حتى فترة قريبة، ظل ارتياد المقاهي في العاصمة الموريتانية نواكشوط، مقتصراً على أفراد الجاليات العربية والأجانب.. غير أنه بمرور الوقت، أصبح الموريتانيون، و خاصةً الشباب يشكلون غالبية زبائنها الدائمين. ويمثل الطلاب الذين درسوا في المشرق، أول من بدأ ارتياد هذه المقاهي، حيث اشتهرت لقاءاتهم الأولى بتنظيم حلقات للنقاش في قضايا الفكر والسياسة. كما كان بعضهم الآخر يتردد عليها لقضاء فسحة بين الأصدقاء هروباً من الروتين و أجواء الملل داخل البيت.
و في فترة لاحقة، انتشرت هذه المقاهي داخل العاصمة، وساهم بعض الأشقاء المغاربة والتوانسة في افتتاح مقاهي جديدة في وسط المدينة، بعد أن كانت مقتصرة على حي تفرغ زينة الراقي، مثل المقهى التونسي الذي ذاع صيته، حتى خارج البلاد.
و شكل هذا التوسع لأعداد المقاهي، فرصة للكثيرين، فأصبحوا يرتادونها يومياً لوجودها في قلب مركز النشاط للعاصمة، حيث مكاتب الدوائر الحكومية والشركات والأسواق. يقول الحسن، و هو أستاذ جامعي، إن المقهى أصبح بالنسبة للشباب الموريتاني، المكان الأنسب للقاء الأصدقاء، مؤكداً أن التحولات الطارئة في المجتمع وظروف البطالة تدفع بعض الشباب للهروب من البيت إلى المقهى.
ويضيف: "الأمر قد لا يكون سيئاً لأن ضغوط الواقع تجبر هؤلاء للجوء إلى أصدقائهم من الموظفين أحياناً لمد يد المساعدة لهم، وفي بعض المرات للبحث عن فرصة عمل، لأن جميع الأنشطة مركزة هنا في قلب المدينة". كما أن المقهى مجال مفتوح، ويوفر لرواده جواً للفسحة، و لإبرام بعض الصفقات، خاصة مع الأجانب.
ويؤكد الحسن "إنه باختصار مكان ندفع فيه نقوداً بسيطة لقاء خدمة نحتاجها، لأننا في النهاية مجبرين على ذلك ومجاراة المتغيرات الاجتماعية وتفشي ظاهرة البطالة التي أصبح يعاني منها كثير من الشباب".
أصبح المقهى بالنسبة للموريتانيين وجهة مفضلة وضرورية، لكنها وجهة تخفي في ثناياها حكايا وأسرار. ولن يدرك أسرارها إلا من خَبر عالم المقاهي في نواكشوط وأصبح جزءاً منها، يقضي فيها نهاره آملاً حين يعود إليها في المساء أن يطول بها سمره مع أصدقائه إلى وقت آذان الفجر من كل يوم.
"شبكة حياة اجتماعية"