صيد السحرة وقارب السلطة الغارق

2 أبريل, 2019 - 11:47

تتواصل الانتفاضة الشعبية في الجزائر للأسبوع السادس على التوالي بوتائر متصاعدة تبلورت خلالها شعارات أكثر وضوحاً حول الإصرار على مطالب التغيير الجوهري في حياة البلاد، ورفض الإجراءات التجميلية التي تستهدف الالتفاف على الحراك وإفراغه من مضمونه العميق، وإعادة إنتاج النظام القديم. وعلى وقع هذا الزخم المتعاظم تتسارع التطورات على أصعدة عديدة تبدأ من الاحتجاج ذاته لجهة الكمّ والنوع، وتشمل أيضاً مختلف أجهزة السلطة الحاكمة ورئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة نفسه.
وفي هذا السياق راجت تقارير إعلامية تفيد بأن بوتفليقة ينوي إعلان استقالته من المنصب، الأمر الذي يعني تلقائياً نقل سلطات رئيس الدولة إلى رئيس مجلس الأمة لمدة أقصاها 90 يوماً، تشهد تنظيم انتخابات رئاسية لا يحق للرئيس الانتقالي الترشح لها، طبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري. وهذا السيناريو، إن صحّ، سوف يكون مختلفاً عن دعوة رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح إلى تفعيل المادة ذاتها، رغم أن النتيجة تبدو واحدة من حيث مغادرة بوتفليقة موقع الرئاسة قبل نهاية العهدة الرابعة الحالية.
فالفارق ينطوي على مغزى رمزي وفعلي كبير بين انتقال دستوري بناء على استقالة الرئيس، وانتقال يفرضه الجنرالات بإعلان عدم أهلية الرئيس لممارسة مهامه. يزيد في قيمة الفارق أن مواقف رئيس الأركان تقلبت مراراً منذ انطلاق الحراك الشعبي، إذ بدأ من اتهام المتظاهرين بالتبعية لـ«جهات مشبوهة» تحاول «تعكير صفو الشعب الجزائري التواق إلى العيش في كنف الأمن»، ثم انتقل إلى إطراء التظاهرات واعتبار مطالبها مشروعة، ويستقر اليوم على المناداة بتفعيل المادة 102 وسط التلميح مجدداً إلى «اجتماعات غير شرعية» تستهدف الجيش هذه المرة.
ومن جانبها لم تكد حكومة نور الدين بدوي الجديدة ترى النور حتى خرجت الجماهير في الليلة ذاتها للتعبير عن رفض وزارة تصريف أعمال سوف تقع على عاتقها مسؤولية إدارة مرحلة مقبلة حساسة وحافلة بالاستحقاقات والمخاطر، خاصة وأنها عكست توازنات النظام القديم ذاته وكشفت مقدار الترهل في جسم السلطة. فما الذي كان يبرر تعيين رمطان لعمامرة في موقع نائب رئيس الحكومة إضافة على منصبه كوزير للخارجية، وما الذي يبرر إقالته بعد أسابيع قليلة من جولة عالمية سعى خلالها إلى كسب تأييد روسيا وأوروبا لإعادة ترشيح بوتفليقة؟ وسوى تأكيد هيمنة الجنرالات على كثير من مفاصل القرار في البلاد، ما الذي يفسر استمرار تسمية قايد أحمد رئيساً للأركان ونائباً لبوتفليقة في وزارة الدفاع، وهو الذي دعا أخيراً إلى إعلان عجز الرئيس عن أداء مهامه؟
وعلى مستوى أجهزة الدولة العسكرية والأمنية بصفة خاصة، كان توقيف رجل الأعمال علي حداد المقرب من بوتفليقة وحلقة الفساد الأضيق، بمثابة تدشين معلن لطور صيد السحرة، الذي لم تتضح بعد وجهته الإجمالية وأي صف يخدم في بنية السلطة الراهنة.
فهل يمكن لقرارات من نوع مصادرة جوازات سفر عدد من كبار رجال الأعمال، ومنع طائراتهم الخاصة من الإقلاع عبر منافذ البلد الجوية، أن تصدر عن جهات بيروقراطية من مستويات دنيا في الدولة؟ أم أن تلهف الكثيرين من رجالات السلطة على مغادرة سفينة النظام الموشكة على الغرق بدأ يأخذ صيغة صراع مراكز القوى تارة، أو فوضى في إدارة توازناتها تارة أخرى؟

" رأي القدس العربي"