من مدينة "الينابيع الساخنة" التي كان يحلو للبلاط الإمبراطوري الاستمتاع بمياهها، إلى "الزهرة الجديدة".. هكذا اخترقت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الزمن، لترسم محطات مختلفة حدّدت معالم التاريخ الحديث والمعاصر للمدينة.
أكثر من 80 قومية تقطن، حاليا، هذه المدينة التي استطاعت أن تحتضن عرقيات مختلفة، وتمنحهم نقاط تقاطع مهّدت للتعايش المشترك، ولظهور توليفة فريدة من نوعها عنوانها التسامح والحوار.
وكغيرها من عواصم العالم، مرّت أديس أبابا بمراحل متعددة، وذلك منذ ميلادها عام 1886، حتى تاريخها الراهن.
امتداد زمني وتشعبات مليئة بالأحداث جعلت منها أكبر مدن إثيوبيا وأهمها، حيث يقدر سكانها اليوم بأكثر من 6 ملايين نسمة، وفق أحدث التقديرات الرسمية.
كما تقطنها مختلف القوميات الإثيوبية التي يتجاوز عددها الـ80 قومية، وعلى رأسهم "الأرومو" باعتبار أن المدينة تقع ضمن نطاق أراضي هذه القومية.
** النشأة والتكوين
أديس أبابا؛ مدينة تأسست عام 1886، واختار اسمها الذي يعني "الزهرة الجديدة"، الإمبراطور الإثيوبي، منليك الثاني (1844- 1913)، بعد أن بنت زوجته الإمبراطورة تايتو بيتول، بيتا بالقرب من منطقة تكثر فيها الينابيع المعدنية الساخنة.
في البداية، كانت المدينة تقع عند سفح جبل "إنطاطو" المطل عليها من الجهة الشرقية، قبل أن تبدأ بالتوسّع تدريجيا، وتتمدّد نحو الوسط ، بعد أن استقر عدد من النبلاء والوجهاء المقربون من الإمبراطور وموظفيهم في منطقة مجاورة.
وتتميز أديس أبابا بموقعها الجغرافي على ارتفاع ألفين و500 متر، عن سطح البحر، ما يجعلها خامس أعلى عاصمة في العالم.
وبعد أن وسع مينليك الثاني، منزل زوجته ليصبح قصرا إمبراطوريا، تتخذه الحكومة الإثيوبية مقرا لها، بات المنزل من أهم المعالم بالمدينة من حيث زينته ومعماره ونقوشه.
وفي عام 1936، احتلت المدينة من قبل القوات الإيطالية، لتصبح عاصمة روما لشرق أفريقيا من العام المذكور حتى 1941.
وإثر جلاء الجيش الإيطالي من إثيوبيا، عاد هيلا سيلاسي (1892- 1975)، آخر أباطرة إثيوبيا، إلى أديس أبابا، ليبدأ على الفور أعماله في إعادة إنشاء العاصمة.
وأديس أبابا يصطلح على تسميتها في اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية للبلاد، بـ"الزهرة الجديدة"، فيما تعرف عند قومية الأرومو، باسم "فين فينا"، وتعنى الينابيع الساخنة وهو الاسم القديم للمنطقة.
ويعتبر الإمبراطور هيلا سيلاسي أحد القادة الأفارقة الذين ساهموا في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، ودعا إلى أن تكون أديس أبابا المقر الرئيسي للمنظمة التي تحوّلت إلى "الاتحاد الإفريقي" في 2002 .
وتعدّ "أديس أبابا" ثالث عاصمة عالمية في استضافة المؤتمرات، بعد نيويورك الأمريكية وجنيف السويسرية، مستفيدة من احتضانها لمقرّات الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن احتضانها لأكثر من 127 سفارة إفريقية وأجنبية.
** أهم معالم المدينة
علاوة على المقرات الرسمية الإقليمية والدولية، توجد بالمدينة معالم هامة مثل متحف إثيوبيا الوطني بحي "عرات كيلو"، إلى جانب متحف أديس أبابا الواقع خلف ميدان "مسقل" وسط العاصمة.
ويضم المتحف الأخير بعض القطع الفنية الثمينة والجميلة، كما يستعرض العديد من مقتنيات الأباطرة السابقين لإثيوبيا.
وبالمدينة أيضا سوق "ماركاتو"، والتي تعتبر أكبر سوق شعبية مفتوحة بالقارة الإفريقية، وقد تأسست بداية القرن الـ19 .
وللطبيعة أيضا سحر خاص في هذه المدينة الحالمة، حيث ينتصب شرقها جبل "أنطوطو" المميّز بإطلالته الرائعة وجمال ملامحه، إضافة إلى حديقة الأسود المزدانة بجمال أشجارها وزهورها ومطاعمها الشعبية وتنوعها الحيواني.
أما المعالم الدينية، فلا تغيب بدورها عن المدينة، مستعرضة هذا الجانب من تاريخها المتنوع، من ذلك مسجد أنوار العتيق الذي يتوسّط سوق "ماركاتو"، وكاتدرائية "الثالوث المقدس"، التي تعدّ ثاني أهم كنيسة في إثيوبيا، بميزاتها وجمالها وروعة التماثيل الفنية المحيطة بها.
** "ثورة عمرانية"
منذ سنوات، تشهد أديس أبابا "ثورة عمرانية" تتضمّن توسيع مطار "بولي" الدولي، وبناء أكثر من 60 فندقا فاخرا، إلى جانب استحداث القطار الكهربائي، وتحديث الشوارع الرئيسية، وبناء الجسور.
هذا فضلا عن سعي الحكومة إلى إجراء بعض التعديلات والتغيرات في الأحياء العريقة، من خلال تعويض أصحاب المنازل فيها بأخرى في مجمعات سكنية حديثة ببعض المناطق، وبناء مجمعات تجارية.
غير أن تلك الحهود المبذولة لم تفلح في القضاء تماما على بعض الاحياء الفقيرة التي لازالت تتوسّط المدينة.
الأناضول