أراد الغرب تجريب اختراعه العجيب «السينماتوغراف» خارج حدود فرنسا، للتأكد من نجاحه التقني، وتنويع التجارب عليه، وكانت المغرب وتونس والجزائر كمستعمرات فرنسية مؤهلة للقيام بذلك، من هنا دخلت الفضاءات المغاربية الأرشيف المصور، وكانت بعض أنماط العيش مودعة في السجلات الأولى لتاريخ السينما، ورغم ذلك لم تنطلق السينما في هذه البلدان منذ ذلك التاريخ، والسبب يعود إلى معاناتها الاستعمار، الذي بادر إلى إنتاج أفلام كولونيالية عنها، تميزت في أغلبيتها بعدم الموضوعية والنمطية، واصفة الأهالي بالوحشية والجهل وعدم التحضر، كي تقدم تلك الوثائق للرأي العام الداخلي، بدعوى أنها تقوم بعمل إنساني خالص.
يؤكد محمد أشويكة في كتابه «السينما المغاربية» أنه بعد انسحاب دبابات المستعمر لم تتطور السينما كما ينبغي، وظلت متعسرة حتى الآن ببعض الدول، بل لا يمكن الحديث عن بنية سينمائية ترعاها الدولة في ليبيا مثلاً، ولا يمكن الحديث عن ذلك في موريتانيا خارج مجهودات الأفراد كتجربة السينمائي «عبد الرحمن سيساكو» الذي يقيم بفرنسا، ورغم ما حصل في الجزائر بعد خروج الاستعمار، لم تسر الأمور كما يرغب فيها المهنيون الذين استطاع بعضهم أن يتجاوز الصعاب، كما هي حال المخرج محمد لخضر حمينه، الذي حصل فيلمه «وقائع سنوات الجمر» على السعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1975 وشاعت أسماء سينمائية جديدة، انخرطت في تجارب الإنتاج المشترك التي أثمرت أفلاماً مهمة مثل «حرب الجزائر»، وبدأ الإنتاج السينمائي في تونس من خلال تمويل وزارة الثقافة، وما كان يتم إنجازه من أشرطة وفيديوهات، عبر قطاع التلفزيون سنة 1967 إلا أن الانتظام لم يتحقق، ولم يثن ذلك السينمائيين التونسيين عن الانخراط في صناعة أفلام سينمائية، حازت جوائز عالمية.
يوضح الكتاب أن السينما المغربية بدأت رسمياً مع إعطاء الانطلاقة لاستوديوهات ومختبرات السويسي، واستحداث المركز السينمائي المغربي سنة 1944، إلا أن انطلاقتها كانت خارج هذا الإطار مع الرائد محمد عصفور، الذي تشكل تجربته استثناء خاصاً، بحكم أن الرجل عصامي التكوين، مارس مهناً سينمائية معقدة، كان يستعصي على غيره إنجازها، وهنا يقول المؤلف: «لا أعتقد أن أي سينما عالمية قد كتب لها مثل هذا الانطلاق؟ لذلك ينكر عليه بعض مؤرخي السينما المغربية ونقادها ومن يدير شأنها شرف البداية، وكأنهم يستكثرون عليه ذلك، رغم أن الرجل ترك لنا وثائق لا يمكن تجاوزها إذا أردنا الاحتكام إلى مفهوم التاريخ بمعناه المادي».
لا يتضمن هذا الكتاب جرداً تاريخياً مفصلاً للسينما المغاربية، وإنما يقارب تجارب تطرح أسئلة عميقة حول قضايا الإنسان المغاربي، كما أن الغرض منه تقريب المواضيع والأساليب الإخراجية من القراء العرب، ولا سيما المشارقة منهم والمغتربون، فالحركة السينمائية المغاربية تمثل حالة شديدة التميز، وبالغة الأهمية، حيث تعالج القضايا الإنسانية، من زاوية شديدة الخصوصية والتفرد، فلكل مجتمع من مجتمعات المغرب العربي سياقه الخاص، الذي ينعكس على إنتاجه الفني بشكل عام، والسينمائي بشكل خاص.
ويقدم الكتاب قراءة نقدية لتجارب عديدة رصدت هموم ومشكلات المواطن في المغرب العربي، كما رصدت أيضاً آماله وأحلامه وعلاقته شديدة التعقيد بالتراث، ما يفرض عليه نمطاً خاصاً على المستوى الفكري والحياتي، ويبني أفقاً مستقبلياً أكثر رحابة وأكثر انفتاحاً على الآخر.
الخليج الاماراتية