إن التكنولوجيا الناشئة المنتشرة على منصات الإنترنت تستغل آليات الذاكرة لدينا للتلاعب بنا وبمعتقداتنا وأفكارنا بشكل يحوّلنا إلى سلاح بشري ضد الديمقراطية والحقيقة بل والعقلانية نفسها.
عزيزي القارئ، قم بقراءة الكلمات التالية هذه:
طاولة
اجلس
كنبة
اقعد
أرجل
مقعد
مريح
مكتب
أذرع
أريكة
خشب
وسادة
مسند
مجلس
الآن قم بالعدّ حتى الرقم ثلاثين.
هل رأيت كلمة كرسي؟ إذا كان الجواب بنعم، فهذا يعني أنني نجحت في زرع ذاكرة مزيفة في دماغك، فلتقرأ القائمة مرة أخرى ولن تجد كلمة كرسي فيها. في اختبارات الذاكرة التي تستخدم مثل هذه القوائم، يقول الناس عادة إنهم رأوا ما يصطلح عليه بـ"الكلمة الخدّاعة"، وهي كلمة يتم الترميز إليها دون أن يتم تسميتها فعليا.
هذا مثال بسيط على العيوب الموجودة في الذاكرة البشرية، وعلى وجه التحديد، على إمكانية خداع الناس لجعلهم يتذكرون أشياء لم تحدث أو كأنها غير موجودة أصلا. مثلا، فالاستماع إلى قصص عائلية حول طفولتك لعدّة مرّات يمكن أن يجعلك تتعامل معها على أنها ذكريات، حتى وإن كانت مضخمة أو مختلقة بالكامل. كما يمكن أن تغير المعلومات الخاطئة روايات شهود العيان عن الجرائم والحوادث التي يرونها. يمكن أن تتحول الأساطير والشائعات الشعبية إلى معلومات طبية "متفق عليها" في ذكرياتنا المرتبكة ويمكن أن تقوم القصص الإخبارية أو مقاطع الفيديو المضللة بتحريف ما نتذكر عن أقوال وأفعال السياسيين.
مع أن الذكريات الخاطئة موجودة منذ لحظة ظهور الدماغ القادر على تخزين المعلومات، فإنه لم يكن هناك نظام سريع وواسع النطاق قادر على نشرها وتوزيعها بهذا الشكل قبل أن يظهر الإنترنت. فيما مضى، كانت التقارير الإخبارية تمرّ عبر عدة مستويات من المحررين، سواء في الصحافة المطبوعة أو المرئية والمسموعة، قبل الظهور بين يدي القارئ أو المستمع أو المشاهد. أما اليوم، فإنه يمكن لأي شخص لديه غايات معينة في نفسه تحميل مقالات مختلقة أو صور مفبركة قبل رؤيتها تنتشر كالنار في الهشيم. بالمناسبة، فإن مقاطع الفيديو نفسها لم تعد تعكس واقعا حقيقيا، حيث إن الأدوات الجديدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي على وشك أن تكون قادرة على إنتاج لقطات ملفقة لأي شخص يقوم بأي شيء يريده صانع الفيديو أن يفعله تقريبا. كما تسمح الخوارزميات اليوم باستهداف جماهير أكثر تقبّلا لهذه الفبركات، مما يضمن أن تجد بذور الذكريات الخاطئة عقولا خصبة لها.
حتى المحتوى السخيف والمثير للسخرية -مثل نظرية المؤامرة "بيتزا غايت" في عام ٢٠١٦، التي انتشرت عبر تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، زاعمة أن هيلاري كلينتون تدير شبكة دعارة للأطفال في الطابق السفلي من مطعم للبيتزا في العاصمة واشنطن- يمكن أن ينتشر ويجد من يصدّقه. إذ حملت تلك الشائعة التي انتشرت بسرعة فائقة أحد المصدّقين لها أن يقود سيارته لمئات الأميال قبل أن يفرغ مشط بندقيته الرشاشة في ذلك المطعم!
يعتقد العلماء أن العقل البشري مصمم بطريقة تجعله قابلا للتصديق أكثر من التشكيك بالأشياء. فنحن عندما نرى أو نسمع شيئا ما، عادة ما نفترض أنه صحيح. تطور أسلافنا في بيئة خطرة جدا بحيث لم يكن من المفيد لهم أن يفكّروا مرّتين في كل مرة يظنون أنهم رأوا أسدا مفترسا أو في كل مرة يسمعون قصة من فم أحد أفراد قبيلتهم. أي إن التصديق والتأثّر وامتصاص الإشاعات والمعتقدات في شبكات الذاكرة لم تكن عيوبا بقدر ما كانت مهارات ضرورية من أجل بناء تصوّر متماسك عن العالم. لكن هذه الصفات تتركنا عرضة للإشاعات المغرضة. وإليك الجزء الأخطر من هذه المعادلة: حتى إذا لم تفتح عقلك للأوهام فإنه لا يزال بإمكانها تشويه ذكرياتك.
