كالنار في الهشيم ينتشر فيروس كورونا المعروف علميًّا ب (كوفيد ١٩) ولا شيء حتّى الآن يمكنه إنهاء هذا الوباء، تتعالى الصرخات والمناشدات من الجميع بأن يبقى الجميع في المنازل وألا يخرجوا، وأن يبقوا على أنفسهم مسافة آمنة إن اضطرّوا للخروج مع أخذ المعدات اللازمة بالحسبان من أقنعة وجهٍ ومعقمات، ولكن حتى هذا الحل هو أضعف ما يمكن أن يفعله البشر مع جائحة عصرنا، وأكبر ما يقدمه الأُناس العاديون للتخفيف من عدد الإصابات وفق نظرية تسطيح المُنحنى.
تجاوز عدد الإصابات المؤكدة بالفيروس حتى كتابة هذه المدونة الثلاثة ملايين، ووفيات تُقدر بمئتي ألف شخص؛ أرقامٌ باتت تُقلق بجدية خصوصًا بعد أن تعامل كثرٌ مع الفيروس كما لو أنه نزلة برد، وأكثر ما يخيف في نوعية الأمراض السارية هو المنحنى الأسّي للإصابات؛ فتزايد الإصابات على نحو واسع في فترةٍ قصيرة هو الشبح الذي تخاف منه حتى أعتى أنظمة الصحة في العالم، وما حدث في نظام الصحة في إيطاليا قد يكون خير شاهدٍ على ذلك.
دخلنا الشهر الرابع من مواجهتنا مع كورونا نصف سكان الكوكب في منازلهم، والمصانع والشركات توقفت، والدول أغلقت حدودها، وحركة الملاحة في أدنى مستوياتها، وقوانين صارمة وحظر تجولٍ في أغلب الدول، ولكن هل هذا ما سينهي الجائحة التي باتت حديث الإعلام والناس عام 2020! ما يزال التكهن حول مصير الوباء مستمرًا حتى اليوم، ولكن إليكم أبرز السيناريوهات المحتملة لانتهاء هذا الوبا.
الإغلاق وعزل الفيروس
السيناريو الأول في أغلب المناقشات الجادة هو أن يُفرض إغلاق كامل على الدول والأقاليم والبدء بحملة واسعة للتشخيص وتحديد المصابين بالفيروس بسرعة ودون توقف، وتبعًا لهذا السيناريو يجب أن تغلق الدول حدودها لفترة متزامنة مع بعضها وإجراء الفحوصات والتعاون فيما بينها لتحديد حاملي الفيروس.
ولكن هذا الحل قد يراه آخرون غير قابلٍ للتحقيق في ظل الانتشار الكبير للوباء وإحجام بعض الدول للمساعدة والتحرك في منع انتشاره، بالإضافة إلى أن الوقت الذي يأخذه تطوير لقاح للفيروس يمكن أن يكون طويلًا ويمتد إلى سنوات، وقد دعا الباحثون الحكومات والمواطنين والمستثمرين أن يخففوا من تفاؤلهم بشأن إنتاج اللقاح في شهورٍ معدودة، وهو ما ليس بمقدور بعض الدول؛ أي الاستمرار بالإغلاق وإجراءات الكشوف ومجاراة هذا السيناريو.
ثمانية عشر شهرًا.. استعدوا!
في السيناريو الثاني وعلى عكس السرعة التي اتُخذت فيها الإجراءات المفروضة في مواجهة كورونا من حظر تجول وإغلاق مؤسسات حكومية ومنشآت اجتماعية وغيرها، سيكون زوال الوباء على نحو أبطأ ويستمر ل18 شهرًا وفق ما أعلنت عنه جولييت كاييم مديرة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الوقت اللازم لخروج اللقاح إلى النور والبدء باستخدامه تدريجيًا بعد أن يثبت فعاليته ويُقاس الضرر الجانبي له مع الإيجابيات وغيرها من معايير إصدار اللقاحات، هذا الحل وعلى الرغم من احتماليته ولكنه ليس مثاليًا بقدرٍ كافٍ، فالإغلاق الذي تعيشه دول العالم الآن يساهم في كوارث اقتصادية واجتماعية لا يمكن احتمالها في بعض الدول وهو ما يؤثر في مستقبلها شكلًا ونظامًا.
وقالت كاييم في مقالها الذي نُشر في مجلة ذي أتلانتك تحت عنوان "الأزمة قد تستمر 18 شهرًا.. استعدوا" هناك سؤالان متكرران يريد الناس مع مرور الوقت على معرفة الإجابة عنهما، وهما: متى سينتهي الوباء؟ ومتى ستتسنى لهم العودة إلى حياتهم الطبيعية؟ وأوضحت أن الإجابة عن السؤال الأخير المتعلق بموعد عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية لا تخضع لمعطيات العلم فحسب، وإنما تخضع لحسابات أخلاقية وسياسية لا يملك أحد الرغبة في نقاشها جهرًا، أما عن السؤال الأول فهو ما يحدده العلم في تطوير اللقاح وتوزيعه، وفي حال لم يُنتج اللقاح في هذه المدة ستكون العواقب غير محمودة.
