اعتبر خبراء بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية «أن الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية التي ستشهدها موريتانيا فاتح سبتمبر/أيلول المقبل، «انتخابات مفصلية في تاريخ البلد السياسي والاجتماعي».
وأكد الخبراء في دراسة تشخيصية وزعها المركز للتو وتصفحتها «القدس العربي» أمس «أن مجمل النتائج المباشرة وغير المباشرة للانتخابات المقبلة، تعتبر مؤشرات دالة على الاتجاه الذي ستسلكه موريتانيا في مفترق طرق الأسئلة السياسية والاجتماعية المتعلقة بالانتقال السلمي للسلطة وطبيعة العقد الاجتماعي بين مكونات المجتمع، فضلًا عن مكانة التشكيلات السياسية ودورها المستقبلي».
ويقدم المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية نفسه على «أنه هيئةٌ بحثية مستقلة تُعنى بدراسة قضايا التنمية بمفهومها الشامل، واستشرافِ المستقبل، ورصدِ ظواهر وتحولات المجتمع وعراقيلِ تطوُّره».
وأوضحت الدراسة «أن الانتخابات المقبلة تنظم بأقل من سنة قبيل انتخابات رئاسية مصيرية يفترض أن تكون محطة للتناوب السلمي على السلطة لأول مرة في موريتانيا، وفق مقتضيات الدستور التي تمنع الرئيس الحالي من مأمورية ثالثة، بغض النظر عن اضطراب التصريحات التي يطلقها الرئيس ومعاونوه في موضوع مغادرته السلطة استجابة للنص الدستوري»، لذا، تضيف الدراسة، فإن مسألة من سيحل محل الرئيس هي السؤال الكبير المطروح للقوى السياسية وللمواطن العادي على حد سواء».
«ويواجه كل من الأغلبية والمعارضة السؤال المتعلق بمغادرة الرئيس؛ فبالنسبة إلى المعارضة، تضيف الدراسة، يلح سؤال من هو المرشح الذي سيكون قادرًا على مواجهة مرشحي السلطة بعد أن منعت مقتضيات الدستور على المرشحين الرئاسيين الأوفر حظًا من الترشح، ونعني زعيم حزب التكتل أحمد ولد داداه، وزعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، وأما بالنسبة إلى الأغلبية فيطرح السؤال عن الشخص الذي سيحظى بقبول الدولة العميقة وتقديمه على أنه ممثلها وهل ستتفق الأطراف المشكلة لهذا الكيان على مرشح واحد؟». وتابعت الدراسة التشخصية تحليلها لنتائج الاستحقاقات المنتظرة، مبرزة «أن الانتخابات المقبلة تأتي في ظرف اشتد فيه بروز الطابع السياسي للمطالب الاجتماعية للمكونات المجتمعية التي عانت من مظالم تاريخية، وفي ظل حضور متصاعد، وإن بطريقة صامتة، للتنافس الجهوي على السلطة، وينضاف هذان العاملان المستجدان إلى الحضور المتجذر للقبلية السياسية، ما يهدد الطابع الوطني للممارسة السياسية».
وطرحت الدراسة تساؤلات وصفتها ب «الحاسمة»، وأكدت «أنه ينتظر أن تجيب عليها نتائج هذه الانتخابات وأن يكون لها الأثر المحدد في المستقبل السياسي لموريتانيا، منها: «هل ستحصل المعارضة على أكثر من ثلث المقاعد؟» ؛ فمن شأن هذه النتيجة، تضيف الدراسة، أن تفشل أجندات النظام المفترضة، مثل إلغاء المواد التي تمنع المأمورية الثالثة أو تغيير النظام الرئاسي إلى نظام برلماني، حيث تنص المادة 99 من الدستور على أنه «لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية»، لذلك سيكون حصول المعارضة على أكثر من ثلث النواب مانعًا من إمكانية إجراء تعديل دستوري عن طريق الجمعية الوطنية». وكان السؤال الحاسم الثاني في الدراسة هو: هل سيحصل الحزب الحاكم على الأغلبية؟ وهنا أوضحت الدراسة «أن عددًا من المؤشرات يشير إلى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أصبح يعطي للحزب الحاكم اهتمامًا أقوى، منذ أن صار على وشك الخروج من الرئاسة، وهو أمر يمكن ربطه بسهولة بما عبر عنه هو شخصيًا من نيته البقاء في الساحة السياسية، لذلك فإن حصول حزب الاتحاد منفردًا على الأغلبية البرلمانية سيكون له تأثير قوي على استمرار تعويل الرئيس عليه في رسم سيناريوهات البقاء المؤثر في الساحة السياسية، كما أن من شأن النتيجة التي سيحصل عليها أن تحدد قوة الحلف المسيطر على هذا الحزب حاليًا وقدرته على تمرير مرشحه لخلافة الرئيس وهو العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه (حاليًا هو عمدة مدينة الزويرات الواقعة شمال موريتانيا)».
وأشارت الدراسة «إلى أن حصول الحزب الحاكم على الأغلبية ليس سهلًا، خاصة إذا استحضرنا أنه بالكاد حصل على هذه الأغلبية في الانتخابات السابقة التي قاطعتها غالبية الأحزاب المعارضة».
وكان السؤال الآخر الذي طرحته الدراسة هو: أي حزب سيحظى بزعامة المعارضة؟ قبل أن تبرز «أهمية هذه الانتخابات في كونها أول محطة برلمانية تشارك فيها أحزاب المعارضة كافة منذ 12 سنة، أي منذ انتخابات 2006 التي احتل فيها حزب التكتل الموقع الأول، فإذا استطاع حزب «تواصل» (محسوب على الإخوان) المحافظة على هذا الموقع الذي ناله في انتخابات 2013 في ظل مقاطعة زملائه في منسقية المعارضة فسيعني ذلك حصول إسلاميي موريتانيا على المكانة التي يحتلها نظراؤهم في العالم العربي بوصفهم القوة الثانية بعد الأحزاب التي تقف خلفها قوة الدولة».
وذهبت الدراسة في استخلاصاتها إلى أن «الانتخابات المقبلة تتزامن مع بروز عدة مستجدات سياسية وقانونية، بينها انتخابات المجالس الجهوية التي تجرى لأول مرة منذ إقرارها بـ «قانون الجهة» الذي صادق عليه البرلمان بداية السنة الحالية، ومن بينها انفجار الطموحات السياسية المتمثلة في بحمى الترشح من قبل الأشخاص والأحزاب الصغيرة التي تجلت في ترشح 97 لائحة لنواب اللائحة الوطنية العشرين، وترشح 94 لائحة لنواب اللائحة الجهوية للعاصمة، ومثلها في ذلك بقية الدوائر التي تنتخب وفق النظام النسبي كما هو الحال في العاصمة الاقتصادية، حيث تتنافس 34 لائحة على مقاعد نواب الدائرة الأربعة وفي مدينة كيفه ثالث مدن البلاد، حيث تتنافس 17 لائحة على مقاعد الدائرة الثلاثة».
«القدس العربي»