين، في الآونة الأخيرة. وكانت الأنظمة السابقة في موريتانيا تسند بعض الوظائف إلى كبار الشخصيات القبليّة، بهدف ضمان ولائهم السياسي. وإن تراجع هذا خلال السنوات الماضية، تبقى الوساطة أمراً أساسيّاً للحصول على عمل في موريتانيا.
الآلاف من حملة الشهادات، الذين لم يسعفهم الحظّ في تأمين وساطة، باتوا ضحايا، على غرار خداجة بنت بركه، وهي متعاونة مع مؤسّسة رسميّة منذ نحو خمس سنوات، من دون أن توظَف رسميّاً. تشير إلى أنّ زميلتها التي بدأت العمل معها في اليوم نفسه، توظّفت رسميّاً بعد أشهر من بدء العمل نتيجة وساطة مدير المؤسّسة. في هذا السياق، تقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الوساطة هي كلّ شيء. من يعرف مديراً أو مسؤولاً كبيراً في الوزارة أو الإدارة، سيحصل على وظيفة. ومن لا يعرف أحداً، لن يوظّف. وكونها متعاونة، تخشى طردها في أيّة لحظة، على عكس المرسّمين".
إلى ذلك، يوضح الباحث باب ولد عيسى، لـ "العربي الجديد"، أنّ الوساطة في موريتانيا تساعد في الحصول على وظائف، لافتاً إلى أنّ المجتمع التقليدي يساهم في تكريس الوساطة المبنيّة على المعرفة الشخصية وصلة القربى، في وقت يلجأ فيه البعض إلى الرشوة. ويرى أنّ البطالة بين الشباب أصبحت تشكل خطراً على المجتمع، في ظلّ ارتفاع نسبها بشكل كبير، خصوصاً بين حملة الشهادات. ويرى أنّ الوساطات القبلية تحرم الأشخاص الكفوئين من الحصول على وظائف، لصالح آخرين لا يتمتعون بالكفاءة نفسها، لافتاً إلى أنّ معيار الكفاءة بات أقلّ أهميّة.
ويشير ولد عيسى إلى أنّ "التقارير الدوليّة تعتبر موريتانيا إحدى أكثر الدول التي ترتفع فيها نسب البطالة. وتتجاوز النسبة بين الشباب من حاملي الشهادات الثلاثين في المائة"، عازياً الأمر إلى أسباب عدّة، من بينها غياب استراتيجيّة للدولة في التوظيف. بالتالي، عادة ما لا يكون الحصول على وظيفة في الدولة واضحاً أو شفافاً. كذلك، فإن غالبية الإدارات والوزارات لا تفتح باب الترشيح بوسائل قانونيّة، بل تفعل ذلك بشكل سري، استناداً إلى معايير غير نزيهة.
ويرى الباحث ولد عيسى أنّ "عدم تنظيم القطاع الخاص ساهم أيضاً في ارتفاع نسب البطالة. على سبيل المثال، فإنّ الطفرة التي شهدها القطاع المصرفي، في الآونة الأخيرة، لم تنعكس إيجاباً على حملة الشهادات في البلاد". والدليل، كما يقول، هو "دخولنا مرحلة حرجة بسبب تفشّي البطالة، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الاحتجاجات بين حملة الشهادات". وباتت هناك مجموعات شبابية عدة، من بينها "كواس حامل شهادة"، و"أنا علمي"، و"رابطة حملة الشاهدات العاطلين عن العمل". كذلك، فإنّ "المشاركة الكبيرة التي شهدتها مسابقات التوظيف الأخيرة، تعكس أزمة البطالة، التي باتت خطيرة جداً".
ويقترح ولد عيسى توظيف حملة الشهادات، من خلال فتح باب الترشيحات، الأمر الذي يساهم في الحد من الوساطة والمحسوبية، على أن تضع الدولة خطّة واضحة للتوظيف تساهم في الحدّ من الوسائل التقليدية التي ما زالت تعتمدها بعض المؤسّسات، بالإضافة إلى تنظيم القطاع الخاص بشكل يكفل للعاملين حقوقهم، ودعم وتمويل المشاريع الصغيرة التي تساعد الشباب في الخروج من واقعهم.
نقلا عن العربي الجديد " بتصرف"