
يقدّم الأكاديمي التونسي المختص في الشأن الليبي البشير الجويني قراءة لأسباب لتجدد الاشتباكات بين الفصائل المسلحة في ليبيا، وكان آخرها الأسبوع الماضي في العاصمة طرابلس، والتي أفضت إلى مقتل عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة” الذي كان يتولى منصب قائد جهاز دعم الاستقرار.
ويتحدث الجويني الذي ألف كتاب “ليبيا العميقة… حتحات على ما فات”، خبايا صراع القوى الكبرى في العالم والشركات المتعددة الجنسيات على التراب الليبي.
ماذا حدث في طرابلس خلال الأيام الأخيرة، وأين تتجه الأمور؟
ما حصل في الأيام القليلة الفارطة في طرابلس، يعود بنا إلى التحشيدات التي لوحظت سواء التي خرجت من مصراتة بشرق طرابلس أو من مدينة الزاوية غربها، وهي تحشيدات بدأت مطلع شهر ماي، وكان واضحا أن شيئا ما يحضر.
من القوادح أن عددا من المتابعين ساهمت في ذلك ما حصل مع رئيس إحدى مؤسسات الاتصالات الليبية من القبض عليه ومداهمة المؤسسة، مؤسسة الاتصالات الليبية العوائد المالية لها كبيرة، لهذا كان القادح الأول إن صح التعبير من الجانب الأول، ثم تلته مواجهات بين كتيبتين الأولى كتيبة 444 بقيادة محمود حمزة والتي واجهت الكتيبة التي يقودها عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة” الذي كان يتولى منصب قائد جهاز دعم الاستقرار، والتي انتهت بمقتله.
كل هذا تلته مجموعة من القرارات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية بحل عدد من الأجهزة، ونجم عن ذلك مواجهة هذه القرارات في قلب طرابلس، وخلف ذلك مقتل العشرات وخسائر مادية معتبرة في قلب العاصمة طرابلس.
لماذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا؟
الاستقرار في ليبيا هو مطلب الجميع يدعي به أصلا، ولكن الواقع ينفي ذلك، خاصة أن هنالك من الانسداد الداخلي، حالة يعبر عنها بحوار الطرشان، نتحدث عن طاولة خماسية كما سماها المبعوث الأممي السابق عبد الله بتيلي، تشمل المجلس الأعلى للدولة، حكومة الوحدة الوطنية، مجلس النواب، المجلس الرئاسي، القيادة العامة أو الجيش العربي الليبي بقيادة حفتر.
هذه الأطراف الخمسة وقدرتها على تنسيق مواقف لإخراج ليبيا من الوضع الانتقالي وغياب نص دستوري ضابط وحاكم، وعدم وجود شرعية لكل هذه الأجسام سواء التي انتخبت داخليا أو التي دخلت بموجب اتفاق تونس، جنيف، أو مسار برلين، كل هذه الآجال القانونية انتهت لها.
لم نعد نتحدث عن الشرعية والمشروعية، الكثير من المتابعين يقولون إنها أصبحت غير موجودة لكل هذه الجهات السيادية والسياسية..
واستقرار ليبيا ليس مرتبطا بهذه التناقضات فقط والاختلافات الداخلية، خصوصا بحالة الانقسام الأفقي والعمودي التي تشق القوى الكبار، خاصة الخمس الكبار في مجلس الأمن والمؤسسات الأممية، ما يلقي بظلاله على الحالة الليبية التي لها خيرات وموقع إستراتيجي يجعل الأطماع تكون كثيرة، زد على ذلك حالة السيولة التي تمر بها المنطقة وإعادة التشكل الجيوسياسي والإستراتيجي، خاصة ما تعلق بالهجرة وتجارة المواد الخطرة والممنوعة والتشكيلات المسلحة والجماعات المسلحة والوجود الأجنبي في المنطقة ككل، هذا كله ساهم في تعقيد الوضع وتركيبه.
