تلوح نذر أزمة جديدة في الأفق بين المغرب وموريتانيا، بعدما أعلن برلمان الجارة الجنوبية، الأربعاء الماضي، تأسيس لجنة للصداقة مع جبهة البوليساريو، بتمثيل عدد من الأحزاب الموريتانية، من بينها "التجمع الوطني للإصلاح" (تواصل) الإسلامي.
وعاد الإعلان عن تأسيس لجنة الصداقة مع الجبهة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، والتي تضم تمثيلاً عن "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، وأحزاب "تواصل"، و"اتحاد قوى التقدم"، و"الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم"، ليلقي بظلاله على العلاقات بين الرباط ونواكشوط، التي شهدت طيلة العقد الماضي، وحتى مع وصول الرئيس الموريتاني الجديد محمد الشيخ ولد الغزواني للسلطة، حالة من الفتور والتوتر جراء ارتباطات البوليساريو بالنظام والقوى السياسية هناك.
وتعيد واقعة تشكيل لجنة الصداقة، التي تضم ستة نواب، وجمعية عامة، انتسب إليها حتى الآن 22 برلمانياً، بهدف دعم وتعزيز العلاقة الموريتانية مع البوليساريو، إلى الأذهان الغضب المغربي الذي أثاره استقبال رئيس "تواصل" محمد محمود ولد سيدي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لمحمد سالم ولد السالك الذي تقدّمه الجبهة على أنه "وزير للخارجية"، وهو الاستقبال، الذي كان وصفه حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، بـ"الخاطئ"، داعياً "إخوانه" في قيادة "تواصل" إلى "تصحيح ما ينبغي تصحيحه".
ومهما كانت دوافع الأحزاب الموريتانية، فإن العلاقات بين البلدين الجارين تكشف، منذ وصول ولد الغزواني إلى الرئاسة، عن استمرار التوتر. ففي الوقت الذي كان فيه عدد من المراقبين يراهنون على أن يحمل وصوله إلى سدة الحكم فرصة لإعادة إطلاق علاقات مغربية موريتانية أكثر متانة، ولا سيما بعد القطيعة التي طبعت العلاقات السياسية بين البلدين في ظل فترة حكم محمد ولد عبد العزيز، فإن العكس هو ما تحقق.
المغرب وموريتانيا: تاريخ من "سوء التفاهُم" المتبادَل
ولم تكد العلاقات بين الرباط ونواكشوط تخرج من أزمتها الصامتة، بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، للعاصمة الموريتانية في 18 فبراير/شباط الماضي، حتى عادت إلى مربع التوتر مجدداً، إثر التصريحات التي أطلقها ولد الغزواني بشأن قضية الصحراء في 6 مارس/آذار الماضي. ففي الوقت الذي عبّر فيه بوريطة خلال زيارته موريتانيا عن رغبته في "علاقات استثنائية" مع الجارة الجنوبية، شدّد ولد الغزواني على أن السياسة الموريتانية تجاه قضية الصحراء لم تتغير، معتبراً، في أول مؤتمر صحافي له منذ انتخابه رئيساً في يونيو/حزيران 2019، أن "موقف موريتانيا من قضية الصحراء لم ولن يتغير، وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد". وأضاف "موقفنا ما زال هو نفسه، أي الحياد الذي تبنته موريتانيا، لكنه حياد إيجابي، بحكم العلاقة بمختلف الأطراف، وحساسية الملف، وأهمية الحل بالنسبة إلى الدولة الموريتانية". مع العلم أن العلاقات المغربية ـ الموريتانية، شهدت طوال العقد الماضي حالة فتور، بسبب تباين المواقف حول قضية الصحراء وارتباطات جبهة البوليساريو.
موريتانيا لا تريد أن تكون على الهامش في صياغة السياسات المستقبلية في المنطقة، ولا سيما في نزاع الصحراء
وقبل زيارة وزير الخارجية المغربي لنواكشوط، كان هناك حديث عن أزمة صامتة بين البلدين، على خلفية التصريحات التي كان أدلى بها بوريطة قبل ذلك بأيام في العاصمة الرباط، بحضور وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليز لايا، والتي أكد من خلالها أن علاقات الجوار التي تجمع بلاده مع إسبانيا أفضل من الجزائر وموريتانيا. وما زاد من الشكوك حول سوء العلاقات بين البلدين، إقدام موريتانيا على منع وزير ثقافتها سيدي محمد ولد الغابر، من السفر إلى المغرب للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، في فبراير/شباط الماضي، رغم أن موريتانيا كانت ضيفة الشرف، قبل أن تنفي الحكومة الموريتانية وجود أي توتر بين البلدين، عقب خطوة المنع.
وعاد الرئيس الموريتاني لمعاكسة انتظارات الرباط لتجاوز سوء الفهم في العلاقات بين البلدين، بعد أن وجه رسالة تهنئة إلى زعيم البوليساريو بمناسبة حلول عيد الفطر، وهي الرسالة التي عمدت الجبهة للترويج لها بشكل واسع، بعد أن وصف فيها ولد الغزواني إبراهيم غالي بـ"رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". فيما قرأت فيها الرباط "انحيازاً موريتانياً خطيراً للبوليساريو والجزائر، وتراجعاً عما صرح به وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد في بداية حكم ولد الغزواني، حين قال، في ندوة صحافية في 7 نوفمبر 2019 بنواكشوط، إن الوقت حان لإنهاء النزاع في الصحراء وإيجاد حل عادل ودائم ومقبول لدى جميع أطراف هذا الصراع، مشيراً إلى أن نزاع الصحراء هو سبب تجميد اتحاد المغرب العربي.
ومهما كانت دوافع حوادث معاكسة الجارة الجنوبية للمغرب، التي توالت في الأشهر الماضية، يبقى قرار تأسيس لجنة الصداقة في الجمعية الوطنية الموريتانية، وفق مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتحي غير منسجم مع حتمية التطور الكبير الحاصل في ملف الصحراء. ورأى أن "موريتانيا لا تريد أن تكون على الهامش في صياغة السياسات المستقبلية في المنطقة، ولا سيما في نزاع الصحراء. وهي بهذا تحاول البحث عن ورقة مساومة، خوفاً من تقارب براغماتي بين المغرب والجزائر في منطقة الساحل والصحراء وفي الملف الليبي"، لافتاً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن ولد الغزواني لم يتسن له إحداث دينامية كبيرة في السياسة الخارجية لموريتانيا، عدا تقارب غير مستدام مع الإمارات.
وبحسب الفاتحي فإن ولد الغزواني لم يُجب على طلب ترقية العلاقات مع المغرب، ولا سيما أن الرباط كانت تنتظر منه إشارات الانطلاق نحو ممارسات دبلوماسية جديدة، إلا أنه أبقى على السياسة الخارجية لسلفه ولد عبد العزيز، مشيراً إلى أن الرباط لم يكن أمامها غير مراقبة مواقف الجارة عن كثب. وأعرب مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عن اعتقاده أن "الرفع من منسوب التقارب بين موريتانيا وجبهة البوليساريو يسيء إلى العلاقات التاريخية مع المغرب، ويشوش على مبدأ الحياد الذي تعمل به موريتانيا أمام المجتمع الدولي في ملف الصحراء"، معتبراً أن تقارباً سياسياً كهذا سيعمق من الفجوة الدبلوماسية بين الرباط ونواكشوط، وإن "كانت هذه المناورات لن تحدث فارقاً في ملف الصحراء، بل ستعطل إيجاد تسوية سياسية للنزاع".
العربي الجديد