تعيش موريتانيا على وقع الحملات الدعائية لانتخابات تشريعية وبلدية وجهوية(مناطقية) مهمة في تاريخ البلاد، حُدد موعدها في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، وتتنافس فيها مختلف الأطياف السياسية الموريتانية، في اختبار حقيقي لكل طرف لقياس حجمه الفعلي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام المقبل، ما جعل الانتخابات الحالية تشهد أكبر مشاركة في تاريخ البلاد بعد إعلان كل الأحزاب السياسية مشاركتها، موالاة ومعارضة بلا استثناء.
واحتدمت المنافسة بين 98 حزباً سياسياً تسعى كلها لإيجاد موطئ قدم في الساحة السياسية الموريتانية، وقياس حجمها الحقيقي في أبرز محطة انتخابية يشهدها البلاد في تاريخه. ومن أبرز ما يميز هذا الاستحقاق ويجعله ذات أهمية قصوى لكل الأحزاب السياسية، اتساع رقعة النسبية، إذ تسمح القوانين التنظيمية الجديدة بالتنافس على أساس قواعد الاقتراع النسبي على 29 مقعداً في 9 دوائر انتخابية تشريعية، و59 مقعداً في 3 دوائر انتخابية أخرى. كما أنها ولأول مرة تحدث اختراقات نوعية في أنماط المشاركة الانتخابية، إذ يشارك مدوّنون وحقوقيون وشباب من مختلف الخلفيات.
ولعل أبرز ما استجد في هذه الانتخابات، هو ما يتعلق بتجربة الانتخابات الجهوية (المناطقية) (مجالس لتحقيق التنمية المحلية تم إقرارها بديلاً لمجلس الشيوخ الذي حُل بعد تعديل دستوري في أغسطس/آب من العام الماضي)، والتي يخوضها الموريتانيون لأول مرة.
سعي للصدارة
شكّل قانون حلّ الأحزاب السياسية في موريتانيا العامل الأبرز في ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات الحالية، إذ يفرض القانون حلّ كل حزب سياسي قدّم مرشحين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1 في المائة من الأصوات، أو لم يشارك في اقتراعين بلديين اثنين متتاليين. وعلى الرغم من أن حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم يُعتبر أبرز القوى، وأكثرهم تمثيلاً في البرلمان والمجالس البلدية، بعد حصوله على أغلبية في آخر انتخابات أجريت في العام 2013، إلا أن كثرة المنافسين وتنوعهم، فرضا على الحزب اتخاذ إجراءات عدة لمحاولة تصدر المشهد السياسي من جديد، أو المحافظة على المكاسب السابقة، في وقت تشتد المنافسة، ويفتح المجال لكسب ثقة الناخب عن طريق البرامج الانتخابية للمرشحين من مختلف الأحزاب المشاركة في الانتخابات.
وشكّلت انطلاقة الحملات الدعائية للانتخابات الحالية في موريتانيا، مرحلة مفصلية، برهنت على قوة التنافس وحدّته، إذ حشدت أغلبية الأحزاب المشاركة جماهيرها لحضور انطلاق حملاتها، وهو ما حتّم على الحزب الحاكم العمل الحثيث لكسب الرهان، ومواجهة التحديات المحتملة عشية التصويت في انتخابات الأول من سبتمبر المقبل.
وقال عضو حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، سيدي ولد سيدي أحمد البكاي، إن حزبه هو الوحيد الذي قدّم مرشحين للانتخابات الحالية في كل الدوائر الانتخابية، ما يعطي مؤشراً واضحاً ليس فقط على سعيه للمحافظة على المكاسب السابقة، بل لزيادة الوجود والانتشار في مختلف الدوائر في البلد.
وأوضح ولد سيدي أحمد البكاي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحزب شكّل لجاناً لإدارة حملاته الدعائية في عموم البلاد، وباشرت مختلف قياداته وأعضائه والمنتسبين له العمل على التوعية، وتوجيه الناخبين للتصويت للوائح الحزب على مستوى الانتخابات التشريعية، والبلدية، والمناطقية، مشدداً على أن "تصدّره المشهد السياسي وحصوله على أغلبية مريحة ليسا محل جدل". وأضاف أن مشاركة كافة الأطراف السياسية في الانتخابات أمر إيجابي، ومحل ترحيب، لكنها لا تُشكّل أي خطر على الحزب الحاكم ومكانته، مشيراً إلى أن المعارضة ستتشتت جهودها، ويكسب الحزب الحاكم أكبر نتيجة في الانتخابات.