هل تحولت البلاد إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية؟
القوى الإقليمية ووجودها في ليبيا، مسألة ليست بالمستجدة أو الحديثة هو تنافس على أشده، التنافس يأخذ أبعادا اقتصادية، وكثير من المتابعين يشيرون إلى الحوار الأسطوري بين “توتال” و”إيني”، و”أهتام إكسبون موبايل” الأمريكية وغيرها، كـ”شال” و”بي.بي”، والشركات الكبرى التي تهتم بأن تكون موجودة مما يجلب معه البلدان التي تنتمي إليها الشركات متعدّدة الجنسيات، ثم يصبح التنافس على هذه الرقعة محموم حتى بين أبناء الصف الواحد.
ليبيا أصبحت ساحة لتسوية صراعات إقليمية، سواء تحدثنا عن الصراع المصري التركي أو الروسي التركي، الايطالي الفرنسي، الأمريكي الروسي، كل هذه النزاعات هي جزء يسوى بشكل غير مباشر على الأراضي الليبية، سواء بتفاهمات أو في شكل تحالفات تقام وتفض هنالك، ما يجعل الصراع الإقليمي عنصرا يزيد من تعفين وتعقيد الوضع.
من يحرك الفصائل المسلّحة في ليبيا؟
الفصائل المتناحرة والتشكيلات المسلّحة تحركها خلفيات ثلاثة، فهي جزء من حركها مرتبط بإثبات وجودها، وجزء ثان قد يكون مرتبطا بمجموعة من التحالفات الداخلية أو الخارجية، وجزء ثالث مرتبطا بمصالح اقتصادية وجيوسياسية وإستراتيجية تكسبها.
تحريك رقعة ما يستلزم تحريك رقعة أخرى، الأمر الذي يجعل التنافس بين الفصائل قائما منذ مدة.
السؤال هل الدولة الليبية المأمولة يمكن لها أن تتواصل، وأن نحلم أن تكون موجودة في ظل تناحر بين الفصائل، في ظل عدم وجود سلطة مركزية للدولة، وسلطة هرمية خاصة لمسك السلاح وتنظيمه بشكل يكون مناسبا للوضع في ليبيا والإقليم، ويكون متسقا مع التحديات الوطنية والإقليمية والدولية.
هل هناك خلاف جلي بين المجلس الرئاسي والحكومة؟
نظريا وفق اتفاق جنيف، المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي وعضوية كل من عبد الله اللافي وموسى الكوني يكون في نفس السفينة مع الحكومة، على الأقل هذا المفترض، ولكن هنالك مجموعة من وجهات النظر المختلفة والمتباينة في عدد من المواضيع كالمصالحة الوطنية والسلاح والعلاقات مع الخارج، تجعل العلاقة بين المجلس الرئاسي والحكومة غير طبيعية.
كان يُفترض أن الهيكلين في مركب واحد وتوجهات واحدة، وهذا ما جعل اللعب على مختلف التفاهمات داخل الخماسية أمر ممكن، سواء تحدثنا عن الدبيبة والمجلس الرئاسي من جهة، والمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب من جهة أخرى، وأخذ ورد من جانب إلى آخر.
وماذا عن حفتر، كيف تتوقع له أن يتحرك؟
في ظل كل ما ذكرت، يبقى جيش حفتر عنصرا موجودا ولكن غير مفعل، هل هذا سيعطيه قدرة على مناورة سياسية أو ميدانية، خاصة وأن أنباء تتحدث عن تحرك بعض الآليات من منطقة بويرات الحسون بشرق سرت في اتجاه الغرب أي في اتجاه العاصمة، هل هذه فقط رسائل روتينية أو رسائل مبطنة، كل هذه أسئلة تبقى مطروحة.
ما نأمله أن الحكمة في ليبيا نزعت فتائل مواجهات وحرب في مناطق أخرى سابقا، تفلح في نزع فتيل هذه الأزمة، مرفوضة بالدور الإقليمي المهم جدا ولعل آلية التنسيق الثلاثي التونسية الجزائرية الليبية تكون شكلا من أشكال المساهمة في الحل الليبي، خاصة أن وزارة الخارجية التونسية أعلنت استعداها لتنكون أرضا للقاء الأشقاء الليبيين، وكذلك البيان الجزائري الذي دعا إلى تغليب لغة الحوار، نأمل أن تلتقط هذه الإشارات لتجنيب البلاد ويلات الصراع.
الشروق أونلاين