يمكن لأي شخص اليوم، سواء كان عميلا استخباراتيا، أو مسؤول تسويق، أو متصيدا على الإنترنت، أن يتلاعب بالناس لكي يقوموا بتصديق ما يريد لهم أن يصدّقوه. إن المشكلة هنا هي أن الديمقراطية وحتى الصحة العقلية تتطلب وجود إيمان مشترك بالواقع الحقيقي، حيث إن التذكّر الخاطئ لشيء رأيناه وقرأناه وجرّبناه يعيق القدرة على اتخاذ قرارات حكيمة حول السياسة والسياسيين، ويشجّع الفتن الاجتماعية ويؤدي إلى تشويه سمعة الناس. كما أنه يفسد الخيارات المتعلقة بصحتنا ورفاهنا.
تتعرض عقولنا اليوم للهجوم بحيث تم تحويل الذاكرة البشرية إلى سلاح باستخدام التكنولوجيا، مما أبعدنا عن الحقيقة وأغرقنا في الخلافات والانقسامات العميقة. لكي ترى ذلك، ليس عليك سوى البحث عن الكلمات الأكثر شعبية في الأعوام الثلاث الماضية في القواميس الرائدة؛ "ما بعد الحقيقة" (post-truth) (عام ٢٠١٦، قاموس أكسفورد)، "الأخبار الوهمية" (fake news) (عام ٢٠١٧، قاموس كولينز)، و"المعلومات التضليلية" (misinformation) (عام ٢٠١٨، موقع dictionary.com).
يقول هاني فريد، أستاذ علوم الكمبيوتر في كلية دارتموث وخبير في تحليل الصور الرقمية: "لقد تحول المشهد في العامين الأخيرين… فنحن لدينا التكنولوجيا اللازمة لخلق مواد متطورة مزيفة ولكن مُقنعة. ولدينا آلية توزيع تعمل بسرعة ونطاق غير مسبوقين. ولدينا جمهور مستقطب وعلى استعداد لتصديق أسوأ الأمور حول خصومه. ومن ثم لديك جهات مغرضة، سواء كانوا عملاء برعاية دول يتدخلون في الانتخابات العالمية، أو الأشخاص الذين يحاولون التحريض على العنف، أو أولئك الذين يتطلعون إلى جني المال من الأخبار المزيفة لتحقيق مكاسب شخصية. هذه تربة مثالية لحرب المعلومات"، وهي حرب لم تتطور ذاكرتنا للفوز بها.
استحضار الذكريات
في عقد السبعينيات من القرن الماضي، قررت العالمة النفسية إليزابيث لوفتوس، التي كانت آنذاك في جامعة واشنطن في سياتل، والتي تعمل الآن في جامعة كاليفورنيا في إرفين، تركيز بحوثها على موضوع روايات شهود العيان في سياق الجرائم باستخدام أعمالها عن الذاكرة. سألت نفسها هل يمكن أن تؤثر أنواع معينة من الأسئلة -مثل النوع الذي قد يطرحه بعض المدعين العامين المليء بالتفاصيل المروعة- على كيفية تذكّر الشهود لحدث ما؟
ما وجدته هو أنه نعم، يمكن لذلك أن يحدث، ففي دراسة أعدّتها، شاهد المشاركون فيلما عن حادث سيارة ثم طُلب منهم تقدير سرعة السيارات "قبل أن تحطّم بعضها البعض" أو "قبل أن تصطدم ببعضها". بعد أسبوع، قال 32% ممن قرأوا كلمة "تحطّم" أنهم رأوا زجاجا مكسورا -لم يكن هناك أي شيء من هذا القبيل- مقابل 14% من المجموعة الأخرى التي قرأت كلمة "تصطدم". أي إن مجرّد التلويح بالسرعة الفائقة في طرح السؤال زرع في ذكرياتهم تفاصيل حول أضرار لم تكن موجودة.
قد يمضي معظم الأشخاص حياتهم دون أن يستدعون للإدلاء بشهاداتهم في المحكمة حول الحوادث، ولكن كل شخص منا تقريبا تتم دعوته لإبداء الرأي حول شخصية عامة أو حدث ما، سواء في حفل عشاء أو خلال عملية التصويت والاقتراع. ولكن من أين نتلقى المعلومات التي تتيح لنا الوصول إلى هذا الرأي؟ الجواب هو أننا نتحصّل عليها على نحو متزايد من مصادر الأخبار على الإنترنت أو عبر التلفاز، من المنافذ التي تدّعي الحياد ولكن التي غالبا ما تلتزم بأجندات منحازة بقوة. في الحقيقة، عندما تقوم هذه المصادر بالتلاعب بوصف الاحتجاجات، مثلا، أو بمحتوى ما قيل في مؤتمر صحفي، فأنت ستتذكره بطريقة مختلفة عما لو قمت بمشاهدة هذه الأحداث بدون تعليق خارجي.
