صوملك تصدير التيار للخارج والانقطاعات للداخل

6 يونيو, 2020 - 12:16

يعاني الموريتاني مولاي محمد، من صعوبة الحصول على قوت يومه البسيط، والذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال 20 دولارا أميركيا، نتيجة توقف آلة الخياطة في محله الموجود بسوق عرفات وسط نواكشوط، نتيجة الانقطاع المتكرر للكهرباء كما يقول لـ"العربي الجديد".

ويبدي محمد تخوفه من تفاقم تردي الخدمة، لكون "الشركة الموريتانية للكهرباء (سوملك) عاجزة عن إيقاف الانقطاعات اليومية المتكررة"، وهو ما يؤيده الخليل ولد خيري، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك (غير حكومية)، مضيفا  لـ"العربي الجديد" أن أصحاب المنازل والمؤسسات والمحال التجارية الصغيرة، تضرروا بأشكال متباينة من رداءة خدمة شركة الكهرباء الموريتانية.

المعاناة من الخدمة الرديئة، تتناقض مع تأكيد نشرة داخلية للشركة الموريتانية للكهرباء تعدد إنجازاتها من العام 2001 حتى العام 2018، على أن القدرة الإنتاجية المكونة من 60 وحدة بلغت 486 ميغاواط، ومكنها فائض الإنتاج من تصدير 163.29 ميغاواط في عام 2018، بينما صدرت 107.43 ميغاواط في 2017، وهو أمر يستغربه موريتانيون في ظل تكرار انقطاع التيار الكهربائي، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر حديثه مع 10 من أصحاب المخابز والصيدليات والمنازل، ومنهم المسَلَّم ولد الشريف، مدير مجمع البيت التجاري وسط نواكشوط، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء تستمر في بعض الأحيان ليوم كامل، خاصة في فصل الصيف، ما يتسبب في خسائر كبيرة.

مواجهة برلمانية
بلغ عدد مشتركي الشركة الموريتانية للكهرباء 282 ألف مشترك في 72 مدينة موريتانية منذ تأسيسها عام 2001، وحتى عام 2018، بحسب النشرة الداخلية للشركة، التي استعرضت المراحل التاريخية لعملها.
ومن أهم الوحدات الإنتاجية للشركة الحكومية، المحطة المزدوجة شمال نواكشوط بقدرة إنتاجية بلغت 180 ميغاواط بحسب المصدر ذاته، ورغم هذه القدرة الإنتاجية فإن ولد الشريف، يشتكي من تعرض بعض المواد الغذائية في مجمعه للتلف بسبب انقطاع الكهرباء، نظرا لتوقف أجهزة التبريد عن العمل كما يقول، ومثله الموريتاني محمد سالم عبيد، الذي تأثر مطعمه بانقطاع التيار الكهربائي، خاصة أن خزانات المياه وثلاجات المطعم تعتمد على بالكهرباء.
ودفعت الوضعية المتردية للكهرباء، النائب المستقل في الجمعية الوطنية محمد الأمين سيدي مولود، لتقديم استجواب لوزير البترول والطاقة والمعادن الموريتاني محمد ولد عبد الفتاح في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يطالبه بإجراءات استعجالية لتدارك هذه الوضعية، جاء فيه: "أنتم تدركون أهمية الكهرباء والطاقة للمواطن، وخاصة في المدن حيث يزداد ارتباط الناس بالكهرباء في أمور حياتهم اليومية وصحتهم وبضائعهم وتعلمهم وأمنهم، وقد لوحظ تقطع متكرر لخدمة الكهرباء خاصة في العاصمة نواكشوط، مما ترك خسائر مادية متعددة، ما أثار تساؤلات عن واقع الشركة الوطنية للكهرباء وسبب تراجع خدماتها؟ وحقيقة واقع الشركة؟
لكن المشكلة بنظر البرلماني سيدي مولود أن الجمعية الوطنية لم تحل السؤال إلى وزير النفط حتى الآن وفق المسطرة الإجرائية التي يتم بموجبها برمجة الاستجوابات، بحسب ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن رئاسة الجمعية الوطنية ومكتبها تملك السلطة الحاكمة أغلبية الأصوات فيه، ولذلك هم من يقررون برمجة الأسئلة وجدولتها وتوقيتها.
وإذا أحيل الاستجواب إلى الوزير يجب عليه بمقتضى النظام الداخلي للجمعية أن يمثل أمام النائب الذي استجوبه في ظرف لا يتجاوز 8 أيام وفق البرلماني سيدي مولود.

