تفاقم أزمة النقل العام داخل موريتانيا (تحقيق)

15 سبتمبر, 2018 - 15:20

تعاني موريتانيا أزمة في النقل العام داخل العاصمة وبين المدن الداخلية بفعل تهالك أسطول الحافلات الذي تمتلكه شركة النقل العمومي، ما جعل الآلاف من سكان العاصمة يعتمدون في تنقلهم على سيارات الأجرة الخصوصية ذات الأسعار الغالية والخدمات الرديئة، فضلاً عما تتسبب فيه من زحمة سير خانقة.

تزدحم طوابير الباحثين عن وسيلة نقل إلى أحياء العاصمة نواكشوط المختلفة، فيما يتسابق بعضهم إلى سيارات الأجرة التي لا تكاد تقف حتى تمتلئ بالركاب. أزمة البحث عن سيارة أجرة تتفاقم مع بداية الدوام ونهايته.

محمد عال ولد شيخاني، وهو صاحب محل تجاري في سوق العاصمة، يقول إنه يحتاج يومياً من ساعة ونصف إلى ساعتين للوصول إلى السوق بسبب عدم توفر وسيلة نقل وزحمة الطرق.

ويروي ولد شيخاني في حديث لـ”العربي الجديد” أن “عدم توفر حافلات كبيرة للنقل العام أدى إلى إقبال كثير على سيارات الأجرة التي لا يمكن أن تحلّ أزمة النقل في عاصمة يقترب سكانها من المليون نسمة، كما أن سيارات الأجرة تتبع نظام الخطوط بمعنى أنك لن تصل إلى بيتك مباشرة، وإنما على الطريق العام، وإذا كنت تحمل متاعاً أو حاجيات كثيرة لا بد من زيادة المبلغ الذي يدفع لسيارة الأجرة”.

المواطنون متضررون من قلة وسائل النقل

محمد سالم ولد المصطفى، وهو موظف في أحد البنوك أكد لـ”العربي الجديد” أنه اضطر لأخذ قرض بنكي لشراء سيارة لعدم توفر النقل العام في العاصمة، فسيارات الأجرة حسب ولد المصطفى لا تخضع للقانون والسائقون لا يتقيدون بالأعداد التي تتوفر لها مقاعد، بل يحملون في سيارة الأجرة العادية ستة ركاب عدا عن السائق في ظروف غير إنسانية، كما أنهم لا يتقيدون بخط السير، فيمكن أن يأخذ بك خط سير آخر إذا وجد زبوناً يدفع أكثر ويمكن أن ينزلك من السيارة بعد أن اتفقت معه.

هذا الأمر، دفع الكثيرين حتى من تعوزهم القدرة إلى شراء سيارة في ظل غياب بدائل، خاصة بالنسبة لأرباب الأسر، حسب ولد المصطفى، الذي أوضح أن “الحافلات التي وفرتها الدولة سنة 2011 تعطل أغلبها بعد أشهر من بدء استخدامها في العاصمة، ولم يقبل عليها المواطنون بسبب رداءة خدماتها هي الأخرى”.

تفاقمت أزمة النقل العام داخل نواكشوط بفعل التوسع الهائل للعاصمة خلال الأعوام الأخيرة وتمددها جنوباً وشرقاً بسبب توزيع ضخم للقطع الأرضية نفذته الحكومة، كما توسعت العاصمة شمالاً مع نقل جماعة نواكشوط إلى مقرها خارج العاصمة، وكذا المطار الجديد، في الوقت الذي لا يوجد نظام للنقل من وإلى المطار أو الجامعة باستثناء عملية نقل الطلاب التي تواجه انتقادات من طرفهم وصلت إلى حد الإضراب العام 2015.

فوضى عارمة في القطاع

ومنذ أن حلّت الحكومة الموريتانية المكتب الوطني للنقل عام 2005، وقطاع النقل يعيش حالة فوضى كبيرة بعد أن انسحبت الدولة تاركة المجال للخصوصيين، وفي العام 2010 عقدت الحكومة اتفاقاً مع شركات إيرانية لتوفير أسطول من الحافلات الضخمة المخصصة للنقل الحضري، واستلمت الحكومة الدفعة الأولى المكونة من 67 حافلة وأنشأت الشركة الوطنية للنقل العمومي لتشرف على مهمة تنظيم عملية النقل الحضري داخل العاصمة وبين المدن الداخلية، غير أن الصفقة مع الإيرانيين تعطلت بفعل تأخر دفع بعض المستحقات المالية بحسب وسائل إعلام موريتانية.

الحكومة الموريتانية تخلت عن سياسة خصخصة النقل العمومي عبر إنشاء شركة النقل العمومي، غير أنها حاولت تشجيع إنشاء شركة نقل خصوصية لتخفيف أزمة النقل، وهو ما تمثل في إنشاء عشرات الشركات المسؤولة عن النقل، غير أنها نشطت في النقل داخل المدن وبقيت مساهمتها محدودة بالنظر إلى غلاء أسعارها وضعف تغطيتها للأعداد الكبيرة للمسافرين.

غياب الرقابة على هذه السيارات

ومع بدء هذه الشركات الخصوصية توفير خدمات النقل الحضري بين المدن الداخلية بمواصفات جيدة نسبياً لا تزال غير قادرة على استيعاب الكم الهائل من المسافرين، كما بقيت أسعارها مرتفعة بالنسبة لقطاعات واسعة من الموريتانيين لتبقى سيارات الأجرة الوسيلة الأكثر استخداماً في النقل بين المدن الموريتانية، مع غياب الرقابة على هذه السيارات من حيث المواصفات والجاهزية والالتزام بقوانين النقل، حيث يلجأ السائقون إلى رشوة رجال الأمن عبر الدوريات المرورية ما يتيح لهم تجاوز القوانين المنظمة للنقل.

كما أن الحافلات الـ 67 تعطلت بعد أشهر من دخولها الخدمة، قبل أن تخصص الحكومة الجزء المتبقي منها لنقل طلاب الجامعة بالتعاون مع شركات خصوصية، إثر مظاهرات طلابية عارمة مطالبة بتوفير النقل للطلاب الجامعيين، بعد نقل الجامعة إلى خارج العاصمة نواكشوط.

وفيما تتحدث شركة النقل العمومي عن قرب اقتنائها لعدد من الحافلات ذات الحجم الكبير من الصين لحل أزمة النقل في العاصمة وبقية المدن، يبقى العمال والموظفون تحت رحمة سيارات الأجرة التي تفتقر للمواصفات والشروط المطلوبة، فضلاً عن عدم تقيدها بقوانين النقل والسير.

المصدر: العربي الجديد