لمَ أصبحت المظاهر هي التي تحكم العيد!

22 أغسطس, 2018 - 09:37

لقد بات عيد الأضحى عادة أكثر مما هو عبادة، وأصبح الاحتفال به فرضا لا ينبغي الخروج عنه، حيث أن هناك من تمنعه ظروفه من ممارسة هذا التقليد، لكن يقوم بالممكن والمستحيل من أجل الظهور بمنطق القوي، وهكذا يضطر إلى الاقتراض أو بيع أشياء تخصه من أجل شراء أضحية أفضل من تلك التي اقتناها الجار، هذا التقليد الديني المتوارث أصبح ضرورة لا محيد عنها في العالم الإسلامي، ولقد توارثوه وترسخ في ثقافتهم حتى أمكن درجه خارج إطار الدين، ذلك أن شراء أضحية العيد أصبح مظهرا يحكم المجتمعات، إذ يبحثون على أجود الأكباش وأغلاها من أجل إظهار المكانة المادية، وكل ذلك لا يليق بمناسبة دينية من هذا المستوى، والأصل فيه هو التعبد بدل العناد في شراء الأضحية، ومن هنا باتت النظرة المجتمعية هي الدافع لمسايرة التقليد، ولم يعد الأمر مرتبطا بسنة إبراهيم.

منذ تلك الأسطورة -المعجزة- والتي كاد فيها إبراهيم يذبح ابنه، بناء على حلم أزعجه، في تلك اللحظة التي كاد فيها ابراهيم يرتكب تلك الجريمة في حق ابنه، بعث الله له كبشا عوض به جريمته تلك، وهكذا أصبحت الأكباش هي التقليد الذي بات يشكل محور هذا اليوم الخاص لدى المسلمين، فلو قام إبراهيم بذبح ابنه، لانقرض المسلمون، لأنهم سيأخذون ذلك التقليد على محمل التقليد، ومن ثم سيذبحون أبنائهم، ورغم أن وثيرة الولادة سترتفع لمواجهة النقص الذي قد يحصل، إلا أنه سينتهي الأمر عاجلا أو آجلا، وحتى لا يحدث ذلك، كان الكبش كبش الفداء، فتغير الوضع، فأصبحنا أمام تقليد خرافي لا يتقبله العقل.

لعل المتنور لن يصدق كيف حدثت تلك المعجزة، لأن عقله لا يؤمن بالمعجزات، ولكن عقل المؤمن سيصدقها دون أدنى شك، رغم أنها تحتمل الصواب والخطأ، كيفما كان الحال، إلا أن هذا التقليد فرض نفسه بقوة كما فرضت التقاليد نفسها على العالم الإسلامي بشكل يصعب معه إعمال العقل للتساؤل حول كل تلك الأمور، واليوم نرى أن المسلمون يحتفلون بهذا التقليد في إطار ديني محض، رغم أنه لم يعد محكوما بالدين كما ينبغي، ولم يعد مرتبطا بالدين بناء على المسائل التي استوجبها الدين بخصوص مناسبة عيد الأضحى والشروط التي يلزم أن تقود هذا التقليد الديني.

لعل العديد من الأمور فقدت قيمتها في العالم الإسلامي، والدين أبرز هذه الأمور، إذ بات مرتبطا بالمظاهر أكثر منه تعبدا مبنيا على الخشوع، والحق أنه مسألة فردية مرتبطة بالأفراد وعلاقاتهم بربهم، وكل فرد يبقى حر في ممارسته من عدمه، والخروج منه أو الاعتقاد به، لكن هذه المسألة مختلفة في العالم الإسلامي، فهو بمثابة تقليد جماعي يتأسس على الجماعة وليس على الأفراد، والأفراد مجبرون واقعيا على مسايرة الجماعة علنا، لأن مخالفتهم قد يفضي إلى ما لا يحمد عقباه.

هذه المظاهر التي بدأت تحكم الدين كان حريا أن نجدها في مناسبة عيد الأضحى، فلم يعد العيد عيدا إبراهيميا مبنيا على حلم كاد في الأصل أن يكون فيه ابن ابراهيم مذبوحا، بل أصبح مظهرا اجتماعيا يستعرض فيه المجتمع عضلاته المادية ومدى قدرته على اقتناء كبش أفضل من كبش الجار، وحتى ذاك الذي لم يقدر على شرائه، يصبح ملزما بممارسة المستحيل لكي يساير القبيلة في منافستها، ولما بلغت المسائل هذا الحد المريض، بات واضحا أنه لا يجب أن نأخذ هذه المسائل على محمل الجد، وأن نستغني عنها لو استدعى الأمر ذلك، لأنه ليس طبيعيا أن يحمل الإنسان نفسه ما لا طاقة له به، وليس من الحكمة أن يكون الدين هو السبب في هذه المنافسة المجتمعية السلبية من أجل استعراض العضلات المادية في مناسبة يقدسها البشر في العالم الإسلامي.

يجب أن نعتبر جميع الأيام بمثابة أعياد، وأن نعمل من أجل أن تكون كذلك، عن طريق ممارسة حياتنا بأساليب مناسبة ومقبولة، وأن نحاول أن نجد الطريق إلى الشروط التي من شأنها أن تجعلنا نشعر بالسعادة

حان الأوان لإعادة النظر في هذا التقليد الأسطوري، وألا نتعامل معه بتلك الجدية اللازمة، وأن نعطي للأفراد حرية ممارسته من عدمها، لأنه لا يعقل أن تصير مناسبة دينية تقليدا تجاوز ما كان متوقعا منها. ومن جهة مقابلة نجد المسلمون قد خلقوا عدة أعياد لأنفسهم للاحتفال ولأشياء أخرى، ولكنها في الغالب لا تسير حسب المنهاج الذي وضعت من أجله، ففقدت قيمتها ومعناها، وبدا واضحا أن العالم الإسلامي يأخذ هذه المسائل ظاهريا ويمارسها مظهريا، وهنا يتضح أن هناك خللا يجب إعادة النظر فيه ومساءلته، ولم تكتفي المجتمعات بهذه الأعياد الدينية، بل تمت إضافة عدة أعياد وطنية أخدت بدورها صفة التقديس، وهكذا تجاوزت الأمور ما كان متوقعا.

لعل الطرح الذي يثيرني شخصيا في مسألة العيد، هو أن العيد في نظري بمثابة إحساس، هذا الإحساس هو الذي يشعرني بنوع من الفرح والسعادة في اللحظات التي تكون فيها أموري قد توفقت، ومن هذا المنظور أجد أننا يجب أن نعتبر جميع الأيام بمثابة أعياد، وأن نعمل من أجل أن تكون كذلك، عن طريق ممارسة حياتنا بأساليب مناسبة ومقبولة، وأن نحاول أن نجد الطريق إلى الشروط التي من شأنها أن تجعلنا نشعر بالسعادة في جميع الأيام بدل أن تكون الفرحة منحصرة على ذلك اليوم الذي أوجده أجدادنا لنفرح فيه ونتصالح فيه ونستمتع فيه بوقتنا، يجب أن نقوم بذلك في جميع الأيام، وأن نملأ قلوبنا بالمحبة والقناعة، وأن نأخذ حياتنا بمنطق إنساني.

لحبيب آيت أ صالح

كاتب صحفي