في عام ٢٠٠٤، انتشرت صورة على نطاق واسع للمرشح الرئاسي الأميركي جون كيري وهو يقف مع جين فوندا في احتجاج مناهض للحرب. أغضبت الصورة المحاربين القدامى بقوة، لكنه تبين لاحقا أن الصورة كانت مفبركة. شجّعت هذه الحادثة العالمة النفسية إليزابيث لوفتوس على محاولة معرفة ما إذا كانت الصور المزوّرة للأحداث العامة يمكن أن تغير ذكريات الناس عنها. في أحد الأمثلة، أخذت هي وزملاؤها الصورة الشهيرة لرجل يقف أمام دبابة في ميدان تيانانمن في الصين التي كانت مجلة تايم قد وضعتها على غلافها في عام ١٩٨٩، وأضافوا حشودا على جانبي الطريق إلى الصورة. استذكر المشاركون في الدراسة الذين رأوا الصورة المزيفة مقابل الصورة الحقيقية أن عددا أكبر من المتظاهرين كانوا حاضرين في هذا الحدث على الرغم من أن ذلك يناقض ما يعرفون. قام الباحثون أيضا بتزوير صورة لحدث حصل في زمن غير بعيد خلال احتجاج سلمي في روما، فتذكّر الإيطاليون الذين شاهدوا الصورة التي أضيف إليها عناصر من شرطة مكافحة الشغب أن الحدث كان أكثر عنفا مما كان هو في الواقع.
نطرح السؤال التالي هنا: هل يمكن أن يتذكر الناس "أحداثا عامة" لم تحدث على الإطلاق؟ في عام ٢٠١٠، بالاعتماد على عمل إليزابيث لوفتوس، أجرى الكاتب من موقع "سليت" وليام ساليتان تجربة على قرّائه (ثم قام بتحليل ونشر النتائج بالتعاون مع مختبر لوفتوس): شاهد القراء صورا لثلاثة أحداث حقيقية وصورة لواحد من خمسة أحداث وهمية، تم تحضيرها عن طريق تزوير صورة وإضافة تعليق غير صحيح. أظهرت إحدى الصور المزيفة الرئيس بوش في إجازة مع لاعب من فريق هيوستون أستروس خلال إعصار كاترينا. وأظهرت أخرى الرئيس أوباما يصافح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. سُئل القراء عما إذا كانوا يتذكرون كلًّا من هذه الأحداث وطُلب منهم أن يصفوا شعورهم عندما سمعوا به لأول مرّة.
قال نصف القرّاء إنهم تذكروا حدثا من تلك الأحداث الكاذبة التي لم تحدث، وفي معظم تلك الحالات قالوا إنهم يتذكرون بالفعل رؤيته على الأخبار! وتذكروا أنهم كانوا "متضايقين" عند رؤيته، أو كانت لديهم "مشاعر مختلطة" أو أنهم "تقزّزوا" من الخبر. ربما كان بعض أولئك القرّاء يكذبون حول ذكرياتهم، ولكن حتى عندما قيل لهم إن أحد تلك الأحداث لم يحدث، خمنّ 37% من القراء الحدث الخطأ على أنه كان الحدث الكاذب. بالنسبة لهم، فإن الحدث المزيف لم يكن حقيقيا فحسب، بل كان أكثر واقعية من بعض الأحداث الفعلية!
الذكريات الخاطئة هي أمثلة على ما يسميه علماء النفس "أخطاء تحديد المصدر". فعندما يتبادر إلى الذهن مشهد أو معلومة ما، يحاول الدماغ تحديد المصدر: هل هو شيء تم تخزينه في الذاكرة أم هل أنت فقط تتخيله؟ نحن غالبا ما نستخدم إرشادات أو استدلالات غير واعية لتحديد المصدر. إذا كان مشهد مليء بالتفاصيل الغنية، فأنت تميل إلى افتراض أنك اختبرته بالفعل وقمت بتخزينه في مخزونك الزمني الشخصي. قد تستخدم أيضا معالجة واعية وأكثر منهجية للاستدلال: إذا كنت تعرف أنك كنت في مكان آخر عندما وقع حدث ما، فأنت ستستنتج أنه لا يمكنك أن تكون قد عشت هذا الحدث.
