حكايات عن الأمازيغ

26 ديسمبر, 2018 - 10:53

سألني ذات مرة صديق من أمازيغ المغرب عن مكان سكنى في موريتانيا، فقلت له بأنه العاصمة نواكشوط، ليرد علي قائلا:" ومن أي مدينة تنحدر، أي ما هو مسقط رأسك؟"، فجاوبته بأنه مدينة تدعى "بوتلميت"، تبسم وابتهج وقال:" هذه تسمية أمازيغية".
معلومة صديقي المغربي ليست بالاكتشاف بالنسبة لي ولا الغريبة؛ فبلدنا الشاسع والمترامي الأطراف، تحمل الكثير من الأماكن فيه أسماء أمازيغية، والرافد الأمازيغي في الثقافة المحلية واضح رغم انسحاق الانتماء للأمازيغ كعرق أو هوية، بعد تعرب أصحاب الأصول الأمازيغية وتفشي الانتماء العربي في موريتانيا، حيث أصبح مصدر اعتزاز وفخر.

تذكرت قصتي مع صديقي بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة، التي حلت في الثاني عشر من يناير، وقد بدأ الأمازيغ في الاحتفال بسنتهم سنة 950 قبل الميلاد "حسب التقويم الأمازيغي نحن في2967"، ولا يزالون يحتفلون بها في شتى أماكن تواجدهم، وتتعدد الأساطير الأمازيغية المؤسسة لكن أكثرها شيوعا هو أنها ذكرى انتصارهم على الفراعنة بقيادة الملك شيشنق، وبمناسبة هذه الذكرى فضلت ان أدردش حول الأمازيغ.
حديث في الأصل
يتواجد الأمازيغ في حيز جغرافي شاسع يقارب ربع مساحة القارة الإفريقية، يبدأ من غربي مصر حتى شمال مالي والنيجر، وفي جزر الكناريا أيضا، وقد استخدم قدامى الأمازيغ منظومة كتابية هي الخط الليبي الذي انبثق من تيفيناغ الطوارق، وهم سكان شمال إفريقيا منذ الأزل، وقد تحدث عنهم هيرودوت في أحاديثه عن الليبيين، تلك الأحاديث التي ترجم وعلق عليها الدكتور مصطفى أعشي وقدمها في كتاب بعنوان" أحاديث هيرودوت عن الليبيين(الأمازيغ)"، وقال هيرودوت وهو يتحدث عن إفريقيا التي كان يطلق عليها اسم ليبيا: " ففي هذه الأرض بقي لي أن أقول، وحسب معرفتنا، إنها مأهولة بأربعة شعوب لا أكثر: شعبان أصيلان وشعبان أجنبيان. الأصيلان هم الليبيون والأثيوبيون، يستوطن أحدهما شمال ليبيا والاَخر جنوبها. الأجنبيان هما الفينقيون والاغريق".
ويختلف الباحثون حول أصول الأمازيغ، وقد تعددت الأطروحات والنظريات حول ذلك ولم تسلم الرؤى من الأبعاد الإيديولوجية؛ فالبعض يرى أنهم من الميديين أو الفرس أو من بلاد كنعان أو عرب من اليمن وحتى من أصول هندية، ويرجع البعض أصولهم إلى تراقيا وبحر إيجة واَسيا الصغرى، وهناك من يقول أنهم من أوربا الشمالية وشبه الجزيرة الإيبيرية وجزر المتوسط وشبه الجزيرة الإيطالية.
تتعدد إذن السرديات حول أصولهم ويربط الكثير من الباحثين تلك الأصول بالغزوات أو الهجرات، لكن هناك من يرى أنهم لم يقدموا من أي مكان خارج الشمال الإفريقي، بل أنهم هم سكان تلك الأرض منذ قديم الزمن.
كان للأمازيغ أو الليبيين احتكاك بجيرانهم الشرقيين، كالمصريين، وقد أطلقت المصادر الفرعونية على الأمازيغ العديد من الأسماء، مثل، التحنو ثم المشواش أو الأمازيغ، واستخدم المصريين أيضا كلمة ريبو أو ليبو للدلالة على سكان المناطق الواقعة غرب مصر والممتدة إلى المحيط الأطلسي، وقد دخل الأمازيغ في صراعات ونزاعات مع مصر، وهاجموا مصر في عهد رمسيس الثالث (1166-1198 ق. م.). لكنهم هزموا أول الأمر إلا أن المعارك المستمرة جعلتهم ينهكون مصر، حتى أن مجموعات أمازيغية سيطرت على أجزاء منها وهو ما فرض على رمسيس الثالث مهادنتهم، وقد تولى العديد من قادتهم مناصب في الجيش والشؤون الدينية، وكانت لهم أدوار أخرى في التاريخ المصري مثل مرحلة الاحتلال الفارسي لمصر والمرحلة الهيلينسية.
الأمازيغ والدين
بدأت علاقة الأمازيغ مع الأديان منذ القدم، من الوثنية حتى الأديان السماوية، وقد تحدث كتاب أبحاث في دين الأمازيغ للباحث الفرنسي روني باصي، عن بعض مراحل تلك الرحلة ومميزاته وتعدديتها، حيث يقول باصي:" إذا كانت الوحدة قد خلقتها اللغة، لم يقع الأمر نفسه مع الدين، أقصد الدين الوثني(...) يبدو أن حوادث الأرض، من جبال ومغارات وصخور، كانت قد روقبت من قبل الأمازيغ، وإن لم يكن كاَلهة، فعلى الأقل كمأوى لمخلوق إلهي. يحوز هذه الدرجة، على الأقل في الغرب، مرتفع أطلس" عامود السماء"، كما سماه سابقا أهل البلد زمن هيرودوت".
ويضيف:" تظهر الكهوف عند الأمازيغ الأوائل أنها كانت محط تقدير(...) لكن لا شيء جاء إلى حد تأكيد إله للكهوف(...) أما المعبود الأشهر الذي تمت الاشارة إليه فهو الإله باكاكسBacax، الذي عثرنا واستطلعنا مغارته".
ويسرد الكتاب تفاصيل أخرى عن عبادات وطقوس كان الأمازيغ يمارسونها، ويصل لليهودية؛ فيقول:" لقد لاحظنا أن الجزء الأعظم من يهود شمال افريقيا، يستثنى منهم الذين في عصور معروفة، طردوا من أوربا بفعل الاضطهاد، لا ينتمون للعرق الاسرائيلي، ونعتبرهم عن حق من سلالة الأمازيغ الذين تبنوا اليهودية خلال العصر الروماني. في عصر ؤغيست".