نضال لكسب الرهان
جاء حزب "التجمّع الوطني للإصلاح والتنمية" (تواصل) الإسلامي، ثانياً بعد الحزب الحاكم في عدد مرشحيه في مختلف الدوائر الانتخابية في البلاد، إذ قدّم 156 لائحة بلدية، ورشح لكل دوائر الانتخابات المناطقية، كما قدّم ترشيحات في 38 دائرة نيابية.
وقال القيادي في حزب "تواصل"، ومرشحه على رأس لائحة نواب العاصمة نواكشوط، محمد ولد محمد أمبارك، إن الحزب شارك في الانتخابات الحالية بروح نضالية، وإنه يطمح لتحقيق نتائج أفضل من التي حصل عليها في انتخابات 2013. وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحزب يتمتع بحضور قوي وانتشار واسع على المستوى الوطني، وترشيحاته تكشف عمقه وقدرته على كسب رهان المرحلة، عن طريق زيادة مكاسبه الانتخابية في معظم الدوائر.
ولفت ولد محمد أمبارك إلى أن حزب "تواصل" هو القوة الثانية بعد الحزب الحاكم لعدد من الاعتبارات، منها عدد ترشيحاته المحلية والنيابية، وحضوره وتمثيله في عدد من الدوائر الانتخابية، وتمكّنه من فتح فروع وأقسام في كافة أنحاء البلاد. ورأى أن "اللجنة المستقلة للانتخابات التي تشرف حالياً على العملية الانتخابية ضعيفة وغير قادرة على القيام بمهمتها، نظراً لأنها لم تكن نتاج توافق وتشاور سياسي، بل شُكّلت بعد الحوار السياسي الذي شاركت فيه أحزاب سياسية مقربة من السلطة".
وتحدث ولد محمد أمبارك عن "استمرار التدخّل السافر للحكومة في مجريات العملية الانتخابية"، معتبراً أن "أعضاء الحكومة يقودون الحملات الدعائية، ويتخلّون عن عملهم، وهو ما يشكّل عدم حياد من قِبل السلطة وآليات الدولة التي يتم استغلالها بشكل فجّ لصالح الحزب الحاكم".
تحالفات سياسية مؤثرة
يضم المشهد السياسي الموريتاني في مرحلته الجديدة الكثير من التكتلات والأحزاب السياسية التي تطمح لتسجيل حضور قوي في انتخابات سبتمبر، على الرغم من قوة المنافسة وتعدّد المنافسين. ورأى الباحث والمحلل السياسي، محمد الحافظ ولد الغابد، أن الانتخابات الحالية مهمة بشكل كبير بالنسبة للسلطة التي تبدو حظوظها فيها أوفر بشكل لافت، بينما لن تسجل المعارضة أكثر من المشاركة والحضور النسبي في المشهد الانتخابي. وأضاف ولد الغابد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المنافسة الكبرى ستكون بين "الاتحاد من أجل الجمهورية"، و"تواصل"، خصوصاً بعدما خرج الرئيس محمد ولد عبد العزيز متصدراً حملة الحزب الحاكم، ومتبرئاً من الأحزاب الأخرى في الأغلبية.
ولفت ولد الغابد إلى وجود أحزاب مهمة في السباق الانتخابي الحالي، منها حزب "التحالف الديمقراطي" الذي يقوده يعقوب ولد أمين، وكذلك التحالف السياسي بين حركة "ايرا" الحقوقية وحزب "الصواب" القومي البعثي، الذي يُعتبر من أبرز التحالفات التي قد تحقق مكاسب سياسية. وأضاف أن هناك أيضاً كتلاً سياسية مهمة، أبرزها تكتلات المعارضة التقليدية كـ"منتدى الديمقراطية" وتحالفه الواسع على مستوى العاصمة نواكشوط المرشح للفوز أو المنافسة بشكل قوي مع الحزب الحاكم خصوصاً على مستوى البلديات، والمجالس المناطقية، إضافة إلى تحالف "تكتل القوى الديمقراطية"، وحزب "إيناد"، وهو تحالف قوي، وإن أثرت فيه مقاطعاته انتخابات 2013.
أمام هذا الواقع، يُجمع المراقبون على أهمية الانتخابات الحالية في موريتانيا لكونها تأتي في سياق تغييرات دستورية كبيرة، تمثّلت في إلغاء إحدى غرف البرلمان (مجلس الشيوخ)، واستبدالها بمجالس جهوية (مناطقية) منتخبة، إضافة إلى كونها تأتي قبل أشهر من التحضير لتحوّل سياسي جديد، في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2019، والتي أعلن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه لن يترشح فيها، مما سيفتح المجال من الناحية الشكلية على الأقل، لتناوب ديمقراطي من داخل النظام نفسه، ولكنه ربما سيحقق فرصاً أفضل من مجرد استمرار الرئيس لولاية ثالثة.
نقلا عن العربي الجديد