الأمية.. سرطان العرب ومنبع الإرهاب

22 يناير, 2019 - 10:50

العالم المهموم بالغد وبالتنوع الحضاري والثقافي يناقش الآن كيفية تنظيم رحلات خاصة للفضاء، وعدد من شركاته الخاصة ومؤسساته المتخصصة بدأت تخطط لإنتاج التاكسي الجوي، ولكننا في عالمنا العربي ــ الأمة التي أنزل عليها القرآن الكريم بكلمة أولى وساسية وهي «اقرأ» ــ مازال العدد الأكبر من دولها يفكر بافتتاح الكتاتيب لتعليم القراءة لمن يجهلونها، هنا وهناك..
وبينما بدأت أجهزة الكمبيوتر تختفي من دول العالم المتقدم باعتبارها باتت تراثاً معرفياً، مازلنا نفكر نحن من أين وكيف نرصد ميزانيات لشراء عدد من أجهزة الحاسب في بعض القرى والمدن في مصر والعراق والأردن والجزائر.

* تجربة رائدة للإمارات في مواجهة الظاهرة وتحقيق طفرة تعليمية
* واحد من كل 5 بالغين فوق 15عاماً يعانـي الأميـة بنسـبة 19%
وتتوقف الأمية وفق التعريف العلمي الحديث عند حد الأمية الأبجدية illiteracy التي تتمثل في الجهل بأساسيات القراءة والكتابة، لكنها تمتد إلى ما يعرف الآن بـ«الأمية الثقافية»، أو ما يطلق عليه functional illiteracy وهي أمية التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والشبكة المعلوماتية، وهو ما يفرض تحدياً جديداً أمام مختلف النظم التعليمية في الوطن العربي، إلى جانب مشاركة المجتمع بكافة أفراده ومنظماته وهيئاته، في التعاطي مع تلك المشكلة، التي باتت تتطلب الشروع في خطط قومية بمدد زمنية محددة، للقضاء على تلك المشكلة.
والأمية بلا جدال هي خطر محدق على المجتمع والأمة العربية خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي أدت إلى عدم وجود رقابة على وسائل الإعلام أو على خطباء المنابر، بحيث تستطيع بعض الجهات كسب الأميين إلى صفوفها من خلال دس معلومات خاطئة حول مفهوم الجهاد والدين، فضلاً عن ترسيخ الطائفية التي هي من أخطر الأمراض التي ابتليت بها مصر على سبيل المثال في تسعينات القرن الماضي، كما ابتليت العراق بمرض الأمية بعد 2003 عقب الغزو الأمريكي، وتنتشر كالهشيم في اليمن والآن في سوريا والعراق التي دمرها الأمريكان ومن بعدهم «داعش».
أرقام المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» تكشف حجم الكارثة، وتؤكد أن عدد الذين يعانون الأمية يبلغ 757 مليون شخص حول العالم (فوق 15 عاماً)، بينهم 115 مليوناً في مرحلة الشباب، و59% من هؤلاء إناث، وعلى مستوى العالم العربي، واحد من كل خمسة بالغين يعاني الأمية بنسبة (19 في المئة).
ورغم انفجار نسبة الأمية في مصر، إلا أنها لا تزال في الحدود الآمنة، مقارنة بعدد من الدول العربية الأخرى، فحسب تقارير حديثة لمنظمة اليونيسكو، تأتي مصر في مرتبة متقدمة على دول مثل موريتانيا التي تبلغ فيها النسبة نحو 49% من جملة السكان، والمغرب التي تصل فيها النسبة إلى 48%، ولا يزال هناك 10 ملايين شخص على الأقل يعانون آفة الأمية، كما تعاني نصف المغربيات فوق سن 15 سنة الأمية، أما في مصر، واليمن 46%، والسودان 39%، وجيبوتي 32%، والجزائر 30%
هناك تجارب مضيئة على طريق مواجهة هذه الكارثة، ومنها قيام عدد من الدول الخليجية بدأت منذ سنوات في إعداد وتنفيذ استراتيجيات متكاملة لمواجهة هذه الظاهرة وحققت إنجازات ضخمة في هذا الإطار، وتأتي الإمارات في مقدمة هذه الدول، حيث استطاعت خلال 20 عاماً فقط خفض نسبة الأمية، ما يزيد على 30% إلى ما يقل عن 2%، بل ووضعت استراتيجات ابتكارية تضمن من خلالها لتطوير التعليم جعلتها تتبوأ مركزاً متقدماً على مستوى العالم في التعليم وتطوير مناهجه،
ومؤخراً شرعت الحكومة المصرية في تطبيق نظام جديد، من شأنه أن يلعب دوراً كبيراً في القضاء على مشكلة الأمية الهجائية عند قطاع غير قليل من المصريين، ويقضي النظام الجديد بإلزام كل طالب جامعي بمحو أمية 4 مواطنين، واعتبار ذلك بمثابة مشروع تخرج يشترط الانتهاء منه، قبل الحصول على شهادة إتمام المرحلة الجامعية، وتستهدف الحكومة من ذلك محو أمية 300 ألف مواطن خلال عام واحد، بعد قبول نحو 30 ألف خريج مؤخراً للتعيين في مناظرة المعلمين.
هذه التجارب مبشرة.. ولكن على الدول العربية وضع استراتيجية متكاملة لتجفيف منابع الأمية، لانها إن فعلت ذلك فسوف تقضى تماماً على مرض السرطان الحقيقي الذي يفتك في عضدها ويهدد استقرارها ومسيرتها التنموية. 

نبيل عطا