أودع نواب في البرلمان الجزائري مسودة جديدة لقانون يتضمن "تجريم الاستعمار الفرنسي" في البلاد، بعد إخفاق تجربتين سابقتين لإصدار هذا القانون، بسبب رفض السلطة السياسية للمقترح في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ووقّع 50 نائباً من كتل نيابية مختلفة لائحة تقدّم بها النائب عن جبهة "التحرير الوطني" كمال بلعربي، تطالب بتجريم الاستعمار الفرنسي وجرائمه في الجزائر، وبمطالبة الدولة الفرنسية بالإقرار بهذه الجرائم، وتقديم الاعتذار والتعويضات المناسبة. وتفيد مسودة القانون بأن "طلب اعتراف فرنسا بجرائمها وأفعالها إبان احتلالها للجزائر من سنة 1830 إلى 1962، والاعتذار عنها حق مشروع للشعب الجزائري غير قابل للتنازل".
ويشدد مشروع القانون على "مسؤولية الدولة الفرنسية عن كلّ الجرائم التي ارتكبتها جيوشها في حق الشعب الجزائري إبان احتلالها، ومسؤولية الأفعال الإجرامية المذكورة لا تتقادم كجرائم الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وآثارها المستمرة حتى الآن كالألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية، والإشعاعات النووية في صحرائنا الكبرى، ومجازر الثامن من مايو/ أيار 1945، التي استُشهد فيها 45 ألف شخص في يوم واحد".
ويشير القانون المقترح إلى "تعرض قبائل بأكملها للإبادة، وحرق قرى ومداشر برمتها، والقضاء على عائلات بأكملها بنسائها وأطفالها وشيوخها في جميع أنحاء البلاد"، إضافة إلى التهجير القسري لأكثر من 60 ألف جزائري قبل الحرب العالمية الأولى، إلى تونس، والمغرب، وبلاد الشام وفرنسا وكذلك جرائم الإبعاد والنفي نحو المستعمرات الفرنسية مثل كاليدونيا الجديدة.
وتسعى هذه الكتلة من نواب البرلمان إلى استغلال ظروف فتور لافت في العلاقات السياسية الجزائرية الفرنسية، وتحرّر نسبي لمواقف الكتل النيابية، خصوصاً تلك الموالية للسلطة، من عامل الخوف السياسي، لتمرير هذا القانون، بعد محاولات سابقة للردّ على قانون أصدره البرلمان الفرنسي في فبراير/ شباط 2005.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، جدّدت منظمة ثورية في الجزائر (منظمة المجاهدين وتعني قدماء ثورة الجزائر) دعوتها للبرلمان لإصدار قانون تشريعي جديد، يجرّم الاستعمار الفرنسي وأية إشادة به، وإنشاء محكمة في الجزائر لمحاكمة مجرمي الحرب من قيادات الجيش الفرنسي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2011، طرح 120 نائباً، بمبادرة من النائب موسى عبدي حينها، مشروع قانون لتجريم الاستعمار. وتبنت كتلة تضم 14 حزباً سياسياً شكلت "جبهة الدفاع عن السيادة والذاكرة" المشروع، وأعلنت دعمها السياسي والنيابي له، لكنّ مكتب البرلمان الذي كان يرأسه حينها عبد العزيز زياري أسقط مشروع القانون.
وقال الباحث في التاريخ أحمد مسعود علي لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، إنّ "هذا القانون تأخر كثيراً وظل يتأرجح بين البرلمان والسلطة السياسية، وأعتقد أنّ المسودة الجديدة تأتي في ظرف جديد تحرّر فيه البرلمان من الضغط السياسي، بشكل أصبح من الممكن تمريره"، معتبراً أنّ القانون "هو اختبار جدي للبرلمان ولمصداقيته من جهة، وللسلطة السياسية الجديدة في قضية حساسة كهذه، وفي ظرف سياسي يبدو مناسباً لذلك".
العربي الجديد