المعرفة السابقة (الألفة) تسهّل القناعة
"(نائب الرئيس الأميركي) مايك بينس: علاج الشذوذ الجنسي أنقذ زواجي". ظهر هذا العنوان في عام ٢٠١٦ في موقع نيفادا كاونتي سكوبر، وهو موقع إخباري ساخر. كان العنوان سخيفا وغير قابل للتصديق، ولكنك إذا قرأته لعدّة مرات، فقد يبدأ في اكتساب طبقة من الصدقية، كما أثبتت إحدى الدراسات العلمية: في هذه الدراسة، عرض عالم النفس جوردون بينيكوك في جامعة ريجينا في كندا على المشاركين ستة عناوين حقيقية وستة عناوين كاذبة تم جمعها من الإنترنت. (تضمنت العناوين الكاذبة "ليلة الانتخابات: هيلاري تسكر وتمارس أعمال جنسية مع موك وبوديستا" و"ترامب سيحظر جميع برامج التليفزيون التي تشجع أنشطة المثليين عندما يصبح رئيسا".) أجاب المشاركون عن بعض الأسئلة المصمّمة لإلهائهم، ثم شاهدوا العناوين الرئيسية مرة أخرى بالإضافة إلى عدد جديد منها قبل أن يُطلب منهم أن يقيّموا دقتها. أظهرت الدراسة أنه مقابل كل عنوان كاذب جديد، صدّقت نسبة 4% إضافية من المشاركين في المتوسط هذا الخبر. أما بالنسبة للعناوين الكاذبة التي رأوها من قبل، أي قبل ذلك ببضع دقائق كان هذا المعدل يقارب 8%. يقول بينيكوك: "ليس العدد كبيرا، لكنه يُمثّل الضِّعْف. بالنسبة لي كان ذلك حزينا ولكنه أيضا مثير للاهتمام للغاية".
أي إن الأمور تبدو أكثر مصداقية عند تكرارها، وهو ما يُعرف باسم تأثير الحقيقة الوهمية. يقدم علماء النفس تفسيرين رئيسيين لهذه الظاهرة. أولا، عندما نسمع شيئا يتم تكراره كثيرا، خاصة من أشخاص مختلفين، فنحن نستنبط بأن الأمر لا بدّ وأنه صحيح. يقول ستيفان ليفاندوفسكي، العالم المعرفي في جامعة بريستول في إنجلترا: "بفضل الإنترنت، فإن غرابة معتقداتك لم تعد تهم ...إذا نظرت عبر الإنترنت، سوف تجد مجتمعات من الأشخاص المتشابهين في التفكير. يعتبر أولئك الذين يؤمنون بأن الأرض مسطّحة مثالا رئيسيا على ذلك".
لكن الإجماع المتخيل هذا لا يفسر حالة الأشخاص الذين قرأوا وصدّقوا الأخبار الكاذبة في التجارب. في حالتهم، من المحتمل أنهم قد اعتمدوا على استدلالات لا واعية، استنادا إلى سهولة الصياغة وسهولة معالجتها: فنحن كلما كان استيعابنا لطرحٍ ما أسهل -سواء لأننا سمعناه من قبل أو لأنه مكتوب بصياغة تسهل قراءتها- اعتبرناه أكثر صدقا. أي إننا نقوم بالربط بين السهولة والصدق لأن الحقائق الحقيقية تتكرر أكثر من الأطروحات الكاذبة، مما يسهل معالجتها.
يخلق تأثير الحقيقة الوهمية عموما معتقدات خاطئة لدى الناس، وليس بالضرورة ذكريات خاطئة، لكن هذه الظاهرة تعتمد على آليات عمل الذاكرة بالفعل. وهي شيء آخر يمكن لأولئك الذين يريدون نشر دعايتهم الكاذبة أن يستغلوه لتحويل أنظمة الذاكرة الخاصة بنا إلى سلاح ضدنا. ويمكنه أيضا أن يؤدي إلى نشوء ذكريات خاطئة. ففي إحدى التجارب، قرأ المشاركون عددا من الأخبار الكاذبة لأول مرة ثم عادوا بعد خمسة أسابيع لتقييمها. عند عودتهم، كانوا واثقين تماما من أنهم كانوا قد شاهدوا تلك الأخبار قبلا في مكان ما خارج المختبر. هذا هو ما يسمّى بالإحالة إلى المصدر الخطأ. بعبارة أخرى، فإن الخطوة الأولى في تذكر شيء ما هي تصديقه أوّلا.
