"لو أنك سياسية لقلنا إن تعيينك مجون في حارة المجانين، ولما شغلنا البال به، لكنك أديبة، تكتبين الحرف بالوشم المقفى والحلال، فلماذا تسرقين الآهة من فم أم الشهيد وتعيدينها للبشير" هكذا علق أحد رواد مواقع التواصل على تعيين الشاعرة السودانية روضة الحاج وزيرة للثقافة والسياحة.
ما إن أذيع اسم الحاج ضمن طاقم وزراء جدد بالحكومة حتى ضجت وسائل التواصل بمواقف متباينة بعضها حانق وناقد للقرار، وبعضها مرحب به لأن الاختيار "صادف أهله".
روضة الحائزة على لقب "شاعرة سوق عكاظ" وتابعها الملايين في برنامج "أمير الشعراء" دخلت معترك السياسة عندما تم تعيينها في البرلمان على خلفية "الحوار المجتمعي" ضمن مبادرة الحوار الوطني (2014-2016) والتي شارك فيها أيضا -إلى جانب السياسيين- أقطاب الفن والأدب والرياضة وشرائح أخرى، فكانت حصة بعض المشاركين تعيينهم أعضاء بالبرلمان بقرار مباشر من الرئيس.
شاعرة عكاظ
تخرجت روضة الحاج القادمة من شرق البلاد في جامعة النيلين بعد أن أنهت دراستها بقسم اللغة العربية وآدابها، وأكملت دراستها العليا بجامعة أم درمان الإسلامية.
بدأت عملها في إذاعة كسلا مسقط رأسها، قبل أن تنتقل إلى الإذاعة القومية في أم درمان، ثم اتجهت إلى التقديم التلفزيوني عبر برنامج "سفراء المعاني" الذي كان حوارا فكريا ناضجا بين رموز الفكر والشعر والثقافة العربية.
أظهرت منذ وقت مبكر اهتماما وبراعة في نظم الشعر منذ صغرها لكن نجمها سطع بقوة حين حازت لقب "شاعرة سوق عكاظ" بالسعودية لعام 2012 كأول عربية تحصد هذه الجائزة من بين 35 شاعراً من ثماني دول عربية.
ثم تابع الملايين روضة تظهر في برنامج "أمير الشعراء" الذي كان يعرض على تلفزيون أبو ظبي، وسجلت فيه تفوقاً لافتًا أسهم في ترسيخ شهرتها، وباتت من بين الشاعرات اللاتي يحزن المراتب الأولى بالوطن العربي، متميزة بفصاحة اللغة وعمق اختيار القصائد والتعبير عن شواغل النساء بشكل غاية في الدقة والبساطة.
وحصلت كذلك على جائزة أفضل محاور من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وولجت في الأعوام الأخيرة دنيا الصحافة حين أسّست وترأست تحرير مجلة دورية باسم "السمراء".
ولروضة الحاج خمسة دواوين شعرية بينها "عش القصيد، في الساحل يعترف القلب، للحلم جناح واحد، مدن المنافي".
جدل واسع
حالة الاجماع والإعجاب الكبير بالشاعرة تبددت بقوة حال ظهور اسمها في قائمة المختارين للدخول ضمن حكومة الطوارئ، فانقسم الناس حيالها بين رافض باعتبارها "تخصم من رصيدها الكثير" ومتحمس للقرار باعتبار أن "روضة تستحق المنصب عن جدارة".
وخلال عقود من الحكم في البلاد لم تجلس على مقعد وزارة الثقافة أية سيدة، رغم أن المرأة حظيت بمشاركة واسعة خلال الأعوام العشرة الأخيرة خاصة في المجال السياسي، فهي تحوز على 25% من مقاعد البرلمان بقرار رسمي، كما ارتقت علاوة على ذلك أعلى مراتب العمل المهني في مجالات مختلفة.
