افريقيا تشد الأحزمة لمواجهة فيروس كورونا

29 مارس, 2020 - 13:55

تشد القارة الافريقية أفقر قارات العالم أحزمتها حاليا لمواجهة  الزاحف إليها بشراسة وقوة انتشار مخيفة، بينما بناها الصحية في غاية الهشاشة والضعف.

ويحدث هذا فيما لا تتوفر القارة إلا على طبيب واحد وعشرة أسرة لكل عشرة آلاف نسمة، كما يحدث هذا بينما لا تتوفر القارة إلا على 2 في المئة من مجموع أطباء العالم، وبينما تتحمل القارة نسبة 25 في المئة من الأوبئة المنتشرة في المعمورة.

الصحة العالمية تحذر

ولفتت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي الأخير “إلى أن سبعا وخمسين دولة في المعمورة معظمها في افريقيا، تعاني من عدم توفر وسائل التدخل الأساسية لإنقاذ الحياة مثل التطعيمات لاسيما في مرحلة الطفولة”.

وأكدت المنظمة أن هناك حاجة ملحة لما يزيد على أربعة ملايين متخصص في مجال الصحة لسد الفجوة الطبية في 57 دولة معظمها في افريقيا والمناطق الريفية في آسيا.

وأوصت بأن يوفر مانحو المساعدات تمويلا عاجلا وعلى المدى الطويل للتدريب في مجال الرعاية الصحية لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التهديدات الآنية مثل التفشي العالمي المحتمل لإنفلونزا الطيور بين الناس بعد تحولها الممكن إلى وباء بالإضافة إلى وضع شبكات محلية للرعاية الصحية.

مخصصات هزيلة

وفي الوقت الذي تعاني فيه افريقيا من حوالي 24 في المئة من عبء الأمراض العالمية، فانه يتوفر فيها فقط ثلاثة في المئة من قوة العمل في مجال الرعاية الصحية وتنفق أقل من واحد في المئة من إجمالي الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الدول الأكثر تضررا، وهي التي تنفق ما متوسطه 33 دولارا على الرعاية الصحية لكل شخص سنويا، يجب عليها رفع ميزانياتها السنوية إلى 43 دولارا على الأقل للشخص خلال السنوات العشرين المقبلة للتغلب على الأزمة وتحقيق أهداف الألفية.

أرقام مخيفة

وتقول منظمة اوكسفام الخيرية، ومقرها بريطانيا “إن هناك طبيبا واحدا لكل 14 ألف شخص في زامبيا، بينما هناك مثلا في بريطانيا طبيب واحد لكل ستمئة شخص فقط”.

ويذكر البروفسور غانم الشيخ المستشار الإقليمي لتنمية الموارد البشرية في إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية “أنه في الوقت الذي يوجد فيه 42 طبيبا لكل ألف شخص في أمريكا الشمالية، يوجد في افريقيا طبيبان اثنان فقط لكل ألف شخص، بينما المعدل العالمي هو تسعة أطباء لكل ألف شخص”.

الصحة والتنمية

ونظرا لقوة العلاقة بين الصحة والتنمية، فإن هشاشة البنى الصحية في القارة على مستوى المورد البشري وعلى مستوى التجهيزات والمعدات، تعيق مجهودات التنمية وتضع أمامها عراقيل متزايدة يوما بعد يوم.

ويقول ماتشيديسو مويتي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في افريقيا “نحن نعلم أن الصحة الجيدة تسهم في تحسين نتائج التنمية، ولكن ما لم يُفهم بعد بوضوح هو تأثير سوء الصحة على نتائج التنمية”.

ومن المسلم به على نطاق واسع، أن تنمية افريقيا يجب أن تبدأ بالاستثمار في البنى الأساسية والطاقوية، ولكن السؤال المطروح هو: هل هناك أي وعي حقيقي بالتكلفة التي تتحملها القارة بسبب رداءة الخدمات الصحية؟

خسائر فظيعة

تؤكد منظمة الصحة العالمية، أن القارة الافريقية تخسر سنويا 2400 مليار بسبب ما يعانيه اقتصادها نتيجة للأمراض التي تصيب ساكنة القارة.

ومع توقع تضاعف عدد السكان بحلول عام 2050 (2.5 مليار نسمة) فإن هذه الطفرة الديموغرافية تؤكد حاجة بلدان القارة إلى تحسين نظمها الصحية من أجل الاستفادة من العائد الديموغرافي الذي يمكن أن تولده الزيادة في قوتها العاملة المتوقعة.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، تبلغ كثافة الأطباء في القارة الافريقية طبيبين اثنين فقط لكل 10 آلاف نسمة، وهو ما يقل كثيرا عن المتوسط العالمي البالغ نحو 14 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة.

طفرة ديموغرافية ضائعة

بحلول عام 2030 سيكون هناك أكثر من 750 مليون شاب في افريقيا، ما سيزيد من القوة العاملة المتاحة لبلدان القارة.