إذن، أنت عندما لا تعرف حقيقة طرح ما، قد يكون من المنطقي أن تثق في حدسك وأن تستخدم طلاقة الصياغة أو التكرار كدليل على صحّته. المفاجأة هنا هي أن الباحثين وجدوا أن تأثير الحقيقة الوهمية يمكن أن ينطبق حتى عندما يعرف الناس الإجابة الصحيحة! فلقد أدّت رؤية الطرح التالي مرتين في إحدى الدراسات بزيادة نسبة تصديقه: "الساري هو اسم التنورة القصيرة المطوية التي يرتديها الاسكتلنديون"، حتى بين الأشخاص الذين يعرفون أنها تسمى "كيلت". في السابق، كان الباحثون يعتقدون أننا نقوم أولا بالتحقق من قاعدة معارفنا قبل أن نستدلّ على صحّة طرح ما من خلال طلاقة صياغته أو تكراره، إذا ما كانت تلك القاعدة خالية من المعلومات حول موضوعه. لكننا في الواقع نقوم بالعكس: نحن نتطلع إلى الطلاقة أولا، حيث تلعب المعرفة السابقة دورا احتياطيا. على ما يبدو، نحن جميعا نخمّن الحقيقة، بدلا من القيام بتمحيصها. كما أن تحذير الناس من تأثير الطلاقة لا يساعدهم في تمييز الحقيقة. في دراسة من الآونة الأخيرة، أدّى هذا التحذير إلى الحدّ من تأثير الحقيقة الوهمية بنسبة النصف لكنه لم يقض عليه. حسنا، ولكن هل يمكننا تصحيح ذكريات الأشخاص على الأقل بعد قيامهم بتخزين معلومات خاطئة؟
لا يمكنك نسيان ما رأيته بالفعل
في العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر إيما غونزاليس، إحدى الناجيات من إطلاق النار في مدرسة بارك لاند، وهي تمزق الدستور الأميركي. كان المقطع في الواقع لقطة مزوّرة لغونزاليس وهي تمزّق ملصقا يستخدم في ميادين الرماية، تم تصويره ليرافق افتتاحية كانت قد كتبتها حول قوانين تنظيم حمل السلاح. حتى بالنسبة لأولئك الذين شاهدوا الفيديو الأصلي لاحقا، فإنه من المرجّح أن النسخة التي تم تزويرها ظلّت ماثلة في أذهانهم. رد أحد أعضاء الجمعية الوطنية للبنادق في حينه على تويتر مغرّدا: "إن مطالبة [غونزاليس] بالتنازل عن حقوقي (في حمل السلاح) هو حرفيا تمزيق للدستور الأميركي". بعبارة أخرى، يمكن أن تقوم الذاكرة بتحويل صور رمزية ومتخيلة إلى ماضٍ أشبه أن يكون ملموسا.
في عام ١٩٩١، فازت جانيت كوك، كاتبة في صحيفة واشنطن بوست، بجائزة بوليتزر عن مقال كتبته عن مدمن هيروين يبلغ من العمر ٨ سنوات ويعيش في ظروف بائسة في العاصمة الأميركية. لكن كوك قامت بإعادة الجائزة عندما تبيّن أن الصبي لم يكن موجودا. بعد عقدين من الزمن، ظهرت تلك القصة في دراسة حيث قدمها الباحثون على أنّها إمّا خيالية وإما واقعية. بعد قراءتهم للقصة، تم إعلام بعض المشاركين الذين كان قد قيل لهم إنها قصة واقعية بأن حقائق مهمة فيها اختلقتها المؤلفة. ثم قام الجميع بتقييم بعض الأطروحات المختلفة. قام أولئك الذين قرأوا القصة على أنها واقعية دون تصحيح بالتصديق بقوة أكبر من أولئك الذين لم يقرأوها على الإطلاق بالطرح القائل إن "البرامج الاجتماعية التي تهدف لمساعدة الشباب تبدو دائما أن مصيرها الفشل". المفارقة أن الأشخاص الذين قرأوا القصة وقيل لهم عن الافتراءات فيها أيضا آمنوا بصحة هذا الطرح وبالقدر نفسه. أي إن التصحيح لا يُجدي نفعا في زحزحة بعض المعتقدات، ولا إنباء الناس بأنها خيالية.
يمكن أن يكون للصور المزيفة تأثير الروايات المزيفة نفسه. أرى روبرت ناش، وهو عالم نفسي في جامعة أستون في إنجلترا، المشاركين البريطانيين صورا لحفل زفاف الأمير وليام وكيت ميدلتون. تم إعطاء البعض صورة حقيقية، فيما أُعطي البعض الآخر نسخة مزيّفة جيّدا تُظهر متظاهرين وأفرادا من الشرطة، فيما تم عرض نسخة مزيّفة بشكل رديء ولا يمكن لأحد أن يصدّقها إلى شريحة ثالثة. في وقت لاحق، قيل لهم أن يقدروا من الذاكرة عدد "المحتجين" بين الحشود المشاركة في الحفل. أعطى أولئك الذين شاهدوا إحدى الصورتين المزيّفتين تقديرات كانت أكثر من ضعفي العدد الذي ذكره أولئك الذين رأوا الصورة الحقيقية. يقول ناش: "حتى عندما تكون هناك صورة غير مقنعة، فلا يزال بإمكانها زرع فكرة كاذبة في أذهاننا".