مناعة القطيع
أما السيناريو الثالث فبحسب دراسة نشرها موقع بلومبرغ، سينتهي الوباء فقط حينما "تنشأ مناعة القطيع"؛ أي أن يكون هناك عدد كاف من الأشخاص قد طوروا مناعة ضد هذا المرض، وهناك طريقتان للوصول إلى هذه النتيجة فقط: الأولى هي إنتاج لقاح، وتوصيله إلى عدد كاف من البشر، والثاني –وهو الأسرع والأكثر سوداوية– أن يصيب الفيروس ملايين من الناس، ما قد يؤدي إلى انهيار الأنظمة الصحية وازدياد عدد الوفيات ازديادًا كبيرًا، بالإضافة إلى تطوير عدد كاف من البشر مناعة ضد الفيروس، لكن المدافعين عن "مناعة القطيع" يقولون إن إجراءات التباعد الاجتماعي ليست حلًا عمليًا لمكافحة الوباء حتى وإن أدت إلى انحسار الفيروس، والسبب هو أن هذا الإغلاق يؤدي إلى شل حركة الاقتصاد، أي إن كثيرًا من الناس يجدون أنفسهم بدون أي موارد للعيش.
أما في حال نجاح إجراءات التباعد الاجتماعي في كبح انتشار الوباء، فإن الفيروس قد يعود مرة أخرى، إذا جرى تخفيف القيود، وذاك ما حدث في سنغافورة، فقد سجلت موجة تفش ثانية، بعد تطويق الأولى، ولكن بحسب خبراء؛ فإن تعزيز "مناعة القطيع" بعد الإصابة سيحدث فقط إذا كان التعافي من العدوى يخلق مناعة دائمة -لدى المتعافين- ضد الفيروس، ولا يُعرف بعد إذا ما كان فيروس كورونا الجديد من هذا النوع من الفيروسات، بالإضافة إلى أن جزء السكان الذي يجب أن يُصاب لإثبات مناعة القطيع غير معروف، ففي حالة مرض الدفتيريا مثلًا؛ يجب أن تكون الإصابات 75 بالمئة، و91 بالمئة للحصبة، وتفترض بعض الأبحاث أن العدد الفعلي للمصابين بالفيروس أعلى بكثير من الحالات المؤكدة، وإذا كان هذا صحيحًا، فقد يكون العالم أقرب إلى مناعة القطيع مما نعرفه.
فمناعة القطيع ليست آمنة العواقب أيضًا، فإذا كانت قد آتت ثمارها في دولة متقدمة مثل السويد، فإنه من شأنها أن تسفر عن وضع كارثي في دول أخرى ذات أنظمة ضعيفة للرعاية الصحية، وربما تجد المستشفيات نفسها عاجزة أمام عدد هائل من المرضى، في حال أُزيلت القيود المفروضة على التنقل، وهذه المخاطرة لا يمكن أن يتحمل تبعاتها أحد في تلك الحالة.
خطة سيؤول
السيناريو الرابع يتلخص في تقرير على الإندبندنت أونلاين، يحاول فيه الصحفي تيم مولاني تفسير نجاح خطة كوريا الجنوبية في تجاوز الوباء بسلاسة في حين أن دولًا كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي اكتشفت أول حالة في اليوم نفسه مع كوريا الجنوبية فشلت فشلًا ذريعًا في التعامل مع كورونا، فيقول إن الحكومة الكورية استدعت مصنعي أدوات الاختبار الطبي كلهم يوم 27 يناير/كانون الثاني وطلبت منهم تطوير اختبار لاكتشاف الفيروس بأسرع وقت. وفي الرابع من فبراير/شباط وافقت الجهات الكورية المختصة على الاختبار الفائز، وبدأ التصنيع على الفور، فبات لدى السلطات برنامج اختبار مبكر، ثم ظلت على اتصال بالأشخاص الذين اكتشفت إصابتهم بالفيروس، لذا تمكنت من عزلهم مبكرًا قبل نقل العدوى إلى الآخرين المقربين وغير المقربين
إذن، فالاستراتيجية تقوم على زيادة عدد اختبارات الكشف عن الفيروس لتحديد حامليه وتتبع الأشخاص المخالطين وعزلهم احتياطًا، ويتطلب مع ذلك تخطيطًا واسعًا وتطوير تطبيقات تتبع للأشخاص المخالطين للمصابين، ويتطلب جهودًا بشرية كبيرة لإجراء الاختبارات، وقامت خطة كوريا الجنوبية أيضًا على إيقاف حركة الناس، ومنع التجمعات لإبطاء انتشار المرض ومنع حدوث انفجار كبير في الإصابات على نحو أكبر من قدرات النظام الطبي، ما يتسبب في وفيات مفرطة، إن تطبيق هذه الاستراتيجية سيتيح تعبئة الكوادر الصحية وتوسيع مرافق المستشفيات وبناء القدرة على إجراء اختبارات، وتعقب التواصل مع المصابين، وعلاج المرضى وتوفير أجهزة التنفس الصناعي ووحدات العناية المركزة.
وكل من هذه السيناريوهات يعرفها الخبراء والباحثون ويتوقعون أن يكون أحدها المخرج من أزمة العالم الحالية، عدا عن سيناريوهات أكثر قتامة منها ما يزعم بعجز العالم عن اكتشاف لقاح أو تجاوز الفيروس وأنه سيبقى إلى الأبد! وهو ما قاله جوشوا إبشتاين؛ أستاذ علم الأوبئة في جامعة نيويورك: "أعتقد أنه من الممكن دائمًا أن يكون للحدث دورة واحدة، لا يتغير ويُقضى عليه، ولكن الاحتمال الأرجح هو أننا لن "نقضي عليه تمامًا"".
مدون سوري