وللأسف، تشير الحالة الراهنة للسياسات الصحية إلى أن القارة تخاطر على المدى الطويل بتفويت هذه الفرصة الاقتصادية، لا سيما عندما تعلن منظمة الصحة العالمية أن الأمراض غير السارية ستزداد بنسبة 27 في المئة في افريقيا على مدى السنوات العشر المقبلة، مما سيؤدي إلى وفاة 28 مليون شخص إضافي.

هبوط الإنفاق على الصحة

ويؤكد تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية أنه على الرغم من التزامات رؤساء الدول الافريقية بإنفاق ما لا يقل عن 15 في المئة من الميزانية العامة على الصحة، لم تتمكن سوى أربعة بلدان هي ملاوي، وسواتيني، وإثيوبيا، وغامبيا من تحقيق هذا الهدف في عام 2015.

ومن ناحية أخرى، تبرز البيانات أنه خلال الفترة 2000-2015 انخفض الإنفاق على الصحة في الميزانية الإجمالية في 19 بلدا افريقيا.

وفي الوقت الذي تواجه فيه القارة موجة من الأمراض والأوبئة (الإيبولا والملاريا والإيدز والكوليرا على وجه الخصوص) فإن ضعف توجه ميزانيات الدولة نحو القطاع الصحي يزيد من ضعف اقتصاداتها.

عبء الأوبئة

في عام 2018 على سبيل المثال، نشرت مجلة الأمراض المعدية تقريراً عن وباء الإيبولا الذي أصاب العديد من بلدان غرب افريقيا عام 2014.

ووفقا للمجلة، فقد كلف الوباء بلدان المنطقة، حوالي 53 مليار دولار من حيث الخسائر في الأرواح والتكاليف الاقتصادية.

وفي تقرير لها بعنوان “انعكاس الأمراض على الإنتاج” أكدت منظمة الصحة العالمية “أن الأوبئة تنعكس على للبلدان الافريقية بين ما لا يقل عن 242.3 مليون دولار بينها نسبة 56.61 في المئة ناجمة عن الأمراض المتصلة بالأمومة والإيدز والسل والملاريا والأمراض المدارية المهملة والأمراض غير السارية وحوادث الطرق”.

وفي عام 2015 قدرت المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا الخسائر الناجمة عن الأمراض بأكثر من 1129 مليار دولار أي ما يعادل 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.

 ولا شك أن الخسارة الإنتاجية تعيق قدرة الدول على تحقيق أهدافها الإنمائية المستدامة.

عجز بالمليارات

تشير الإحصاءات إلى أن الدول الافريقية ذات الدخل المنخفض تحتاج إلى مبلغ إضافي قدره 671 مليار دولار سنويا لتحقيق أهدافها الصحية في مجال التنمية المستدامة.

وتقلل خسائر الإنتاجية المرتبطة بالأمراض من قدرة الدول على تمويل تنميتها. وتزداد هذه الخسائر في الوقت الذي تكافح فيه القارة لتعبئة الإيرادات المحلية اللازمة لتنفيذ مشاريعها.

ووفقا للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للأمم المتحدة، ستحتاج القارة إلى تعبئة 11 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا على مدى السنوات العشر المقبلة لسد الفجوة التمويلية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ومع ذلك، ففي حين أن القارة تواجه واحدا من أعلى المعدلات من حيث تكلفة الأمراض والأوبئة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، فإنها تسجل أدنى نسبة في الناتج المحلي الإجمالي في العالم (24.5 في المئة بين عامي 2000-2018).

ولهذا الواقع المرير عواقب متعددة: فبالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في الموارد البشرية والإنتاجية، فإن هذا الواقع يزيد من اعتماد القارة على المساعدة الأجنبية. ويزداد هذا الاعتماد عندما يتعلق الأمر بالاستجابة للأزمات الصحية التي تهز البلدان الافريقية.

هجرة الأدمغة

في هذا السياق تشير منظمة الصحة العالمية إلى انعكاسات هجرة الأدمغة الافريقية حيث أكدت أنه في المتوسط، يعمل واحد من كل أربعة أطباء وواحد من كل عشرين ممرضا أو ممرضة ممن تدربوا في افريقيا في دول متقدمة؛ وهناك بعض الدول تضررت أكثر من غيرها في هذا الجانب: فمثلا يعمل تسعة وعشرون في المئة من أطباء غانا وأربعة وثلاثون في المئة من ممرضي زيمبابوي في الخارج.

ويحذر الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية من ان هذا النقص الحاد في عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية في العالم النامي يمكن أن يهدد أهداف التنمية الخاصة بالألفية التي حددتها الأمم المتحدة.

ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى “أن مليارا وثلث المليار من البشر يفتقرون إلى عناية صحية بسبب نقص العاملين في الخدمات الصحية”.

وتضاعف سرعة التمدن و”الطفرة الشبابية” السكانية في كثير من الدول النامية من تفاقم المشكلة، في ظل توقع استمرار الدول الغنية في “استيراد” المزيد من أخصائيي الصحة الافارقة لعلاج سكانها، لاسيما في ظل الاندفاع السريع للمجتمعات الصناعية نحو الشيخوخة.