ومع ذلك، لم يكن مقبولاً لدى كثيرين بهذا التوقيت أن ترتضي روضة بمقعد وزاري وسط حالة الاحتقان الشديدة التي تشهدها البلاد منذ نحو أربعة أشهر مع تكاثف الاحتجاجات المنادية بتنحي الرئيس ورحيل نظامه.
رد القصائد
وكتب الطبيب ياسر يوسف -على صفحته بموقع التواصل فيسبوك- ما يشبه النعي لروضة بسبب قبولها التوزير، وانتقد بقوة صمتها حيال ما شهدته الاحتجاجات الأخيرة من قتل وعنف دون أن تؤازر المتظاهرين.
وقال "اليوم أيقنا أنك لم تعودي تحتملين يا روضة، فرددنا عليك قصائدك كلها، فإن ضحكتِ فرحاً في بساط السلطان، أو بكيتِ حزناً في حقول كسلا الوريفة، فكله عندنا سيّان. لم تعودي أميرة للشعر، فأمراؤنا أطفالٌ يكتبون الشعر بحناجرهم وشباب يكتبون القصائد بدمهم، فإن فات عليهم أن ينظموها حروفاً، فإنهم سطروها معاني وتضحيات ستظل خالدة في ذاكرة الوطن ويسجلها التاريخ بأحرف من نور".
وكتب الصحفي عزمي عبد الرازق "روضة أفضل من تقرأ الشعر وأسوأ من تكتبه، وهذا يؤهلها للعمل في الإذاعة وليس وزيرة للثقافة والسياحة، ولم يشعر أحد بوجودها في البرلمان طيلة السنوات الماضية، كل ما يميزها أنها ابنة النظام وكذلك البقية الذين تم تعيينهم اليوم".
وفي المقابل، سطر آخرون عبارات الثناء والدعم لاختيار الشاعرة في منصب الوزير، فكتب الإعلامي علي بن تميم المدير العام لشركة أبو ظبي للإعلام تغريدة على تويتر مهنئا "القرار صادف الاحتفال بيوم تسلّمها بُردة إمارة الشعر. وأضاف "الشاعرة روضة مبدعة، ويحق لبلدها أن يفخر بها".
وقال منصور المفتاح الشاعر السوداني المقيم بالولايات المتحدة للجزيرة نت إنّ روضة من جيل مختلف، قريب لأنفاس الشباب المتطلع، تجيد اللغة وفنونها وتعرف فقهها. وقطعاً تعرف التراث والآداب، قديمها وحديثها. وهي صاحبة حضور إعلامي عظيم وثبات عجيب عند القول وثقة عالية فى نفسها، فإن كرمها أهل المرابد كلها وحصدت الجوائز ولبست عباءة أمير الشعراء، فلماذا لا يكرمها وطنها وإن فعل فقد كرم نفسه".
وأضاف "روضة لا تلحن القول ولا تحني هامتها. عالية همتها، قادرة على أداء مهمتها وتجيد كل الآداب فصيحها ونصيحها وعاميها، فلم لا تنال شرف تلك الوزارة والتي حتماً ستنال شرفها".
أمانة ثقيلة
والمؤكد أن الوزيرة لم يفت عليها دقة الظرف الراهن، فبعد أدائها القسم بوقت وجيز، بعثت إلى إحدى مجموعات تطبيق التواصل الفوري "واتساب" برسالة تشكر فيها المهنئين وتتمنى أن يدعوا لها بالتوفيق لأنها تحتاج تلك الدعوات -كما قالت- للنهوض بـ "أمانة ثقيلة في هذا الوقت الثقيل".
وخلال تصريحها في القصر لرئاسي، أعربت روضة عن شكرها وتقديرها للثقة التي أولاها لها رئيس الجمهورية داعية المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي والسياحي لدعم جهود الوزارة بما يمكّنها من القيام بدورها على الوجه المطلوب تجاه قضايا الثقافة لعكس الموروث السوداني الأصيل المتصل بقيم ومثل الشعب السوداني.
المصدر : الجزيرة