ما أسباب رداءة الخدمة؟
المسؤول الإعلامي في شركة سوملك، دحان الطالب عثمان رد على أسئلة "العربي الجديد" عن أسباب تردي خدمات الشركة بالقول: "المدير العام الجديد لسوملك وجه تعميما داخليا، يقضي بتعليمات صارمة لإصلاح الإدارة ومنع التحايل والتدخلات غير القانونية على مستوى المشتركين، إذ غالبا ما يعاني مشتركو الشركة الموريتانية للكهرباء من تدخلات ضارة من بعض الأشخاص الذين ينتحلون صفة وكلاء الشركة وقد يقومون باستخلاص مبالغ من المشتركين مقابل بعض الخدمات المزعومة تحت التهديد بقطع التيار الكهربائي"، مؤكدا أن تعميم الشركة الصادر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استشعر حاجة المستهلكين لتحسين الخدمات المقدمة لهم، وحمايتهم من المسلكيات غير اللائقة.
وبالعودة إلى تعميم شركة الكهرباء، نجد أنه ركز على تدخلات غير قانونية تضر بالمشتركين ممن سماهم بـ"منتحلي صفة وكلاء الشركة"، والعمل على مكافحة الاحتيال، لكنه تجاهل الانقطاعات المتكررة للكهرباء، باستثناء تأكيده على إنشاء مركز اتصال لاستقبال ومعالجة طلبات المشتركين الطارئة خارج أوقات المناوبة.
وتعود مشكلة الانقطاعات الكهربائية في موريتانيا، إلى رداءة الشبكة المسؤولة عن ربط الكهرباء وتوصيلها كما يقول  مهندس الكهرباء في سوملك، محمد ولد الخليل، لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن الشبكة غير صالحة للاستخدام في الأوقات الطويلة، كون خطوط الربط قديمة، ولم يتم تحديثها لتكون ملائمة لقوة الكهرباء التي تطورت وزادت في الفترات الأخيرة، محملا شركة الكهرباء مسؤولية ذلك.
ووفقا لتقرير "البنية التحتية لقطاع الطاقة الكهربائية وتبادل الطاقة في الدول العربية"، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) في عام 2016، فإن "منظومة نقل وتوزيع الكهرباء ينبغي أن تتسم بالكفاءة الفنية والتشغيل الاقتصادي من حيث تقليل الفاقد في الطاقة أثناء النقل، إلى جانب مركز تحكم عالي الأداء".
ملاحظات محكمة الحسابات
لمواجهة الوضع المتردي للكهرباء في المدن الموريتانية، اقترضت الشركة الموريتانية للكهرباء 40 مليار أوقية موريتانية (مليار و55 مليون دولار أميركي) من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (AFESD) و16 مليار أوقية (422.3 مليون دولار) من البنك الإسلامي للتنمية في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2013 لتمويل أنشطتها، ومنها المحطة التي تعمل بقدرة 180 ميغاواط، ومحطة بقدرة 36 ميغاواط بالمرفأ وتوسعة محطة مدينة نواذيبو شمال غربي موريتانيا وتوسعة الشبكات الكهربائية، وفق تقرير محكمة الحسابات (جهاز قضائي للتفتيش المالي والإداري يتبع رئاسة الجمهورية) الصادر في أكتوبر 2017.
وأورد التقرير 29 ملاحظة من بينها "عدم تسجيل بعض المعدات في أصول الشركة للسنتين الماليتين 2011 و2012، رغم استغلالها كما هو الحال في توسعة محطة نواذيبو ومحطة المرفأ ومحطة الطاقة الشمسية، إذ إن لهذه المحطات مساهمة كبيرة في الإنتاج، وبالمقابل لا يتم احتساب الأعباء المترتبة على ذلك (تقادم وإهلاك المنشآت)، وينتج عن هذه الوضعية تضخيم النتائج عبر سوء تقدير الأعباء. كما لاحظت المحكمة أن بعض العمليات لا تخلف أي أثر في محاسبة المؤسسة كما هو الحال في منشآت المدن الجديدة والمولدات الكهربائية الواردة من اسبانيا (تسديدات مباشرة بلغت 7 ملايين يورو (7ملايين و558 ألف دولار أميركي)".

