السعوديّة تَطْرُد السَّفير الكندي وتُجَمِّد العَلاقات التِّجاريّة مع بِلادِه

6 أغسطس, 2018 - 16:40

طَرَدت المملكة العربيّة السعوديّة السفير الكندي في الرياض، واستدعت سفيرها من العاصِمة الكندية أوتوا، وجَمّدت جميع علاقاتِها التجاريّة، وقرَّرت سَحب حواليّ 15 ألف مُبتَعث سُعوديّ يَدرُسون في الجامِعات الكَنديّة، خاصَّةً في كُلِّيّات الطِّب والعُلوم، وذلك احتجاجًا على انتقاد الحُكومة الكنديّة لانتهاكات حُقوق الإنسان في المملكة، واعتقال ناشِطاتٍ سُعوديّات طالبن بُحُريّاتٍ أكبر للمَرأة من بينهن سمر بدوي، شقيقة اللِّيبراليّ المُعتَقل رائف بدوي، ولجين الهذلول، التي كانت من أوائِل المُطالِبات بحَق المرأة في قِيادَة السيّارة، إلى جانب ناشِطات أُخرَيات مِثل عزيزة اليوسف، ونوف عبد العزيز، وإيمان النفجان، ومياء الزهراني.

الدكتور محمد الزلفة، عُضو مجلس الشورى السعودي السابق، قال أن المملكة بهذا المَوقِف من كندا أرادَت أن تُوجِّه رسالةً قويّةً إلى دُوَلٍ أُخرَى بأنّ التَّدخُّل في الشَّأن السُّعوديّ خَطًّا أحمر، وأكّد في مُقابلةٍ مع راديو “بي بي سي” أن تُطالِب كندا المملكة بضَرورة الإفراج عن هؤلاء النَّاشِطات فَورًا كان السَّبب في هَذهِ الأزَمَة، فالسعوديٍة لا تَقبل مِثل هذا الأُسلوب.

ربّما تكون الحُكومة الكنديّة قد استخدَمت تعبيرًا “غير دِبلوماسيّ” في نَظر المَسؤولين السُّعوديين، بمُطالَبتها بالإفراج الفَوريّ عن المُعتَقلين، ولكن رد الفِعل السعودي يُوصَف بأنّه مُبالغٌ فيه في نَظَر الكَثير من المُراقبين، وأكبر بكَثير من “الجُرم” الكندي، فتَوجيه انتقادات لانتهاكات حُقوق الإنسان في المملكة لا يستحق طرد السُّفَراء، وسَحب المُبتَعثين، خاصَّةً أن دُوَلاً كَبيرةً في الغَرب تُقدِم على هذه الانتقادات، وآخِرها الخارجيّة الأمريكيّة.

حجم التَّبادُل التِّجاريّ بين المملكة العربيّة السعوديّة وكندا يَبلُغ أربَعة مِليارات دولار سَنويًّا، وتجميد هذا التَّبادُل ربّما تكون المملكة الخاسِر الأكبَر فيه، وإن كانت تستطيع أن تُعَوِّضه بحُكم ثَرائِها بالذَّهاب إلى أسواق دُوَلٍ أُخرى، لأنّ المملكة تَظَل بحاجَةٍ إلى أصدقاء، وليس خَلق المَزيد من الأعداء، خاصَّةً في الغَرب، حليفها الأساسيّ، في ظِل الظُّروف الحاليّة التي تخوض فيها حَربًا في اليمن، وتخسر أُخرى في سورية، وتَقِف على أبوابِ دَولةٍ ثالِثة هِي إيران، فخسارة كندا ستظل هامشيّة جدًّا إذا وَضعنا في اعتبارِنا أنّ النَّاتِج السَّنوي فيها يَزيد عن 1635 مِليار دولار، وتحتل المَرتبة العاشِرة كأقوى اقتصادٍ في العالم.

يُجادِل كثيرون بأنّ هَذهِ الحساسيّة الشَّديدة مِن قِبَل المَسؤولين في المملكة تُجاه مَسألة التَّدخُّل في شُؤونِها الداخليّة، تبدو زائِدةً عن الحَد، وليس في مصلحة المملكة إثارَتها، خاصَّةً أنّها تتدخّل عَسكريًّا في سورية واليمن وليبيا وربّما قَريبًا في إيران بهَدف تغيير الأنظِمة في هَذهِ البُلدان.

المملكة العربيّة السعوديّة خَسِرت ألمانيا، إحدى الدُّوَل العُظمَى في العالم الغربيّ، بسبب انتقاداتٍ مُماثِلةٍ لتدخّلها (المملكة) في اليمن، وإيقافِها بيع صفقات أسلحة لها، وها هِي تخسر كندا أيضًا، ويَعلَم الله من ستكون الدَّولة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، لأنّ تَوجيه دول غربيّة انتقاداتٍ لانتهاك حُقوق الإنسان في السعوديٍة مُوثَّقة من قِبَل مُنظّمات عالميّة كُبرَى مُتَخصِّصَة في هذا المَجال، ولا نَعتقِد أنها ستَتوقَّف نتيجةً لهذا الرَّد الانتقاميّ العَنيف ضِد كندا.

الحُكومة السعوديّة طالبت كندا بالاعتذار عن مَوقِفها هذا، وربّما يكون تَلبِيَة هذا الطَّلب صَعبًا، خاصَّةً بالنَّظر إلى الرَّد الكندي الأوّلي الذي أكّد على استمرار الحُكومة الكنديّة في الدِّفاعِ عن حُقوق الإنسان في العالم، وليس المملكة العربيّة السعوديّة فقط، لأنّ هذا الدِّفاع رُكنٌ أساسيٌّ من سِياساتِها.

في الثَّمانينات تقدَّمت الحُكومة السعوديّة بالطَّلب نفسه إلى بريطانيا، أي الاعتذار، كشَرطٍ لعَودة السُّفَراء بعد سَحبِهم على أرضيّة أزمة بَث محطّة تلفزيونيّة بريطانيّة لشريط “موت أميرة” الذي اعتبرته المملكة شَريطًا مُسيئًا إليها، وجرى حَل هَذهِ الأزَمَة بإعراب الحُكومة البريطانيّة “عن أسَفِها”، وليس اعتذارها، لعَرض هذا الشَّريط وعلى لِسان دوغلاس هيرد، وزير الدَّولة للشُّؤون الخارجيّة، وليس على لِسان وزير الخارجيّة نَفسِه اللُّورد كارينغتون، وجَرى الاكتفاء بهذا الحَل الوَسَط.

مَرَّةً أُخرى نَقول أنّ من حَق المملكة الحِفاظ على سِيادَتها، ومنع التَّدخُّل في شُؤونها الداخليّة من قِبَل الآخرين، ولكن شَريطة أن تُقَدِّم النَّموذج الرِّياديّ في هذا الإطار أوّلاً، وقد قدّمته فِعلاً لعَشرات السِّنين في الماضي، بطَريقةٍ أو بأُخرى، واتِّباع دبلوماسيّة أكثر مُرونةً عُنوانها كَسب الأصدقاء، وتَحييد الأعداء، وتَجنُّب زِيادَة عددهم ثانيًا، أو هكذا نَعتقِد في هَذهِ الصَّحيفة.

“رأي اليوم”