تَزايُد الأدِلّة على تَوَرُّط “المُوساد” في عمليّة اغتيال عالم الصَّواريخ السُّوري

8 أغسطس, 2018 - 09:10

لا نَعتقِد أنّ الذين فَرِحوا باغتيال الدكتور عزيز إسبر، خبير الصَّواريخ، ومدير المَركز السُّوري للبُحوث العِلميّة، على يَد خليّةٍ تابِعةٍ لجِهاز الاستخبارات الإسرائيليّ “الموساد” ، يَنتَمون إلى سورية، ويَتَمنّون الخَير لها، وللأُمّتين العَربيّة والإسلاميّة، أيًّا كانَت الذَّرائِع التي سيُسَوّقونها تَبريرًا لمَوقِفهم، فهذا العالِم الجَليل كان، وسَيَظَل، مَفخَرةً للعَرب والمُسلمين، لإنّه قَدّم إنجازاتً كبيرةً بِحُكم خِبرَتِه وعِلمِه وأبحاثِه في مَجالاتِ وقود الصَّواريخ، ونَقل هَذهِ التِّكنولوجيا المُتَطَوِّرة التي دَوّخت الإسرائيليين إلى حَركات المُقاوَمة في جنوب لبنان أو قِطاع غزّة، سَواء بِطَريقةٍ مُباشِرة أو غَير مُباشِرة.

عِندما يُرَحِّب يسرائيل كاتس، وزير الاستخبارات الإسرائيليّ باغتيالِه، ويقول في حَديثٍ مع راديو الجيش الإسرائيلي “نحن بالطَّبع لا نُعِلِّق على هذا النَّوع مِن التَّقارير، لكن إذا صَحّت التَّفاصيل عن أنشطةِ هذا الرَّجُل بأنّه كان يَقوم بتطوير أسلحةٍ كيماويّةٍ، وصَواريخ بعيدة المَدى، قادِرة على ضَرب إسرائيل فأنا بالتَّأكيد سأُرَحِّب بَرحيلِه”، فإنّ هذا التَّرحيب هو أكبر وِسام على صَدر هذا العالم المَفخَرة، وإدانَةً لِكُل الذين رَقَصوا طَرَبًا لاستشهادِه.

صحيفة “نيويورك تايمز” التي رجَّحت وقوف “الموساد” خَلف عمليّة الاغتيال هَذهِ وصفته بأنّه “أهم عُلماء الصَّواريخ التي يُمكِن إطلاقها بِدِقَّةٍ فائِضَةٍ على مُدُنٍ إسرائيليّة”، الأمر الذي يُؤكِّد أنّه كان مُستَهدفًا، ليس بسبب إنجازاتِه في ميادين الصِّناعةِ العَسكريّة، وإنّما أيضًا لعَلاقاتِه القَويّة مع إيران وحزب الله، والسيد حسن نصر الله شَخصيًّا.

إسرائيل، وبِدَعمٍ من الوِلايات المتحدة الأمريكيّة شَكَّلت وحَدات اغتيال إسرائيليّة خاصّة لاغتيال العُلَماء العَرب والمُسلِمين، ولم تُفَرِّق مُطلَقًا بين عالمٍ عِراقيّ أو سوريّ أو إيرانيّ أو فِلسطينيّ أو تونسيّ (الشهيد محمد الزواري)، فكُل عالم عَربيّ ومُسلِم يُشَكِّل تهديدًا وُجوديًّا لها يَجِب تصفيته، وربّما يُفيد التَّذكير باغتيالِ “الموساد” للعالم المصري يحيى المشد، الذي كان من أبرز عُلَماء الذرّة الذي شارَك في البرنامج النووي العِراقي، وتَصفِيَته أكثر من 300 عالم عِراقيّ بعد احتلال العِراق، وخَمسَة من كِبار العُلمَاء النَّوويين الإيرانيين.

الطائرات الإسرائيليّة أغارَت أكثَر من مرّة على مركز البُحوث العلميّة السُّوري في مِصياف، وحاوَلت أكثَر من مرّة اغتيال العالم إسبر، تمامًا مِثلَما أغارَت على مُفاعَل تمّوز العِراقي النَّووي عام 1981، لأنّها تتبنّى استراتيجيّة جَوهَرها حِرمان العَرب والمُسلمين من امتلاكِ أسبابِ القُوّة، وتَحقيق الرَّدع العَسكريّ القادِر على مُواجَهتها وعُدوانِها.

القِيادة الإسرائيليّة تُدرِك جيّدًا أنّ العَرب لن يتمكّنوا مُطلقًا من امتلاك السِّلاح الجَويّ المُتطوِّر، الذي يُضاهِي الطَّائِرات الأمريكيّة الصُّنع من طِراز “إف 15” و”إف 16″، وأخيرًا “إف 35″، ولهذا أرادوا، أي العَرب والمُسلمين، تَعويض هذا النَّقص بتَطوير قُدُرات صاروخيّة عالِيةِ الكَفاءة والدِّقّة في ضَربِ أهدافٍ في العُمُق الفِلسطينيّ المُحتَل، وإصابَة هذا الكَيان المُحتَل في مَقتَل.

ما يُؤكِّد هذه النَّظريّة ما كَشفه أمس المُحلِّل العَسكريّ الإسرائيلي يوسي ميلمان، المُختَص بالشُّؤون العَسكريّة والأمنيّة في مقالٍ له في صحيفة “معاريف” من أنّ كِبار الجِنرالات في الجيش الإسرائيلي يَعكِفون حاليًّا على دِراسَة “سيناريو” جَرى تقديم تفاصيله إلى المجلس الوِزاري المُصغَّر يُفيد بأنّ “حزب الله” قادِر على إطلاق 700 صاروخ يَوميًّا ولن يكون في مَقدِرَة “القُبب” الحديديّة التَّصدِّي لها، وصَدِّها.

اغتيال الشهيد عزيز إسبر على أيدي عُمَلاء “الموساد” يُشَكِّل خَسارةً كبيرةً لسُورية وللأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، ولكنّهما قادِرَتان على تَعويضِه، ولا بُد أنّ تلاميذه الكُثُر سيُواصِلون مَسيرَته في تَمكين مِحوَر المُقاومة بالصَّواريخ والأسلحة المُتطَوِّرة بإصرارٍ وعَزيمَةٍ كبيرين، فالمَعركة مع الاحتلال الإسرائيلي وداعِمِيه في أمريكا، والمُطبِّعين معه في دُوَلٍ عَربيّةٍ، معركة طويلة وشاقّة حافِلة بالتَّضحِيات، ولكن النَّصر مُؤكَّد في نهاية المَطاف، ومن يَضحَك أخيرًا يَضحَك كثيرًا، مِثلَما يقول المَثَل.

“رأي اليوم