مخالفات وخسائر مالية
أطلقت شركة الكهرباء الموريتانية في أكتوبر 2012 مناقصة دولية لبناء محطة لتوليد الطاقة في نواكشوط بعد تلقي موريتانيا التمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (AFESD) وبنك التنمية الإسلامي بحسب تقرير "الفساد في موريتانيا، نظام تبخير ضخم"، الصادر عن منظمة شيربا الفرنسية (تعنى بمحاربة الفساد والرشوة في العالم) في 2013.
ومُنح العقد لشركة فرنسية تابعة لمجموعة وارتسيلا الفنلندية، على الرغم من أن عرضها المالي كان الأعلى من بين جميع الشركات المختارة في نهاية التقييم الفني، بقيمة 153.8 مليون يورو مقابل 139 مليون يورو للصينية China National Machinery و125.8 M € لـ Spanish TSK، وهو التقييم الذي أثار العديد من الأسئلة أيضا بسبب عملية تأهيل الشركات للمنافسة على العقد، وخاصةً من الشركة الإسبانية OHL.28 وفق تقرير منظمة شيربا.
و"لم تقم الشركة الموريتانية للكهرباء بالجرد المادي لأصولها الثابتة في نهاية السنة في عامي 2011 و2012، وبالتالي فإن القيمة المسجلة في الموازنة لا تعكس بالضرورة القيمة الحقيقية لهذه الأصول، بالإضافة إلى ذلك لا تقوم الشركة بجرد المخزون"، وفق تقرير محكمة الحسابات الصادر في أكتوبر 2017.
ووصلت الخسائر المتراكمة لسوملك، للسنوات من 2010، حتى 2013 ما مجموعه 27 مليار أوقية (712.4 مليون دولار) رغم إعانات الاستغلال الممنوحة من طرف الدولة، والبالغة 21.7 مليار أوقية (572.2 مليون دولار) خلال الأعوام من 2011 حتى 2013، وفقا لتقرير محكمة الحسابات ذاته.
الوقائع السابقة جعلت البرلماني محمد الأمين سيدي مولود يصف ما يجري في شركة الكهرباء بالمخالفات الخطيرة، و"لكن وثائق الصفقات موجودة بيد السلطة التنفيذية ولن تفرج عنها لحماية المتورطين"، مضيفا أن ديون شركة سوملك وصلت من 17 مليار أوقية (448.7 مليون دولار) في عام 2009 إلى 195 مليار أوقية (5 مليارات و144 مليون دولار) في نهاية 2018.
وفي إبريل/نيسان 2013 أرسلت منظمة شيربا تقريرها إلى عدد من المانحين الدوليين في موريتانيا، لرفع الوعي بحالة الفساد التي سادت هناك. وقد عقدت مناقشات في بعض الأحيان مع المانحين المؤسسيين لمعالجة المشاكل الخطيرة المتمثلة في سوء الإدارة وفق ما أكد التقرير ذاته، مشيرا إلى أن المساعدات الدولية لموريتانيا تزيد فقط من مخاطر الفساد.
ويعلق المسؤول الإعلامي في شركة سوملك، دحان الطالب عثمان، على ما شهدته الشركة الموريتانية للكهرباء من شبهات فساد بالقول: "لا علم لي بقضايا فساد أو تلاعب في الصفقات".

لجنة تحقيق
طالب 24 نائبا برلمانيا، بينهم سيدي مولود، بتشكيل لجنة برلمانية، مكونة من 9 أعضاء تنشأ وفقا للمادة 123 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، لتقصي الحقائق في 7 مؤسسات حكومية، منها الشركة الموريتانية للكهرباء وفق وثيقة مذيلة بتوقيعات النواب.
وصادقت الجمعية الوطنية طبقا للمادة 11 من الأمر القانوني رقم 92-03 الصادر في 18 فبراير/شباط 1992، المتعلق بسير الجمعيتين البرلمانيتين وللمادتين 123 و124 من نظامها الداخلي، على التوصية رقم 01/2020 بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني الماضي المتضمنة إنشاء لجنة تحقيق برلمانية.
وفي 6 مارس/آذار 2020 أعلنت الجمعية الوطنية عن الرغبة في اكتتاب خبراء دوليين، لتقديم المشورة للجنة التحقيق البرلمانية التي ستتولى التحقيق في ظروف تنفيذ وطرق تسيير المواضيع الخاصة بـ 7 جهات حكومية بينها سوملك وفق ما وثقه معد التحقيق، عبر الإعلان المنشور في الموقع الرسمي للجمعية.
ومن المقرر أن يعلن عن المكتب الفائز بالمناقصة لتقديم المشورة للجنة التحقيق البرلمانية، بعد أن فرزت الجمعية الوطنية 12 مكتبا تقدمت للمناقصة وفق ما يؤكده البرلماني سيدي مولود والذي يتمنى حلا جذريا للمشكلة وتوقف معاناة الناس.

العربي الجديد