صحيح أن الصور المزوّرة تدرج فكرة وجود المتظاهرين في أذهاننا، لكنها أيضا بطبيعتها المزوّرة تنتج في عقولنا نفي فكرة وجود المحتجين في أذهاننا في الوقت عينه: المتظاهرون كانوا هناك - كلا لم يكونوا هناك! لكن لسوء الحظ، فإن تأثير هذا النفي يخفت مقارنة بصورة للمتظاهرين، ربما لأننا نفضّل تذكر الأحداث الملموسة فيما أن النفي يبقى فكرة مجردة، مثل ملاحظة ألصقت على الصورة بحيث يمكن فصلها بسهولة. بحسب إحدى الأطروحات الفلسفية الذي تدعمه الأبحاث النفسية الحديثة، فإنك من أجل فهم شيء ما يجب عليك أن تصدقه أولا. في مثال الصورة أعلاه، فإنه من أجل استيعاب وجود المتظاهرين في الزفاف الملكي، يقوم العقل بالتقاط هذا المفهوم ثم تجريبه، من خلال بناء عالم يكون فيه هذا الوجود صحيحا. إن رؤية شيء ما تؤدّي إلى تصديقه ولهذا السبب يتم قبول صحة الأخبار والصور المزيفة، حتى عندما نزعم خلاف ذلك. فبمجرد رؤية شيء ما، لا يمكنك "عدم رؤيته".
في حين أن الأوصاف التقريبية وتزوير الصور باستعمال وسائل بدائية يمكن لهم أن يزرعوا ذكريات كاذبة، فإن أدوات الذكاء الاصطناعي الناشئة يمكن أن تفعل ذلك بشكل أكثر فعالية وتأثيرا بكثير. اليوم، إن أكبر اتجاه في عالم الذكاء الاصطناعي هو ما يسمّى بالتعلم العميق، حيث تحاكي البرامج المستوحاة من طريقة عمل الدماغ شبكات متعددة من الخلايا العصبية للتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات. لقد أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى بالتزويرات العميقة (deepfakes) حيث يمكن أن تقوم الخوارزميات بجمع مقاطع الفيديو أو الصوت غير المرتبطة ببعضها البعض لإنشاء لقطات يقول فيها الأشخاص أو يفعلون أشياء لا يفعلونها فعليا. في أحد تلك مقاطع الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت، يقوم الممثل الكوميدي جوردان بيل بإضفاء صوته على تزوير عميق للرئيس أوباما وهو يحذرنا من التزويرات العميقة إيّاها: "على سبيل المثال"، يقول أوباما المزيف: "يمكن أن يجعلوني أقول أشياء مثل ...'الرئيس ترامب هو قطعة كبيرة من الغائط'"
أحد التطبيقات الأولى لبرامج "deepfake" كان وضع وجوه ممثلات شهيرات في مواد إباحية. عندما تصبح التزويرات العميقة هذه أكثر واقعية، سوف تتسلل إلى أذهاننا بشكل أعمق، بحيث إنها بحلول الوقت الذي يتم فيه فضحها أو تكذيبها، تكون قد زرعت بذورا عميقة من الذكريات والارتباطات الكاذبة. مثلا، يمكن أن يؤدي تلفيق لقطات إباحية متقدّمة لحبيبة سابقة إلى إفساد سمعتها بشكل لا يمحى. وبقدر ما تكون نوعية هذه التزويرات واقعية بقدر ما سوف يصعب نسيانها.
قد تقنعك التزويرات العميقة أنك ارتكبت جريمة لم ترتكبها. فلقد أظهرت لوفتوس وآخرون أنه من السهل زرع ذكريات كاذبة عندما يتعلّق الأمر بمعلومات حول حياة المرء، كما ثبت في حالة نحو ثلث من المشاركين في الدراسات المختبرية. مثلا، قد يؤدي إخبارك زورا أنك أضعت طريقك في مركز تجاري عندما كنت طفلا، أو أنك ركبت في منطاد هواء ساخن، أو سكبت العصير خلال زفاف على والدي العروس، أو حتى إنك شهدت حالة مس شيطاني، قد يؤدي ذلك إلى تذكرك لهذه لأحداث كأنها قد وقعت، وحتى إضافة تفاصيل جديدة عليها! استخدم الباحث ناش مقاطع فيديو مزوّرة لجعل المشاركين يعتقدون أنهم قاموا بالغش خلال لعبة قمار مثلا. قد لا يكون بعيدا اليوم الذي يقوم فيه محقّقون فاسدون باستعمال تزويرات عميقة واقعية -مقرونة بالتلاعب خلال الاستجواب- لحمل الأبرياء على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
يقول ناش: "لقد أصبح من الصعب بشكل متزايد على الناس أن يميّزوا ما هو صحيح مما هو خطأ في ذاكرتهم". إن تزوير الصور الفوتوغرافية هو تكتيك قديم جدا، لكن مشاهدة مقطع فيديو مزيف عبر الإنترنت محمّل بتفاصيل غنية "يضاعف مصداقية (الكذبة) بمئات المرّات".