بدأ المسلمون التوجه الفعلي نحو الأمازيغ والاحتكاك بهم من خلال حملة عقبة بن نافع -وقد سبقها ارهاصات، قام بها، عمرو بن العاص، عبدالله بن سعد بن أبي السرح ومعاوية بن حديج-، وبعد مرور قرن ونصف على تلك الحملة وبعد رفض شرس أصبح الإسلام دين أغلبية الأمازيغ، وينتشر فيهم اليوم المذهب المالكي، مع وجود قليل للإباضية في الجزائر وتونس وليبيا.
وقد برزت عبر التاريخ الاسلامي أسماء أمازيغية تركت كبير الأثر، أذكر منها: ابن رشد، البوصيري وعباس بن فرناس، ابن البيطار وطارق بن زياد ويوسف بن تاشفين.
تاريخ الأمازيغ حافل ولهم ثراء ثقافي باذخ ومميز، وأهم ما يمزهم تاريخيا حال المرأة في الأسرة؛ فتحظى بالتقدير والتبجيل، ووضعية خاصة؛ فتعيش في ظل قدر كبير من الحرية وحتى أن الأبناء ينسبون لها.
وفي التاريخ المعاصر خاض الأمازيغ نضالات من أجل الاعتراف بهم كمكون ورافد للهوية في بلدانهم، وقد حققوا نجاحات في المغرب والجزائر، حيث فرضوا الاعتراف بلغتهم في البلدين، وفي السنة الأمازيغية الجديدة أتساءل عن مصير الأمازيغية او "كلام أزناكة" حسب التعبير المحلي في بلدي، حيث تكاد تختفي ومهددة بالانقراض؛ ففي تقريرها لسنة 2009، قامت لجنة القضاء على التمييز العنصري (CERD) التابعة لليونسكو بوضع "كلام أزناكة" كلغة مهددة بالانقراض.

أحمد ولد جدو مدون وكاتب موريتاني