من هو في خطر التعرض للخداع؟
قد تعتقد أنك محصن ضد التلاعب بذاكرتك. قد تعتقد أنه بإمكانك اكتشاف القصص والصور المزيفة بسهولة، وأنه عندما يتم تصحيح معلوماتك فسوف تقوم بمراجعة حساباتك وفقا لذلك. أنت محق في أن بعض الناس أكثر عرضة للتضليل والتلاعب بذكرياتهم، لكن لا يوجد أحد غير معرّض للخطر بالمطلق. هناك مجموعة من العوامل تؤّثر على مدى تمسّك الناس بالواقع. مثلا، فإن ميل الشخص إلى الانغماس في التجارب المعاشة يرتبط بوجود ذاكرة شخصية قابلة للتأثير. فالأشخاص الذين يحرزون درجات عالية على مقياس الانغماس ("عندما أستمع إلى الموسيقى، أنغمس فيها لدرجة أنني لا ألاحظ أي شيء آخر") لديهم ذكريات أقل دقة. أما أولئك الذين يمرّون بتجارب انفصالية -نسيان سبب دخولهم الغرفة أو أحلام اليقظة التي تبدو أنها حقيقية- يتذكرون خطأ الكلمات في تمارين مثل اختبار الكرسي على أنها ذكريات حقيقية.
لقد وجد بينيكوك أن تقبّل "الهراء العميق" قد يكون أيضا مؤشرا يتنبأ بقابلية تصديق الأخبار المزيفة. على سبيل المثال، فإن الأشخاص الذين يرون درجة أكبر من "العمق" في حكم فلاسفة شعبيين مثل ديباك شوبرا (المترجم: المعروف بتعليبه لأفكار سطحية بقالب فلسفي يبدو أنه عميق) واجهوا صعوبة في تمييز عناوين الأخبار الكاذبة عن تلك الحقيقية. إذن يبدو أن أولئك الذين يميلون إلى الانغماس الذاتي والانفصال والإيمان بالأفكار الفلسفية الباطنية هم الأكثر احتمالا للعيش في عوالمهم الداخلية وذكرياتهم الخاصة بهم، غير قادرين على التمييز بين الإدراك والخيال.
تلعب القدرة المعرفية أيضا دورا في هذه الظاهرة، حيث تُظهِر الدراسات وجود ارتباط بين التذكر الخاطئ وانخفاض معدّل الذكاء، وانخفاض كفاءة الذاكرة العاملة (القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها في حالة الوعي)، وضعف الأداء في المهام الإدراكية مثل تمييز الإيقاعات والتعرف على الوجوه. أي إن الأشخاص ذوي الذاكرة العاملة الضعيفة هم أكثر قابلية للاحتفاظ بمعلومات حول حدث تم إخبارهم أنه صحيح ثم تم نفيه. كما أن الأشخاص ذوي معدل الذكاء المنخفض هم أكثر قابلية لتكوين آراء سلبية حول شخص ما حتى بعد أن يتم التراجع عن اتهام كاذب ضدّه.
كما أن العمر عامل مهم أيضا. فلقد تبيّن أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على ٦٥ عاما هم أقل قدرة على تحديث معتقداتهم بعد تكذيبها مقارنة بالأشخاص الأصغر سنا. لكنهم في بعض الأحيان أفضل فيما يتعلّق بمقاومة تأثير الألفة، ربما لأنهم يعتمدون أكثر على المعرفة من الحدس، أو ربما هم أفضل في استرجاع وتطبيق المعرفة بعد عقود من الخبرة. وجد مختبر لوفتوس أيضا مجموعة من العوامل الشخصية المرتبطة بقابلية الذاكرة على التأثّر بالتضليل، ومنها قوة التوجيه الذاتي، والمثابرة، والقدرة على التعايش مع المشاكل، إذ إن هذه العوامل قد تجعل الناس أكثر ثقة في ذكرياتهم.
لا أحد، مع ذلك، محصن ضد التلاعب بالذاكرة. لقد وجد بينيكوك مؤخرا أن ثلاثة عوامل -القدرة المعرفية، أسلوب التفكير التحليلي، وتجنب حالات عدم اليقين- لم تفشل فقط في تخفيف تأثير الألفة، بل هي لم يكن لديها أي تأثير على الإطلاق. هذا فيما ترى لوفتوس أن العوامل الظرفية يمكن أن تؤثر بشكل أكبر عندما نكون أكثر عرضة للإرباك العقلي: مثلا فإن الذكريات التي يتم تخزينها في حالة الأشخاص الذين لا يتمتعون بقسط كافٍ من النوم هي أكثر قابلية للتلف بحيث يؤدّي السهر المتكرر إلى تسهيل طريق الروايات الخاطئة نحو تغيير ذكريات الناس.
كما أن احتمال أن نقول إن حدثا ما قد حدث بالفعل هو أكبر عندما يأتي من مصدر موثوق به، أحد الوالدين على سبيل المثال. ونحن عرضة لقبول صحّة الأنباء التي تتماشى مع أيديولوجياتنا. بالاعتماد على صور لأحداث عامة ملفقة، وجدت لوفتوس مثلا أن الليبراليين كانوا أكثر عرضة من المحافظين لتذكر عطلة بوش (المزيفة) أثناء إعصار كاترينا، فيما كان المحافظون أكثر عرضة لتذكر مصافحة أوباما (المزيفة) مع أحمدي نجاد. في دراسة بينيكوك حول تأثير الألفة باستخدام عناوين الأخبار الكاذبة (مثل "هيلاري كانت مخمورة")، تبيّن أن مؤيدي ترامب وكلينتون كانوا أكثر مقاومة لقبول حقيقة القصص التي تهاجم مرشحهم المفضّل. (ولكن حتى في هذه الحالات، تذكر الناس أشياء لم يرغبوا في تصديقها).
إن الاختلاف في وجهات النظر هو شيء -العديد من المعتقدات الواقعية يمكن أن يتم تفنيدها بالدليل والبرهان- وخداع الذاكرة هو شيء آخر. في الحالة الثانية، يتم تعميق الانقسام الاجتماعي الناتج عن وجهات النظر المستقطبة. إذ يقول ناش: إن الأنباء والصور المزيفة "ستخلق فرصة أكثر فأكثر لتعميق الانقسام بين المجموعات". سوف يصدّق الناس ويتذكرون فقط تلك الأشياء التي تناسب وجهات نظرهم، وإذا كان هناك شيء لا يتناسب معها، فسيقولون إنه مزيف. عندما لا تعرف شيئا ولكن يمكنك تذكّره في ذهنك، فهل ستستمع إلى شخص يخبرك، أساسا، أنك لست مخطئا فحسب بل مجنون أيضا؟
كيف تحمي نفسك من التحريف؟
كيف تحتوي الانتشار الفيروسي للمعلومات الخاطئة وتحصّن ذاكرتك ضدها؟ من الممكن بناء عدد من الدفاعات ضدّ الأكاذيب، على الرغم من أنها لن تكون فعالة إلا بشكل جزئي ضد الهجمات الآخذة في التطور والتعقيد بسرعة كبيرة.
تصحيح المعلومات: لا تؤدي التصحيحات دائما إلى محو المعلومات المغلوطة من الذاكرة، ولكن ستيفان ليفاندوفسكي وجد أن التصحيحات المفصّلة تعمل بشكل أفضل من تلك المبسّطة، وأن تكرار التصحيحات يعزز من فعاليتها. ويوصي ليفاندوفسكي أيضا بتقديم حقائق جديدة لتحل محل الحقائق الخاطئة. كما أن شرح مصدر الحقائق الخاطئة يزيد من الشكوك حول المصادر السيئة. يقول: "لقد تطورنا كبشر لتصديق الأشياء… نحن لسنا نبيهين فيما يتعلّق بالتخلي عن الاعتقادات ما لم يتم استبدال بديل يشرح العالم بشكل أفضل بها".
القوننة: إن حظر المعلومات الخاطئة أمر صعب عموما بسبب قوانين حرية التعبير. ومع ذلك، يقول العلماء الذين يدرسون "التزويرات العميقة" إن بعض أنواع التعبير لا يجب أن تكون محمية مثل التعبير المضلل، أو القدح والذم، أو التحريض على العنف، أو انتحال شخصية المسؤولين الحكوميين. كما أنه غالبا ما يصعب تعقب المزورين الفرديين ومشاركي الأخبار المزيفة، ولا يمكن مقاضاة منصات التواصل الاجتماعي بسهولة كناشرين. ومع ذلك، فإن فيسبوك و تويتر وغوغل ليسوا محصنين من إقرار قوانين جديدة تمنحهم مسؤولية أكبر عن ما يتم نشره عبر منصاتهم.
الرقابة: إن أنواع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نفسها المستخدمة في محاكاة البشر والتلاعب بهم عبر الإنترنت يمكن استعمالها للرقابة على المحتوى المزيف والمؤذي. لكن التحقق من الحقائق وصقل خوارزميات عرض الأخبار يتطلب تحليل الأخبار والحكم الأخلاقي عليها بالإضافة إلى الحس السليم، وهذه أشياء لا يمكن أتمتتها. يقول هاني فريد: "هذه مشكلة إنسانية للغاية؛ وتتطلب تدخلا بشريا".
الجنوح نحو التكذيب عوضا عن التصديق: "السلاح الحقيقي الوحيد هو الشك"، يقول روبرت ناش، قبل أن يستدرك على الفور عدم قابلية ذلك للتطبيق. حتى لو كان من الممكن تعميم الشك، فإن التشكيك في كل شيء سيأتي على حساب حسن الأداء اليومي. "حتى كوني بمنزلة خبير في الذاكرة، فأنا لا أحبّذ عدم الثقة في ذاكرتي". مع ذلك فإن طرح القليل من الأسئلة قد يذهب شوطا بعيدا في الحماية من الأكاذيب.
ترجمة: كريم طرابلسي
هذا المقال مترجم عن Psychology Today
الأخبار الكاذبة.. كيف تم تحويل ذكرياتنا إلى سلاح ضدنا؟